دينيّة
31 تموز 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 31 تموز 2017

تذكار الشهداء رهبان مار مارون (بحسب الكنيسة المارونية) كان هؤلاء الرهبان يقطنون اديار سوريا الشمالية قرب لبنان الشمالي. وكانوا شديدي التمسك بالمعتقد الكاثوليكي وفقاً لتعليم المجمع المسكوني الرابع الخلكيدوني المنعقد سنة 451 القائل بان في المسيح طبيعتين الهية وانسانية ضد اوطيخا واتباعه.

 

فقام عليهم ساويرا بمساعدة الملك انسطاس الذي كان نصبه بطريركاً على انطاكية. فقتل ثلاثمئة وخمسين راهباً وكثيرين غيرهم من الرهبان والاساقفة في السنة 517 فرفع اخوانهم الاحياء عريضة الى الحبر الروماني البابا هرميسدا (514 – 523). يبينون له كيفية استشهاد اخوانهم هؤلاء. وما ألحقه بهم من الاضرار البطريرك ساويرا ورفيقه بطرس القصار واتباعهما.

فأجابهم البابا برسالة مؤرخة في السنة التالية اي سنة 518، فيها يعزيهم ويحثهم على ان يقاوموا بشجاعةٍ الاضطهاد. وقد اثبت المؤرخون وأخصّهم تاوافانوس وتاوافيلوس الرهاوي الماروني حقيقة اضطهاد ساويرا للكاثوليك ولا سيما الرهبان وقتله عدداً وافراً منهم، مشيرين بذلك الى هؤلاء الرهبان الشهداء الثلاثمئة والخمسين. ومنذ القديم تعيّد الطائفة المارونية لهم، معتبرة اياهم اجدادَها وشفعاءَها المستجابين لدى الله. وقد عمم البابا بنديكتوس الرابع عشر لجميع كنائس الطائفة الغفران الذي كان قد منحه البابا اكليمنضوس الثاني عشر سنة 1734 لكنائس الرهبان الموارنة. صلاتهم معنا. آمين!

 

القدّيس البار أفدوكيموس الكبّادوكيّ (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

عاش القدّيس أفدوكيموس خلال حكم الأمبراطور البيزنطيّ ثيوفيلوس المحارب الإيقونات. والداه باسيليوس وأفدوكيا كانا على رفعة في المقام من أصل كبّادوكي. تميزّا بتمسّك ثابت بالإيمان القويم وتقوى حارة بثّاهما في ابنهما.

تلقّى قديسنا تعليمًا مرموقًاً، فأسند إليه الأمبراطور الحاكميّة العسكريّة لبلاد الكبادوك، ولكلّ الأمبراطورية، فيما بعد. لم يستغل هذه الامتيازات لمتعته ومجده بل جعل منها أدوات للفضيلة. وقد لمع وسط اضطراب العالم.
اقتنى النقاوة اللازمة ليمثل طاهراً أمام الله. وأضاف وفرة من ثمار المحبّة والرأفة حيال الفقراء والأرامل والأيتام حتى صار إناءً مختاراً لنعمة الله وأيقونة حيّة للفضيلة.
لا يتحفّظ وحسب في شأن إصدار الأحكام، أيًّا تكن، على سواه، بل يجد أيضاً ما يمنع به الآخرين من التفوه بما يجرح القريب. كان يعلّم أنّ على كلّ واحدٍ أن يعتد السماع أكثر من الكلام. هذا أثبته عملياً بوضع موضع التنفيذ، في تعامله مع الآخرين، دون كلام كثير، كلّ الوصايا الإلهيّة.

أصابت القديس أفدوكيموس علّة صعبة، وهو في الثلاثين، فأعدّ نفسه وصرف أقرباءه وتحوّل إلى الصلاة إلى ربّه. سأل العليّ ألا يُمجّد بعد موته.

