دينيّة
01 تموز 2016, 11:00

في لبنان... تدشين أوّل كنيسة للقدّيسة فيرونيكا جولياني بإيعاز من العذراء

ريتا كرم
"إنّها ليست قدّيسة وحسب، إنّها عملاقة في القداسة" (البابا الطّوباويّ بيوس التّاسع)، هي شفيعة بادري بيو ومعلّمته في القداسة، إنّها "أكثر نفس مزيّنة بالنّعم الفائقة الطّبيعة بعد والدة الإله" (البابا لاون الـ13)، وهي انطلقت من إيطاليا ليعطي الرّبّ لبنان شرفاً مقدّساً وإستثنائيّاً: بناء أوّل كنيسة في العالم تحمل إسمها.

 

إنّها القدّيسة فيرونيكا جولياني (1660- 1727)، من راهبات القدّيسة كلارا المحصّنات، والوحيدة في تاريح الكنيسة الّتي وُسمت بجراح المسيح كاملة والّتي لا يزال يشهد عليها جسدها غير المتحلّل المعروض في ضريح زجاجيّ، في دير راهبات القدّيسة كلارا الكبّوشيّات في إيطاليا.

أمّا في لبنان، ومساء السّبت المقبل في 9 تمّوز/ يوليو عند السّاعة السّابعة، ستقرع أجراس كنيسة القدّيسة فيرونيكا للمرّة الأولى في بلدة القصيبة- المتن الجنوبيّ- تزامناً مع عيدها، في قدّاس تدشينيّ يترأّسه راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة المطران كميل زيدان، بحضور بطريرك السّريان الكاثوليك مار أغناطيوس يوسف الثّالث يونان ولفيف من الأساقفة والكهنة، وعائلة ناكوزي وحشد من المؤمنين.

تلك الكنيسة لم تبصر النّور بالصّدفة؛ فربّما اللّبنانيّون غير مطّلعين كفاية على سيرة شفيعتها، غير أنّ الله الّذي انتظر ولادتها منذ الأزل، أرادها أن تلعب دورها اليوم في "الأزمنة الصّعبة"، ويبدو أنّ إرادته تلك شاء أن يطلقها من لبنان بلد القدّيسين. فما هي قصّة كنيسة القدّيسة فيرونيكا في القصيبة؟

كان أعضاء رهبنة الخدّام والخادمات الأصاغر لقلب مريم المتألّم الطّاهر وجمعيّة "أبناء مريم أصدقاء القدّيسة فيرونيكا" يرغبون في تشييد كنيسة على اسم صديقتهم في لبنان لينشروا رسالتها الكبيرة، فطلبوا إلهام الرّبّ لاختيار البقعة المناسبة، وأقاموا الصّلوات وتلوا تساعيّة القدّيسة فيرونيكا. وفي اليوم الأخير، وبينما كانوا مجتمعين في رياضة روحيّة، زار الدّير الزّوجان وهما "جان وأندريه ناكوزي" بقصد إبلاغهم رغبتهم ببناء كنيسة بطلب من العذراء.

وفي التّفاصيل، للزّوجين ابنة تدعى ماريا (21 عاماً) أصابها السّرطان في حنجرتها قاطعاً الطّريق أمام صوتها الجميل، وفارضاً عليها آلاماً دامت 15 شهراً قضتهم في المستشفى.

في اليوم العشرين من تواجدها في المستشفى، كشفت ماريا عن خبر هزّ والديها، قائلة: "اختارني الرّبّ يسوع لأتألّم 15 شهراً، وأنّه في العام المقبل في يوم الجمعة العظيمة سأموت على نيّة كلّ الشّبيبة البعيدين عن الله لأجل خلاص أنفسهم." وهكذا كان!

ولكن في اللّيلة السّابقة لتسليم الرّوح، في خميس الأسرار، في 4 نيسان 2010، وفيما كانت والدتها تبكي بجانبها وقد غسلت أرجل ابنتها بدموعها، طلبت منها الأخيرة أن تكفّ عن البكاء فمسحت الأمّ عينيها وكذلك رجلي ابنتها وقبّلتهما، فامتلأ قلب الفتاة غبطة لأنّه في ذاك اليوم، ومثلما غسل يسوع أرجل تلاميذه وقبّلها في خميس الغسل، فعلت الوالدة في اليوم نفسه.

وابتسمت الفتاة وقامت بأمور ثلاثة: أوّلاً، شكرت والدتها على سهرها وتربيتها الّتي وفّرت عليها إهانات لقلب يسوع القدّوس وعدم سلوك درب الخطيئة. ثانياً، أرسلت عبر جوّالها رسالة إلى كلّ أصدقائها كاتبة: "الرّبّ يسوع يحبّ الشّبيبة كثيراً، وأعطى كلّ واحد منّا كأساً يطلب منكم إفراغه من الخطايا عبر سرّ الاعتراف، وإعادة ملئه بأفعال محبّة ورحمة. أنا سأسبقكم إلى السّماء وسأصلّي لكي تلحقوا بي". وثالثاً، كان الأمر الأروع بحيث أبلغت أمّها أنّ على يمينها ويسارها يقف كلّ من يسوع ومريم، فوصفت أوّلاً جمال يسوع بأروع الكلمات منخطفة بالرّوح القدس. ثمّ التفتت إلى الجهة الثّانية وأخبرت أمّها أنّ العذراء تبتسم لها وتطلب منها "بناء كنيسة للقدّيسة فيرونيكا جولياني، كنيسة أنتظرها منذ 300 سنة!" محدّدة لها الأرض الّتي ترغب أن يرتفع البناء فيها، وهي تقع على رأس وادٍ في أسفل بلدتهم وتعود ملكيّتها لجدّ ماريا، أيّ والد أمّها.

فخافت أندريه لأنّها لا تمتلك الإمكانيّات المادّيّة، غير أنّ ابنتها طمأنتها وقالت لها: "لا تخافي! العذراء والقدّيسة فيرونيكا وأنا سنساعدكم من السّماء ونرسل المحسنين لبناء الكنيسة بسرعة."

وفي الجمعة العظيمة، أسلمت ماريا جان ناكوزي الرّوح، وكان يوم وداعها في سبت النّور عرساً استقطب حوالي 500 شابّ وشابّة ارتدوا الأبيض وتقدّموا بعد مراسم الدّفن، من كرسيّ الاعتراف الّتي غصّت بهم من الرّابعة عصراً لغاية الحادية عشرة والنّصف مساء،  تلبية لوصيّة صديقتهم.

اليوم، ومع دنوّ اليوم المرتقب، نصلّي بشفاعة فيرونيكا جولياني الموسومة بجراح يسوع الخمسة ومثال الكمال الرّهبانيّ لكي يكون وطننا لبنان منبعاً لقدّيسين عمالقة وشاهداً لمحبّة الله المطلقة ولدور العذراء، وأن يعطي كلّ منّا على مثال الشّابّة ماريا ناكوزي، القدرة على المشاركة في خلاص النّفوس وسلوك درب السّماء.