لبنان
04 أيار 2023, 07:50

في ذكرى رحيله، سويف صلّى مع أبناء الأبرشيّة لراحة نفس المطران بو جودة

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة مرور سنة على انتقال المثلّث الرّحمة المطران جورج بو جودة، احتفل راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف بالقدّاس الإلهيّ لراحة نفسه، في كرسيّ مار يعقوب- كرمسدّة، بحضور كهنة الأبرشيّة وعائلة المطران الرّاحل وعدد من الرّاهبات، الرّهبان اللّعازريّين وراهبات المحبّة، وحشد من المؤمنين والمؤمنات.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى المطران سويف عظة قال فيها: "نحن مجتمعون أحبّائي، في هذا اليوم حيث نعقد فيه الاجتماع الكهنوتيّ الشّهريّ، وهذا الوقت يتزامن مع مرور تقريبًا سنة على غياب أخينا وأبينا المثلّث الرّحمة المطران جورج بو جوده.

إجتمعنا لكي نطلب من الرّبّ، بالطّبع هو مع الرّبّ، لكي يكون أخانا المطران جورج في ملكوته السّماويّ. هذا هو إيماننا وهذا هو رجانا، اجتمعنا لكي نحيي ذكراه العطرة والطّيّبة. هو هذا الإنسان الّذي أحبّ وأحبّ حتّى النّهاية، وهذا الإنسان الّذي تعرّفنا إليه تقريبًا كلّ واحد منّا في مسيرة حياته، من الطّفولة إلى الوقت الّذي دعاه فيه الرّبّ ليغادر هذه الدّنيا ويكون معه.

نحن موجودون لكي نشكر الرّبّ على كلّ النّعم وعلى كلّ العطايا الّتي سكبها في قلب المطران جورج، في قلب أبونا جورج، في قلب هذا الشّابّ الّذي منذ نعومة أظفاره، كان يشعر بمحبّة المسيح، وكان يشعر بأنّ قلبه مليء من الرّبّ يسوع. لذلك لبّى هذا النّداء، نداء الدّعوة نحو الرّسالة أيّ نحو الكهنوت، بإطار الجمعيّة المباركة، جمعيّة الآباء اللّعازريّين، بروحانيّة جميلة جدًّا، ونحن اليوم نعرف قيمتها بهذه الأزمة الصّعبة، الّتي نعيشها ليس فقط في لبنان، ولكن على مستوى العالم، هذا البؤس والفقر. مار منصور هو هذا الإنسان الّذي سمع في الإنجيل نداء الرّبّ، وكان يقول، حيث سمع هو ما سمعناه نحن أيضًا: "إلى من نذهب يا ربّ وكلام الحياه الأبديّة عندك؟". لذلك، لبّى المطران جورج هذه الدّعوة، ضمن هذه الرّوحانيّة، روحانيّة التّجسّد، روحانيّة لقاء المسيح، الّذي يتمّ حقيقةً ويكتمل بلقاء الانسان. لا أستطيع القول: أنا التقيت في يسوع المسيح، لا أستطيع القول كما سمعنا في رسالة اليوم، إنّني تعمّدتُ في المسيح، اصطبغت في المسيح، خُتنتُ في المسيح، يعني بموته وبقيامته، لو فعلاً هذه المعموديّة لم تقدني وأخذتني تلقائيًّا وعفويًّا وطبيعيًّا، أن ألتقي بالإنسان، وأن أموت مع كلّ إنسان، وأن أحيا مع كلّ إنسان يحيا. لا بل الإنسان الميت أساهم أنا في أن يتجدّد وفي أن يحيا.

هذه هي رسالتي ورسالة كلّ معمّد ومعمّدة، هذه هي القناعات الّتي اقتنع فيها المطران جورج بمسيرة حياته كلّها، الكهنوتيّة منها والرّهبانيّة، والأسقفيّة. لذلك حمل شعاره، شعار كهنوته وشعار حياته: "الويل لي إن لم أبشّر". هذا هو عنوانه الأساسيّ. الويل لي إن لم أبشّر، لأنّه بالحقيقة لا يكتمل اللّقاء ولا تكتمل الشّهادة بيسوع المسيح، إلّا من خلال البشارة.

