ثقافة ومجتمع
17 آب 2017, 06:59

في السّودان.. مسيحيّون يتألّمون ولكن إيمانهم يحرّرهم

ريتا كرم
في السّودان، ثالث أكبر بلد في القارّة الأفريقيّة، يشكّل المسيحيّون أقلّيّة لا تعيش هانئة في مجتمعها. هؤلاء هم عرضة لكلّ أنواع الاضطهادات منذ عقود: معابدهم دُمّرت بالمئات، أفراد من بينهم عُذّبوا، سُجنوا وقُتلوا... كم غزيرة هي الدّموع الّتي انهمرت من عيونهم ألمًا، وكم كثيرة هي الصّيحات الّتي أطلقوها استغاثة، وكم سوداء هي قلوب المضطهِدين، ولكن كم واثقة هي قلوب المسيحيّين الّذين تمسّكوا بالآية الواردة في رسالة بولس الرّسول إلى أهل روما 8/ 35: "فمن يفصلنا عن محبّة المسيح؟ أشدّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟"!

 

تحت تلك الغيمة السّوداء يعيش الكثيرون بقلق وخوف ولكن يحصّنون أنفسهم بتعاليم المسيح. ومن بين هؤلاء مؤمن سودانيّ، قدّمه موقع Infochretienne إلى القرّاء ليكون قدوة لهم بدون ذكر اسمه حفاظًا على سلامته.

وفي التّفاصيل، يروي الشّابّ أنّه تعرّض للكثير من المضايقات بسبب ولائه ليسوع المسيح. هو قاسى وعانى وجُرّد من حقه في توكيل محامٍ يدافع عنه في سجنه لأنّه.. مسيحيّ! فعُذّب وهو في الأسر بأبشع الطّرق. ووسط كلّ الألم المحيط به، نادى الله سائلاً إيّاه: "أين أنت؟ لماذا تسمح أن يحصل كلّ ذلك لي؟"، وراح يتغلغل في داخله حقد أعمى بصيرته، إلى أن شعّ فيه روح الله الّذي خاطبه قائلاً: "إلهي، إذا كان لا بدّ لي أن أتألّم من أجلك، لا تجعلني أموت مليئًا بالكراهيّة... أنا أريد أن أموت حرًّا".

هو طلب أعجوبة مغلّفة بالحبّ تجاه مضطهِديه، لم يرد أن يضيف على سجنه الجسديّ آخر روحيًّا، فأتاه ردّ الله: "أنا معك". وفي تلك اللّحظة، قرّر أن يسير على خطى معلّمه، فاختار أن يسامح ويحبّ أعداءه، وأضحى يواجه الضّرب والجلد والتّعذيب بحبّ إلهيّ يفوق على كلّ شرّ وألم.

يأتي هذا الشّابّ اليوم، من أقاصي الأرض، ليضيء فينا شعلة الحبّ الّتي بدأ يخبو نورها أمام المشاعر السّوداء السّاكنة في أعماقنا، ويعلّمنا أن نطلب دومًا الله في كلّ ظروفنا لأنّه وحده قادر أن يمدّنا بالرّجاء وبالقدرة على الغفران.