الفاتيكان
08 كانون الأول 2021, 14:30

في زمن المجيء واعظ القصر الرّسوليّ يوجّه البوصلة نحو البهاء الدّاخليّ والحياة المسيحيّة

تيلي لوميار/ نورسات
البهاء الدّاخليّ والحياة المسيحيّة، هو ما اختاره واعظ القصر الرّسوليّ الكاردينال رانييرو كانتالاميسا لتأمّلاته في زمن المجيء هذا، تحت عنوان "فلمّا تمّ الزّمان، أرسل الله ابنه"، مواصلاً بذلك مسيرة التّأمّلات الّتي قدّمها في زمن الصّوم الكبير العام الماضي، والّتي أراد من خلالها أن يسلّط الضّوء على خطر أن يعيش المرء كما لو أنّ المسيح لم يكن موجودًا.

وفي تفاصيل عظته الأولى، اقترح كانتالاميسا أن "ننظر إلى الكنيسة من الدّاخل، بالمعنى القويّ للكلمة في ضوء السّرّ الّذي تحمله، لكي لا يغيب عن عيوننا أبدًا السّرَّ الّذي يقيم فيها"، وركّز- بحسب  "فاتيكان نيوز"-"فقط على الجزء الأوّل من نصّ القدّيس بولس والّذي سيوجّه تأمّلاته في زمن المجيء- "أرسل الله ابنه، لنَحْظى بِالتَّبَنِّي"- وأشار إلى أنّ "أبوّة الله هي في صميم بشارة يسوع". وإذا كان "حتّى في العهد القديم يُنظر إلى الله كأب"، لكن الحداثة الإنجيليّة "هي أنّ الله الآن لم يعد يُنظر إليه كأب لشعبه إسرائيل وحسب، وإنّما كأب لكلِّ كائن بشريّ سواء كان صالحًا أو خاطئًا، ويعتني بكلّ واحد منّا كما لو أنّه الوحيد، ويعرف احتياجات وأفكار كلّ فرد وحتّى شعر رأسه. وبالتّالي فما يعلّمه يسوع هو أنّ "الله ليس فقط أبًا بالمعنى المجازيّ والأخلاقيّ، بقدر ما خلق شعبه ويعتني به"، ولكنّه "أوّلاً وبشكل خاصّ أب حقيقيّ وطبيعيّ، لإبن حقيقيّ وطبيعيّ قد ولده... قبل بداية الزّمن "وبفضله" يمكن للبشر أيضًا أن يصبحوا أبناء الله بالمعنى الحقيقيّ وليس المجازيّ فقط". ويؤكّد الكاردينال كانتالاميسا أيضًا أنّه من خلال السّرّ الفصحيّ لموت المسيح وقيامته، أيّ بفضل الفداء الّذي حقّقه ويُطبَّق علينا في المعموديّة، كما يقول القدّيس بولس، "أصبحنا" أبناء في الابن". وصار المسيح "بكرًا بين إخوة كثيرين".

ويشرح الكاردينال كانتالاميسا أنّ بولس الرّسول يستخدم فكرة التّبنّي ليجعلنا نفهم الرّابط الّذي يحقّقه معنا من خلال المسيح. لكن هذه المقارنة "لا تكفي للتّعبير عن ملء السّرّ". لأنّه إذا كان "التّبنّي البشريّ في حدّ ذاته حقيقة قانونيّة" و"يأخذ الطّفل المتبنّى إسم عائلة أو جنسيّة أو محلّ إقامة الشّخص الّذي يتبنّاه"، دون مشاركة دمه أو حمضه النّوويّ"، فإنّ الأمر ليس كذلك بالنّسبة لنا. لأنّ الله لا ينقل إلينا اسم الأبناء فحسب، بل ينقل لنا أيضًا حياته الحميمة، وروحه الّذي هو، إذا جاز التّعبير، حمضه النّوويّ. من خلال المعموديّة، تتدفّق حياة الله فينا. لدرجة أنّ القدّيس يوحنّا يتحدّث عن "ولادة حقيقيّة، ولادة من الله"، لهذا السّبب "تتحقّق في المعموديّة الولادة من الرّوح، ونولد مُجدّدًا من عَلوّ. وبالتّالي وبالنّسبة لواعظ القصر الرّسوليّ فإنّ ما قاله البابا في مقابلته العامّة في 8 سبتمبر أيلول الماضي مهمّ بهذا المعنى: "نحن المسيحيّين غالبًا ما نعتبر حقيقة كوننا أبناء الله أمرًا مفروغًا منه. فيما يجب علينا أن نتذكّر بامتنان على الدّوام تلك اللّحظة الّتي أصبحنا فيها أبناء لله، لحظة معموديّتنا لكي نعيش بوعي أكبر العطيّة العظيمة الّتي نلناها".

