لبنان
02 حزيران 2025, 05:55

عوده: دعوتنا اليوم أن نحفظ أنفسنا في المسيح من كلّ تعليم ضالّ ومضلّ

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما دعا إليه متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس الياس عوده خلال عظة قدّاس الأحد الّذي احتفل به في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس- وسط بيروت، وفيها قال تفصيلًا:

"أحبّائي، نسمع في إنجيل اليوم صلاة الرّبّ يسوع الّتي بها خاطب الله الآب قائلًا: "إحفظهم باسمك الّذين أعطيتهم لي ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو 17: 11). قال هذه الكلمات لأنّه عارف بما ستواجهه الكنيسة من هجمات واضطهادات بعد موته وقيامته وصعوده إلى السّماوات. لذلك، نجده يؤكّد على هذه الصّعوبات المقبلة بقوله: "إحترزوا من الأنبياء الكذبة، الّذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنّهم من داخل ذئاب خاطفة" (متّى 7: 15). هذه الذّئاب تتغلغل في المجتمع، تبثّ أفكارًا كاذبةً مضلّلة، مدفوعةً بالجهل أو الحسد، أو مفتّشةً عن مجد أو ربح، وتشوّش نفوس البسطاء وتضلّلهم. سمعنا في رسالة اليوم: "سيدخل بينكم بعد ذهابي ذئاب خاطفة لا تشفق على الرّعيّة، ومنكم سيقوم رجال يتكلّمون بأمور ملتوية". هذه الأمور حصلت في القرون الأولى وما زالت تحصل في أيّامنا لأنّ طبيعة البشر شرّيرة إن لم تطهّرها دموع التّوبة وإن لم يتخلّ الإنسان عن كبريائه وعن حقده على أخيه الإنسان، وبقي في العمى الرّوحيّ كما كان قايين الّذي قتل أخاه حسدًا وحقدًا.

اليوم، تقيم كنيستنا المقدّسة تذكار الآباء القدّيسين المجتمعين في المجمع المسكونيّ الأوّل، منذ 1700 سنة، الّذين انتصروا على أحد تلك الذّئاب الخاطفة، المدعوّ آريوس، الكاهن الإسكندرانيّ الّذي هاجم وحدة الكنيسة وإيمانها القويم. لقد علّم آريوس أنّ ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح خليقة خلقها الله من العدم، عندما خلق جميع الكائنات. بكلام آخر، أنكر آريوس أنّ ألوهة المسيح هي نفسها ألوهة أبيه، ونأسف أنّنا نجد في يومنا هذا من لا يزالون يؤمنون بمثل هذه التّعاليم الخاطئة والمضلّة عن الرّبّ يسوع أمثال شهود يهوى وغيرهم من البدع. لذا كان لا بدّ للكنيسة من أن تدحض الكذب والضّلال المؤدّيين إلى الموت الرّوحيّ، فاجتمع الآباء القدّيسون في سبعة مجامع مسكونيّة ليسطّروا التّعليم القويم بشكل عقائد ثابتة. ففي المجمع الأوّل الّذي نعيّد لآبائه اليوم، الّذي انعقد سنة 325 في مدينة نيقية في آسيا الصّغرى، وضع الجزء الأوّل من دستور الإيمان الّذي ما زلنا نتلوه حتّى يومنا هذا في صلواتنا، معلنين إيماننا بالإله المثلّث الأقانيم، المتساوي في الجوهر. يبدأ دستور الإيمان بالتّأكيد على أقنوم الله الآب. لقد علّمنا الإبن أن نصلّي "أبانا الّذي في السّماوات..." (مت 6: 9). هذه التّسمية، أو الخاصّيّة الإلهيّة لم تكن معروفةً في عالم العهد القديم، حين كان الله يدعى إلهًا وخالقًا وسيّدًا وملكًا وقاضيًا، إلّا أنّنا نلنا هذه العلاقة البنويّة مع الله من خلال ابنه. هذا ما نستشفّه من إنجيل اليوم، حيث نجد تأكيدًا على تلك العلاقة في كلمات الرّبّ يسوع: "هم كانوا لك وأنت أعطيتهم لي" (يو 17: 6). تؤكّد هذه الكلمات أنّ المسيح اتّخذ البشر، الّذين كانوا مخلوقين وعبيدًا لله، ولم يعرفوا الله إلّا كخالق وقاض، فجعلهم خاصّته، وبذلك أصبح كلّ البشر أبناءً لله بالتّبنّي، كما نقرأ في رسالة الرّسول بولس إلى أهل غلاطية: "أرسل الله ابنه... ليفتدي الّذين تحت النّاموس، لننال التّبنّي" (4: 5). أمّا الجزء الثّاني من القسم الأوّل من دستور الإيمان الّذي وضعه آباء المجمع الأوّل، فقد أكّد على أقنوم ابن الله، مظهرًا أنّه يحوي طبيعتين، واحدةً بشريّةً وثانيةً إلهيّة، ويشدّد على أنّ طبيعة المسيح الإلهيّة هي طبيعة الآب، كما نردّد في دستور الإيمان: "إله حقّ من إله حقّ". يشير الرّبّ يسوع إلى طبيعته الإلهيّة في صلاته الّتي سمعناها في إنجيل اليوم حيث يقول: "والآن مجّدني أنت يا أبت عندك بالمجد الّذي كان لي عندك من قبل كون العالم" (يو 17: 5). نفهم بوضوح أنّ الرّبّ يسوع ليس إنسانًا عاديًّا، أو خليقةً من مخلوقات الله. هو يقول لنا بنفسه إنّه كان مع الآب قبل أن يخلق العالم، كما نقرأ في إنجيل يوحنّا: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" وقد تجسّد وحلّ بيننا "ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب" (1: 14). إذا تأمّلنا هذه الكلمات نفهم أخطاء الهرطوقيّ آريوس الفادحة.

يقول القدّيس نيكولاي فيليميروفيتش إنّ صلاة "إحفظهم باسمك" لم تكن فقط "من أجل الرّسل... بل أيضًا من أجل آباء المجمع المسكونيّ الأوّل الّذين حفظهم الآب من أخطاء آريوس وأوحى إليهم، وأنارهم وقوّاهم من أجل الدّفاع عن الإيمان القويم وتثبيته... هذه الصّلاة هي من أجلنا جميعًا، نحن المعمّدين في الكنيسة الرّسوليّة، الّذين عرفنا إسم الرّبّ يسوع المخلّص". هذا ما نقرأه في نهاية الصّلاة الّتي سمعناها في إنجيل اليوم: "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل من أجل الّذين يؤمنون بي بكلامهم" (يو 17: 20) ما يعني أنّ صلاة يسوع الكهنوتيّة تشملنا أيضًا.

دعوتنا اليوم أن نحفظ أنفسنا في المسيح من كلّ تعليم ضالّ ومضلّ، ونستنير بنعمة الرّوح القدس، ونتقوّى بكلمة الرّبّ في إنجيله، ونحفظ العقائد الإلهيّة، ونثبت في الإيمان المستقيم أمام عواصف التّعاليم المضلّة الّتي تبقى كاذبةً ولو غلّفت بأبهى الحلل، آمين."