في أوّل قدّاس من أجل العناية بالخليقة البابا يدعو إلى نشر التّناغم
البابا الّذي دعا المؤمنين إلى "عيش ما يحتفلون به في جمال كاتدرائيّة يمكن وصفها بالطّبيعيّة مع النّباتات وعناصر الخليقة الكثيرة الّتي جيء بها إلى هنا، ما يعني الشّكر للرّبّ"، أشار إلى أنّ "مَن يدخل هذه الكاتدرائيّة عليه أن يمرّ أوّلًا بالمياه، وهذا رمز لضرورة أن نغتسل من خطايانا وضعفنا كي ندخل سرّ الكنيسة الكبير."
وأضاف: "في بداية هذا القدّاس قد صلّينا من أجل ارتدادنا، وأريد أن أضيف أنّ علينا الصّلاة من أجل ارتداد أشخاص كُثر داخل الكنيسة وخارجها لا يدركون بعد الحاجة الملحّة إلى العناية بالبيت المشترك. إنّنا نشهد في العالم يوميًّا تقريبًا وفي كلّ مكان كوارث طبيعيّة كثيرة هي جزئيًّا نتيجة لمبالغة الإنسان وأسلوب حياته، ولهذا علينا أن نتساءل إن كنّا نحن أنفسنا نعيش أم لا هذا الارتداد، وهذا أمر هناك حاجة كبيرة إليه".
ثمّ تحدّث الأب الأقدس في عظته- بحسب "فاتيكان نيوز"- "عن عالم يحترق سواء بسبب ارتفاع حرارة الأرض أو جرّاء النّزاعات المسلّحة والّتي تجعل آنيّة رسالة البابا فرنسيس في وثيقتَي "كن مسبَّحا" و"Fratelli tutti".
وتابع: "إنّ مخاوف التّلاميذ أمام العاصفة والّتي يُحدّثنا عنها الإنجيل، هي مخاوف جزء كبير من البشريّة، إلّا أنّنا نؤمن ونحن في قلب اليوبيل أنّ هناك رجاء، رجاء التقيناه في يسوع، مخلّص العالم. إنّ قوّة يسوع لا تدمِّر بل تخلق، تهب حياة جديدة. ونتساءل: "مَن هذا حتَّى تُطيعَه الرِّياحُ والبَحر؟" (متّى 8، 27).
إنّ الاندهاش الّذي ينقله هذا التّساؤل هو الخطوة الأولى الّتي تجعلنا نخرج من الخوف. إنّ يسوع قد سكن وصلّى عند بحيرة طبرية، وهناك دعا تلاميذه الأوائل في أماكن حياتهم وعملهم. وتكشف الأمثال الّتي كان يستخدمها لإعلان ملكوت الله رباطًا عميقًا بين هذه الأرض، هذه المياه، وإيقاع الفصول وحياة الخلائق."
وعاد البابا إلى حديث القدّيس متّى في الإنجيل عن العاصفة مشيرًا إلى وصفه العاصفة باضطراب شديد، وقد استخدم متّى الإنجيليّ الكلمة نفسها في حديثه عن تزلزل الأرض لحظة موت يسوع وفجر قيامته.
وتابع الأب الأقدس أنّ "أمام هذا الاضطراب المسيح ينهض، يقوم، وهكذا فإنّ الإنجيل يجعلنا نرى القائم حاضرًا في تاريخنا المضطرب. إنّ يسوع قد زجر الرّياح والبحر مظهرًا قوّة الحياة والخلاص الّتي تغلب تلك القوى الّتي تشعر المخلوقات أمامها بالضّياع.