وإذ يتأمّل حول كلمات الحبر الأعظم يؤكّد الكاردينال كانتالاميسا: هنا يكمن خطرنا المهلك: أن نأخذ كشيء مسلّم به أسمى الأشياء في إيماننا، أيّ كوننا أبناء الله، خالق الكون، والقادر على كلّ شيء، والأزليّ، ومعطي الحياة. وفي هذا السّياق كتب القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، في رسالته حول الإفخارستيّا، الّتي كتبها قبل وفاته بفترة وجيزة، عن "الدّهشة الإفخارستيّة" الّتي يجب على المسيحيّين أن يعيدوا اكتشافها. وهذا الأمر يمكننا أن نقوله أيضًا حول البنوّة الإلهيّة: أن ننتقل من الإيمان إلى الدّهشة. ففي سرّ المعموديّة، تابع واعظ القصر الرّسوليّ يقول، "تكون حصّة الله أو نعمة المعموديّة متعدّدة وغنيّة جدًّا: البنوّة الإلهيّة، ومغفرة الخطايا، وسكنى الرّوح القدس، والفضائل اللّاهوتيّة للإيمان، والرّجاء، المحبّة الّتي تُغرس في نفوسنا، أمّا إسهام الإنسان "فيقوم بشكل أساسيٍّ في الإيمان". ولكن الأمر يتطلّب "دهشة الإيمان"، تلك الدّهشة توسِّع العيون وتولّد العجب أمام عطيّة الله، وتذوّق حقيقة الأشياء الّتي نؤمن بها وطعم الحقيقة، بما في ذلك الطّعم المرّ لحقيقة الصّليب. بإختصار، على الحقيقة الّتي نؤمن بها أن تصبح واقعًا مُعاشًا. ويتابع الكاردينال كانتالاميسا متسائلاً كيف يمكننا أن نجعل ممكنة هذه القفزة النّوعيّة من الإيمان إلى دهشة معرفة أنّنا أبناء الله؟ الجواب الأوّل هو: كلمة الله! يقارن القدّيس غريغوريوس الكبير كلمة الله بالصّوّان، أيّ الحجر الّذي كان يستخدم سابقًا لإحداث الشّرر وإشعال النّار، ويقول إنّه كان من الضّروريّ أن نتعامل مع كلمة الله كما نتعامل مع حجر الصّوّان: أيّ أن نخبّطها بشكل متكرّر إلى أن تتولّد الشّرارة. فنجترّها، ونكرّرها، حتّى بصوت عالٍ.

كذلك دعا واعظ القصر الرّسوليّ أيضًا للصّلاة لكي نُدرك أنّنا أبناء الله ونتيقَّن لكرامتنا كمسيحيّين. وهذا الأمر سيحملنا أيضًا لكي نتنبّه لكرامة الآخرين، ولكونهم هم أيضًا أبناء وبنات الله، ولأبوّة الله تجاه البشريّة جمعاء، كما يقول الكاردينال كانتالاميسا إذ يختتم قائلاً: إنّ للأخوّة البشريّة بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين تجد هدفها النّهائيّ في حقيقة أنّ الله هو أب الجميع، وأنّنا جميعًا أبناء وبنات الله، وبالتّالي إخوة وأخوات فيما بيننا. لا يمكن أن يكون هناك رابط أقوى من هذا، وبالنّسبة لنا نحن المسيحيّين، يشكّل هذا الأمر دافعًا مُلحًّا لكي نُعزّز الأخوَّة العالميّة. فبالنّسبة لواعظ القصر الرّسوليّ، أن ننضج الأخوّة العالميّة يعني أيضًا ألّا نجرِّب الله بطلبنا باعتناق قضيّتنا ضدّ إخوتنا، وألّا نرغب في أن نكون على صواب والآخر على خطأ، وأن يرحم أحدنا الآخر، وهو أمر لا غنى عنه لكي نعيش حياة الرّوح القدس والحياة الجماعيّة بجميع أشكالها. وخلص الكاردينال كانتالاميسا مُتمنِّيًا أن يساعدنا الكتاب المقدّس لكي نكتشف المعنى الحقيقيّ لكوننا أبناء الله".