رغم تمنّيه، لم يبق السراج تحت المكيال. فحالما أودع القبر تحرّر به ممسوس من روح غريب أقام فيه، وقام ولد مخلّع صحيحاً معافى. تضاعفت العجائب بقرب ضريحه، خصوصاً بزيت القنديل الذي بقي مشتعلاً ليل نهار. حتى للبعيدين كان يؤخذ للمرضى ترابًا من قبره تُفرك به مواضع الألم في أبدانهم فيشفون.

فتح قبره بعد ثمانية عشر شهراً من رقاده المغبوط، بناء لطلب والدته، فوُجد الجسد غير منحل تنبعث منه رائحة عجيبة. نقلت رفاته، فيما بعد، إلى القسطنطينيّة وأُودعت كنيسة على اسم والدة الإله شيّدها ذووه.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: القدّيس يوسف الرامي (+القرن الأول الميلايّ)

أصله من الرامة. نبيل، تقي، عضو في مجمع اليهود، الذي هو مجلس كهنة إسرائيل وشيوخها. تلميذ في السّر ليسوع. نال من بيلاطس البنطي الأذن بأخذ جسد يسوع، فأنزله عن الصليب ودفنه، بمساعدة نيقوديموس، في قبر جديد سبق له أن حفره في الصخر غير بعيد عن المكان. قيل أن اليهود أوقفوه وسجنوه، أن الربّ ظهر له ليأتي به إلى الايمان بالقيامة. فلمّا أطلق سراحه ذهب، كما ورد في التراث، فكرز بالانجيل في الغرب. قيل حط في مرسيليا، وجال ببلاد الغال مبشّرًا بالقيامة وإنّه بلغ إنكلترا. وثمة تقليد آخر يجعله مؤسّس كنيسة اللدّ.

 

تذكار القديس إفذوكمس الصديق (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولد هذا القديس في قيصريّة الكباذوك، في أواسط القرن التاسع، من أبوين كثيري الغنى، واسعي الثروة، شريفي المحتد. إلاّ أن كنوزها الكبرى كانت التقوى الصحيحة والفضائل المسيحيّة السامية. فنال إفذوكمس بعنايتهما تربيةً عاليةً، وامتاز بفضيلته وتقواه، ونبغ بالعلوم العصرية وسعة المعارف. أمّا الفضيلتان اللتان لمع بهما فهما طهارة القلب والجسم ومحبّة الفقير. فكان مع نفسه ملاكاً أرضيّاً، ومع قريبه قلباً شفيقاً عطوفاً.

وما لبث إفذوكمس أن برز بين الصفوف، وهو لا يزال بعد في ريعان الشباب. فأقامه الملك ثاوفلس مشرفاً على الجيوش المرابطة في إقليم الكباذوك. فقام بتلك المهمّة قيام شيخٍ قد حنكته الأيام وأنضجته التجارب، وذلك لانّه كان يستمد الأنوار في إدارته وعمله من الإيمان ومن الإنجيل. فكان عادلاً برحمة، أميناً على وظيفته بحكمةٍ. وكان ملجأً لليتيم، وسنداً للأرملة وأباً للمساكين. ولم تعرف الكبرياء ولا الزهو العالمي الباطل إلى قلبه سبيلاً. وكما كان القديس باسيايوس الكبير إبن ووطنه لا يعرف أيام دراسته في أثينا سوى طريق الكنيسة وطريق المدرسة، كذلك كان إفذوكمس لا يعرف سوى طريق الكنيسة وطريق الديوان. فكان رجل الله ورجل الواجب.

ورقّاه الملك ووسّع صلاحيته، فكان كلّما تقدّم في وظائف الدولة، مشى إلى الأمام في طرق الفضيلة. وهكذا كان ذلك الرجل الشريف مثالاً حيّاً للحياة المسيحيّة بأكملها. ما أجمل الدين والدنيا إذا إجتمعا!

