لبنان
20 حزيران 2022, 05:55

عوده: للإسراع بتشكيل حكومة مسؤولة تضع خطة إنقاذيّة ولو صعبة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القدّاس الإلهيّ، أمس الأحد، في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس، حيث ألقى عظة بعد الإنجيل المقدّس قال فيها:

"أحبّائي، بعدما عيّدنا الأحد الماضي لحلول الرّوح القدس في اليوم الخمسينيّ، نعيّد اليوم لثمرة الرّوح القدس، لجميع القدّيسين، الّذين نعرفهم والّذين لا نعرفهم أو لم تظهر قداستهم بعد. نعيّد أيضًا لجميع السّاعين إلى القداسة. نحن نقول في القدّاس الإلهيّ: "القدسات للقدّيسين"، والمعنيّون بهذه العبارة هم جميع الأحياء الّذين يعيشون وصايا الرّبّ، ساعين نحو القداسة في جهاد مستمرّ، وسط هذا العالم المليء بالشّرور والتّجارب، الأمر الّذي نسمعه على لسان الرّسول بولس القائل: "فإذ لنا هذه المواعيد أيّها الأحبّاء، فلنطهّر ذواتنا من كلّ دنس الجسد والرّوح، مكمّلين القداسة في خوف الله" ( كو 7: 1).

يقول القدّيس صفرونيوس: "إنّ القدّيسين أحبّوا الله حتّى أبغضوا ذواتهم، وهذا حدث يعبّر عن كمال المحبّة". يعني هذا الأمر أنّ القدّيسين هم الّذين انتصروا على الأنا البشريّة الّتي يستخدمها الشّيطان عادةً للإيقاع بخليقة الله في أشراك الكبرياء القاتلة، أمّ كلّ الخطايا. القدّيسون يقيمون علاقةً شخصيّةً مع المسيح من خلال الصّلاة وأسرار الكنيسة، ويحفظون وصاياه ويطبّقونها. فضيلة القدّيسين الأساسيّة هي التّواضع، شافي علّة الشّرّ الأولى، أيّ الكبرياء. التّواضع المقرون بالصّلاة يشدّد الإنسان بقوّة الرّوح القدس، لهذا السّبب نعيّد في الأحد بعد العنصرة لجميع القدّيسين معًا، لأنّهم ثمرة قوّة الرّوح القدس المقدّسة.

الكتاب المقدّس مليء بالإرشادات الّتي توصل قارئه إلى القداسة. يقول الرّبّ في سفر اللّاويّين: "وتكونون لي قدّيسين لأنّي قدّوس أنا الرّبّ، وقد ميّزتكم من الشّعوب لتكونوا لي" (20: 26). يذكّرنا الرّبّ يسوع بهذه الدّعوة قائلًا: "كونوا أنتم كاملين كما أنّ أباكم الّذي في السّماوات هو كامل" (مت 5: 48). نفهم من هذا الكلام أنّ الدّعوة إلى القداسة هي دعوة إلى الكمال، أيّ إلى العودة للمثال الّذي فقدناه مع سقوط آدم الأوّل في الخطيئة، الّتي لم تكن خطيئة "الأكل"، بل "الكبرياء"، إذ اقتنع آدم من الشّيطان أنّ بإمكانه أن يصبح مشابهًا لله. نسي أنّه على صورة الله ومثاله، أيّ مشابه له، فتغلّبت الأنا البشريّة على الحقيقة الفعليّة، وسقط سقوطًا مميتًا. للعودة عن هذا السّقوط، ينبغي للإنسان أن يجاهد، لكي يتقدّس مجدّدًا.