البابا فرنسيس يدعو اليوم البشريّة كلّها لكي تعيش مسيرة سينودسيّة ويقول للكنيسة نحن كنيسة بقدر ما نسير مع بعضنا البعض، هذه المعيّة، يعني انطلاقًا من المعيّة مع الله والله معنا ولكن المعيّة الّتي تتجسّد ونراها من خلال: أن نسير معًا. أن نصلّي معًا، أن نعمل معًا وأن نفكّر معًا، أن نشهد معًا للحياة الأبديّة: "إلى من نذهب يا ربّ وكلام الحياة الأبديّة عندك"، لأنّك أنت يا ربّ الحياة الأبديّة. لذلك أخذ الشّعار لمار بولس: الويل لي إن لم أبشّر. وهذه البشارة تجسّدت حقيقةً بديناميّة متواصلة ليلًا ونهارًا، فكرهُ وعقلهُ وكيانُهُ، وهمّهُ الدّائم: الرّسالة أيّ البشارة بيسوع، إعلان اسم يسوع وإنجيله. لذلك الحصّة الكبيرة الّتي عاشها في حياته إن في لبنان أو في الخارج، والّتي كانت في هذه المنطقة والّتي دعاه الرّبّ ليخدمها، كأسقف وكثمار لهذا الحبّ الكبير الّذي سكبه في قلب منطقتنا في قلب الشّمال. كان من المحرّكين، وأنا أشهد من خلال عيشي لكهنوتي بعد عودتي وبدأت باستلام قضايا الرّسالة والرّعويّات، التقينا وعملنا سويًّا، كنّا معًا كهنة في الأبرشيّة نعمل سويًّا، نزور الرّعايا، وأتذكّر تلك الفُسحة الجميلة الّتي عملنا فيها والّتي كانت: سينودس من أجل لبنان. خلقنا ورش عمل، وانطلقنا في قرى الأبرشيّة. وكنتُ دائمًا أعود إليه لخبرته الواسعة، لأستشيره بشتّى الأمور.

بالحقيقة، هذا العمل والجهود الّتي زرعها أخينا المطران جورج بجهوده وبمحبّته وهمّه ومعه الآباء اللّعازريّين والّذين معكم جميعًا نحيي ذكراه، وأشدّ على أياديكم لتتابعوا معنا، ومع كلّ الرّهبانيّات المتواجدة على أرض الأبرشيّة، بالتّعاون القريب الوثيق مع كهتنا في الأبرشيّة. هذا هو جمال الكنيسة أن نشتغل مع بعضنا البعض، كهنة ورهبان وراهبات، علمانيّين وعلمانيّات، لأنّ الكنيسة هي شعب الله. وكان هذا الخبز اليوميّ للمطران جورج، والهمّ الدّائم، وقد جسّده بإعلان الكلمة، إعلان البشارة والتّعليم الواضح، تعليم كلمة الله. ولكن أيضًا، انتقل من هذا التّعليم إلى قضيّة جميلة جدًّا، هي من صُلب التّعليم الكنسيّ اللّاهوتيّ وهو تعليم الكنيسة الإجتماعيّ، أيّ القضيّة الإنسانيّة والاجتماعيّة الّتي نحن نقرأها على ضوء كلمة الله. لأنّه لا يمكن أن أقول: آمنت بيسوع، أنا التقيت بيسوع، وما زال هناك إنسان مظلوم ومجروح بكرامته الإنسانيّة. إذا كان هناك إنسان واحد على وجه الأرض مجروح بكرامته الإنسانيّة فأنا لا يمكن لي أن أبقى جامدًا. لا يمكنني إلّا أن أتحرّك، ولو شخص واحد فقط في كلّ الكرة الأرضيّة. لأنّه لو كان هناك شخص واحد على هذه الأرض كان تمّ التّجسّد وتمّ الخلاص والفداء الّذي حقّقه يسوع المسيح.  