ونعود مجدّدًا إلى التّساؤل "مَن هذا حتَّى تُطيعَه الرِّياحُ والبَحر؟"، إنّ الإجابة على هذا السّؤال يبدو أنّنا نجدها في كلمات القدّيس بولس الرّسول في رسالته إلى أهل قولوسي: "هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة. ففيه خُلِقَ كُلُّ شيَء مِمَّا في السَّمَواتِ ومِمَّا في الأَرْض" (قول ١، ١٥-١٦). إنّ التّلاميذ في ذلك اليوم أمام العاصفة ووسط الخوف لم يتمكّنوا بعد من الإيمان بوصف يسوع هذا، أمّا نحن اليوم وبفضل الإيمان الّذي نُقل إلينا فيمكننا أن نواصل كما كتب القدّيس بولس في رسالته: "وهو رَأسُ الجَسَد أيّ رَأسُ الكَنيسة. هو البَدْءُ والبِكْرُ مِن بَينِ الأَموات لِتَكونَ لَه الأَوَّلِيَّةُ في كُلِّ شيَء" (قول ١، ١٨). هذه كلمات ملزِمة بالنّسبة لنا عبر التّاريخ، كلمات تجعل منّا جسدًا حيًّا، جسدًا رأسه المسيح، إنّ رسالتنا للعناية بالخليقة وكي نحمل لها السّلام والمصالحة هي رسالة المسيح، الرّسالة الّتي أوكلها إلينا. إنّنا نصغي إلى صرخة الأرض والفقراء لأنّ هذه الصّرخة تبلغ قلب الله. غضبنا هو غضبه وعملنا هو عمله."
ثمّ ذكّر البابا بما كتب صاحب المزامير "صوت الرّبّ على المياه، إله المجد أرعد. الرّبّ على المياه الغزيرة. صوت الرّبّ بالقوّة، صوت الرّبّ بالبهاء" (مز ٢٩، ٣-٤). وواصل قائلًا: "إنّ هذا الصّوت يُلزم الكنيسة بالنّبوّة، كما ويحشد العهد بين الخالق والمخلوقات ذكاءنا وجهودنا كي يتحوّل الشّرّ إلى خير والظّلم إلى عدل والجشع إلى شركة. بمحبّة لا تنتهي خلق الله كلّ شيء واهبًا إيّانا الحياة، ولهذا يدعو القدّيس فرسيس الأسيزيّ الخلائق الأخ والأخت والأمّ." وذكَّر هنا بما كتب البابا فرنسيس في الرّسالة العامّة "كن مسبَّحًا" حول كون النّظرة التّأمّليّة وحدها هي القادرة على أن تغيّر علاقتنا مع المخلوقات وأن تُخرجنا من الأزمة الإيكولوجيّة الّتي يعود سببها إلى انقطاع العلاقة مع الله والقريب والأرض بسبب خطيئتنا.
وتابع البابا لاوُن الرّابع عشر أنّ "قرية "كن مسبَّحًا" الّتي نحن فيها اليوم تريد أن تكون، حسبما أراد البابا فرنسيس، مختبرًا يعاش فيه ذلك التّناغم مع الخليقة الّذي هو بالنّسبة لنا شفاء ومصالحة، من خلال صياغة أشكال جديدة وفعّالة لحماية الطّبيعة الّتي أوكلت إلينا." وأكّد في هذا السّياق للعاملين بالتزام على تحقيق هذا المشروع صلاته وتشجيعه، مضيفًا: "إنّ الإفخارستيّا الّتي نحتفل بها تعطي معنى وتعضد عملكم"، وذكَّر بكلمات سلفه في الرّسالة العامّة "كن مسبَّحًا" "في الإفخارستيّا تجدُ الطّبيعةُ سموّها الأعظم. فالنّعمة، الّتي تميل إلى الظّهور بشكلٍ حسّاس، تبلغُ تعبيرًا رائعًا حين يصل الله نفسه، الّذي صار بشرًا، إلى أن يجعل من نفسه غذاءً لخليقته. لقد أراد الربُّ، في قمّة سّر تجسده، بلوغ أعماقِنا من خلالِ كسرة من مادّة لا من أعلى، بل من الدّاخل، حتّى نتمكّن من اللّقاء به في عالمنا.
ومن هذا المكان أريد أن أختم أفكاري، مانحًا الكلمة للقدّيس أغسطينوس والّذي وفي الصّفحات الأخيرة من "الاعترافات" يربط بين الأشياء المخلوقة والإنسان في تسبيح كونيّ، حين قال للرّبّ: أعمالك تسبّحك كي نحبّك، ونحن نحبّك كي تسبّحك أعمالك. فليكن هذا التّناغم الّذي ننشره في العالم".