يحمّلنا الرّسول بولس مسؤوليّةً عظمى بقوله: "أما تعلمون أنّكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟" (1كو 3: 16). من سكن فيه روح الله عليه أن يبقى إلهيًّا وأن ينظّف قلبه وفكره، وكلّ كيانه، لكي يصل إلى القداسة المرجوّة. القداسة شرط أساسيّ من شروط العيش كأبناء لله. يقول بولس الرّسول: "إفعلوا كلّ شيء بلا دمدمة ولا مجادلة، لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء، أولادًا لله بلا عيب في وسط جيل معوجّ وملتو، تضيئون بينهم كأنوار في العالم" (في 2: 14-16).

من شروط القداسة أيضًا، الابتعاد عن شهوات الجسد الّتي يحرّكها الشّرّير في الإنسان ليلهيه عن إتمام أعمال الخير والصّلاح والتّقرّب من الله: "أمّا الزّنا وكلّ نجاسة أو طمع فلا يسمّ بينكم كما يليق بقدّيسين" (أف 5: 3). جسد الإنسان، هيكل الرّوح القدس، يجب أن يكون بكماله لله، لا أن يترنّح بين الله والشّرّير، لأنّ هذا يوقع صاحبه في الضّياع الشّامل، فيهوي في اليأس: "فأطلب إليكم أيّها الإخوة برأفة الله، أن تقدّموا أجسادكم ذبيحةً حيّةً مقدّسةً مرضيّةً عند الله" (رو 12: 1). هنا، نحن أمام مسؤوليّة كبيرة أيضًا. إن لم نحافظ على أجسادنا نقيّةً وطاهرةً فدينونتنا كبيرة، على حسب قول الرّسول بولس: "إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله، لأنّ هيكل الله مقدّس وهو أنتم" (1كو 3: 17).

إنّ من يقرأ الكتاب المقدّس بعناية يدرك أنّ الله محبّ للبشر، وجلّ ما يريده هو خلاصهم وقداستهم.

يا أحبّة، إنّ الجهاد نحو القداسة عظيم في بلدنا، والصّليب أصبح ثقيلًا جدًّا على أكتاف المواطنين. أصبحت سبل الحياة مستحيلةً في لبنان ولا حلّ إلّا بالإسراع بتشكيل حكومة مسؤولة تضع خطةً إنقاذيّةً ولو صعبةً، شرط أن تعلن للمواطنين، بطريقة واضحة وشفّافة، الخطوات الّتي ستتّخذها والنّتائج الّتي تعمل من أجلها. على الحكومة أن تكون صادقةً مع الشّعب وأن تعمل من أجل مصلحة الشّعب وحقوقه وحياته ومستقبله لا من أجل مصالح الزّعماء ومستغلّي الشّعب. الدولة مسؤولة عن مواطنيها وإذا أخطأت عليها إصلاح خطئها. دولتنا لم تحسن إدارة مرافقها وأموالها وأوصلت المواطنين إلى ما هم عليه. الفساد والهدر والمحسوبيّة والمحاصصة وسوء الإدارة هي الآفات الّتي فتكت بطاقات البلد وأموال الشّعب، وعلى الدّولة تحمّل مسؤوليّتها لا تحميل الشّعب نتائج فسادها.

أملنا أن تؤلّف حكومة بأسرع وقت وبلا مماطلة أو تعطيل، غايتها العمل من أجل إنقاذ ما تبقّى، بعيدًا عن المناكفات والمصالح والنّكايات، لأنّ التّحدّيات كبيرة والوقت يضيع. فاتّقوا الله واعملوا بهدي تعاليمه.

دعوتنا اليوم هي إلى القداسة الموصلة نحو الله، العارف خفايا البشر، والرّؤوف، الّذي بذل ابنه الوحيد من أجل خلاص كلّ العالم. علّ كلّ المسؤولين يتعلّمون المسؤوليّة الّتي هي بذل للذّات فقط، لا مصالح شخصيّةً فيها، هكذا يصل الجميع إلى الطّمأنينة والفرح في ربوع بلد بإمكانه أن يكون فردوسًا أرضيًّا مع كلّ ما أعطاه اله  من مقدّرات بشريّة وطبيعيّة يحسده العالم عليها، آمين."