عوده: أيّ تقصير في خدمة أيّ إنسان ضعيف سنحاسب عليه أمام العرش الإلهيّ
"يا أحبّة، ما أجمل أن يجتمع الإخوة معًا، خصوصًا عندما تكون المحبّة عنوان الاجتماع. لقد صنع الرّبّ بقيامته كلّ شيء جديدًا (رؤ 21: 5)، ذلك من أجل خلاص الإنسان من آلامه الرّوحيّة وقيامه منها، وأوصى البشر أن يعتنوا بعضهم ببعض اعتناءهم بأنفسهم، مدفوعين بالمحبّة الّتي "لا تسقط أبدًا" كما قال بولس الرّسول (1كو:13 :8).
من هنا، يأتي عمل الطّبيب والممرّض وكلّ عامل في المستشفى إتمامًا لوصيّة المحبّة العظمى الّتي جعلها الرّبّ يسوع في عهدتنا عندما قال: "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب، بل المرضى" (مت 9: 12). الضّعيف هو المحتاج إلى العناية والرّعاية اللّتين هما من أوجه المحبّة المتعدّدة. لهذا السّبب أنشئت المستشفيات، خدمةً للإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، وتطوّرت مع مرور الزّمن لكي تواكب معركة الإنسان مع الأمراض. التّعامل مع المريض ومع كلّ إنسان على وجه الأرض، يجب أن يكون كالتّعامل مع الرّبّ نفسه، حتّى نسمع في يوم الدّينونة كلام سيّدنا القائل: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعدّ لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). أيّ تقصير في خدمة أيّ إنسان ضعيف سنحاسب عليه أمام العرش الإلهيّ، فكم بالحريّ إذا كان التّقصير في مؤسّسة تابعة للكنيسة، مستشفى النّفوس؟
العمل في مستشفًى لا يمكن أن يؤسّس لمجد شخصيّ، ولا يبحث عن مجد عندما يكون العمل خلاصيًّا كالطّبّ والتّمريض. المجد يرفع دومًا لله الّذي يمنح المواهب والقدرة على الإنجاز. القدّيس الرّوسيّ المعاصر لوقا المعترف الّذي كان جرّاحًا، لم يكن يدخل غرفة العمليّات إلّا وأيقونة والدة الإله معه، ليتقوّى بها، وكان يرجع نعمة الشّفاء والخلاص من الأمراض إلى الرّبّ يسوع ووالدته القدّيسة، فتقدّس هو بدوره.
اليوم نجتمع لتكريس قسم الطّوارئ في مستشفًى يحمل اسم القدّيس العظيم في الشّهداء جاورجيوس اللّابس الظّفر، شفيع مدينتنا بيروت. هذا القسم هو مرآة المستشفى لأنّ المريض يأتي إليه عندما يزوره مرض فجائيّ. فإن لم تكن الخبرة جيّدةً يكون الانطباع حول كلّ خبرة الاستشفاء سيّئًا.
لقد أصيب هذا القسم، كسائر أقسام المستشفى، في بشره وحجره، جرّاء الانفجار الّذي طعن قلب عاصمتنا الحبيبة بيروت وخلّف ضحايا ما زلنا نبكيهم، ومصابين ما زالوا يصارعون الموت، ودمارًا هائلًا أزال شيئًا من تاريخ بيروت وذاكرتها. مستشفى القدّيس جاورجيوس كان بين أكبر ضحايا الانفجار الّذي أتى على كامل أقسامه، وقد خسرنا عددًا كبيرًا من العاملين فيه وزوّاره وممرّضيه، وتعطّل العمل فيه لفترة، عمل خلالها المعنيّون على لملمة الجراح وبناء ما قد هدم. وفيما غاب المسؤولون في الدّولة ليس فقط عن مدّ يد العون، بل أيضًا عن السّؤال، وتجاهلت الدّولة الدّمار الهائل، والخسارة الكبيرة، هبّ جميع الإداريّين والأطبّاء والممرّضين والعاملين في المستشفى إلى العمل الدّؤوب من أجل إرجاعه إلى الخدمة الّتي نذر نفسه لها منذ ما يقارب المئة والخمسين سنة. هذا المستشفى ليس له إلّا ربّنا وشفاعة القدّيس جاورجيوس، بالإضافة إلى جهود القيّمين عليه، وصلوات قاصديه والمؤمنين برسالته، ومنهم مؤسّسة القلب الكبيرBig Heart Foundation الّتي شاءت المساهمة في تطوير قسم الطّوارئ وتحديثه، بغية تقديم الأفضل، ليتلاءم مع الحالات الواردة إليه من أجل تأمين أفضل خدمة للإنسان. لذلك، لا بدّ أوّلًا من تقديم الشّكر لله المعطي، ثمّ لطاقم العمل من أطبّاء وممرّضين وإداريّين، الّذين يكدّون لينتصر المريض على آلامه بشفاعات القدّيس العظيم جاورجيوس. كما لا بدّ من شكر جميع الّذين قدّموا من مالهم ووقتهم وجهدهم في سبيل إبصار هذا القسم النّور بحلّته الجديدة، وعلى رأسهم مؤسّسة القلب الكبير الّتي نشكر القيّمين عليها ونرحّب بهم.
ألا بارك الرّبّ الجميع، وشفى المرضى من أمراضهم الجسديّة والرّوحيّة، حتّى يسبّحوا اسمه القدّوس ويمجّدوه بسبب كلّ من اعتنى بهم كملاك رحمة، آمين."