لذلك أخانا المطران جورج إلى جانب التّعليم اللّاهوتيّ والكتابيّ كان يلتقي هذا التّعليم مع الإنسان ومع قضيّة الإنسان. لذلك كان له الكثير من الكتابات والمداخلات ومساعي لكي ينشر هذا التّعليم الاجتماعيّ. ومن أهمّ المساهمات الّتي نعرفها تمامًا، هي هذه التّرجمة للّغة العربيّة، لتعليم الكنيسة الاجتماعيّ، إذ أنّها مسألة جدًّا أساسيّة، ونعرف قيمتها الجوهريّة في هذه الأيّام الصّعبة، حيث الأزمات فيها، خاصّة أزمة المرجعيّات، فأين نحن من المرجعيّة؟ مرجعيّتنا هي كلمة الله وتعليم الكنيسة، مرجعيّتنا هي هذا القربان الّذي نحتفل به في الإفخارستيّا حيث نجدّد فيها إيماننا بموت يسوع وقيامته من بين الأموات. والعنوان الّذي كان يرافق أيضًا المطران جورج كان دومًا معًا، دور العلمانيّين في قلب الرّعيّة والأبرشيّة والكنيسة.

غادرنا المطران جورج بسرعة قصوى، وإنّني وإيّاكم وعائلته الكريمة وكهنته وإخوته في الرّهبنة، العلمانيّون والعلمانيّات الّذين تعاونتم وإيّاه، نهتف جميعًا: هذه إرادة الرّبّ. ونسلّم حياتنا للرّبّ ونحن على ثقة تامّة أنّه معنا من السّماء يرافقنا، مستذكرين أعمالًا قام بها وأقوالًا نطق بها. لذلك ذكراه هي تدوم إلى الأبد في قلوبنا وفي ذاكرة الأبرشيّة وفي اختبارها واختبار هذه المنطقة الّتي أحبّها وبذل كلّ شيء حقيقةً من أجل الخدمة.

نحن نقول الله يرحمه والرّبّ رحمه وهو معه في السّماء، والرّبّ يعزّينا جميعًا. وأنا أكرّر وبشكل مباشر وشخصيّ وباسم الأبرشية قائلاً: رغبتي أن أتّحد مع عائلته الطّيّبة والكريمة والّتي نحبّ دائمًا أن نتواصل بالصّلاة واللّقاء. كما أعزّي وأحيّي الرّهبنة اللّعازريّة وراهبات المحبّة، وكلّ المكرّسين والمكرّسات ونعزّي بعضنا البعض، ونحن كهنة الأبرشيّة نطلب من الرّبّ لكي يعطينا أساقفة قدّيسين وكهنة قدّيسين، علمانيّين وعلمانيّات قدّيسين وعلامة رجاء. ونحن عندما نقول إنّنا مكرّسون ونرتدي الثّوب الأسود، ومع أنّه زيّ خارجيّ، فهو يدلّ على الموت، الموت عن العالم لكي نكون حقيقةً إشارة للحياة الأبديّة الّتي أعطانا إيّاه الرّبّ بموته وقيامته له المجد إلى أبد الآبدين. آمين."  

وبعد القدّاس صلّى الكهنة والأهل مع المطران سويف رتبة شيل البخور على ضريح المطران الرّاحل، تلاه افتتاح قسم خاصّ بالمطران جورج بو جودة في متحف الأساقفة في كرسيّ مار يعقوب- كرمسدة، المجاور للمدافن.

وإختتم اللّقاء بمأدبة طعام المحبّة.

وكان المطران سويف قد التقى كهنة الأبرشيّة، في إطار اللّقاءات الشّهريّة، في كرسيّ مار يعقوب- كرمسدّة، حيث كانت مداخلة للمرشد العامّ لمدارس أبرشيّة طرابلس المارونيّة الأب أندره ضاهر الأنطونيّ، بعنوان: "مدرسة المطران، مدرسة الرّجاء". وتمحور اللّقاء حول أهمّيّة مدرسة المطران كواحة تواصل ولقاء بين مختلف أبناء المجتمع وفرصة مميّزة للشّهادة للمسيح، ودورها في خدمة إعلان الرّجاء ومبادراتها وأبرز النّقاط في نظامها العامّ الجديد.