ولم يعش إفذوكمس طويلاً، بل مات وهو في ريعان الشباب. إلاّ أنّه كان قد صار بتقواه وعبادته ورصانته وحكمته نظير أفضل وأفطن الشيوخ. وكان الشعب قد لقّبه بالصدّيق لمّا رأى حياته مطابقةً حقّاً لتعاليم الإنجيل الذي كان كل صباح وكل مساء موضوع تأملاته. أن من اتّخذ الإنجيل رائده في الحياة يُحسن عمله فيرضي الله ويرضي الناس.

وشرّف الله ضريحه بعجائب كثيرةباهرة ليعلن أمام الملأ كم كانت حياة إفذوكمس عبده ترضيه، ولكي يبيّن أن القداسة هي نزيلة العروش والجيوش والقصور والخدور، كما هي أميرة الصوامع والأديار والكنائس والمعابد.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا:  القديس اغناطيوس دي لويولا (مؤسس الرهبانية اليسوعية)

ولد اغناطيوس سنة 1491 في قصر لويولا، في مقاطعة الباسك من أعمال اسبانيا. وكان أبواه دون بلترامو ودونا ماريا من أشراف تلك البلاد الشهيرة بالبطولة والقداسة. وقضى اغناطيوس حداثته في بلاط الملك فرنندو الخامس الإسباني. فأخذ عن هذا المحيط أخلاق الحماسة، وعادات الأنفة والكبر. وشغف منذ الصغر بحياة الجندية، على مثال أخويه الأكبرين. فما كاد يبلغ أشدّه حتى انخرط في الجيش، وتخلّق بأخلاق بعض القوّاد الذين يبيحون لأنفسهم حريّة الحياة في أتباع أهوائهم وشهواتهم. إلاّ أنّه رغم ذلك كان رجلاً فاضلاً حكيماً محبّاً للسلام. وكان يجد لذّته في التأليف بين القلوب المتنافرة، ويحملها على نبذ الخصام والعودة الى المسالمة والوئام. وكان أيضاً يكره اللعب والمقامرة، وكان له ولع بالشعر، يقضي أوقات الفراغ في تأليف الأشعار وإنشادها، رغم جهله لقواعد اللغة وأصولها.

وألِفَ هذه الحياة وكاد يستكن إليها، لو لم يدعه الله إلى رسالة عظيمة في كنيسته. فكان لا بد لعنايته الإلهيّة من أن تهيّيء له الظروف الملائمة لها.

كانت الجيوش الفرنسية في حرب مع اسبانيا. فجاءت وحاصرت المدينة، فدافع اغناطيوس عن المدينة دفاع الأبطال. وبقي على الأسوار يذكي نار الحرب حتى أصابته شظيّة كسرت رجله اليمنى، فسقط على الأرض، واستولى الفرنسيون على المدينة. فعاملوا اغناطيوس معاملة عسكرية شريفة، وحملوه إلى قصره، وعُنوا بأمره. فبقي أشهراً طويلة طريح الفراش يعاني مرّ الآلام. ولكي يقتل أوقات هذه العزلة المملّة، أخذ يقرأ ما وقع بين يديه من حياة السيّد المسيح وسير القديسين. فانفتحت عيناه للنور، وتجلّت له الحقائق الأبدية بروعتها ورأى ما هي عليه الدنيا من غرور وفناء، فعزم عزماً أكيداً على أن يزهد فيها، وأن يكفّر ما بدا منه في زمان تعلّقه بنعيمها.

وفي ذات ليلة عاهد الرب يسوع، بإسم أمّه البتول الطاهرة، على أن يقف ما بقي له من الحياة على خدمته وعبادته. ولكي تثبّته البتول القديسة في دعوته هذه ظهرت له في إحدى الليالي، حاملةً على ذراعيها طفلها يسوع الفادي. فأشعلت هذه الرؤيا في قلبه نار الحب الإلهي، ومنذ تلك الليلة عزم أن يكون كل عمل من أعماله "لأجل مجد الله الأعظم". وهكذا بدأت تتكوّن في اغناطيوس تلك الشخصية الدينية الكبرى التي سوف تجعله من زعماء الرهبان، ومن كبار قادة النفوس في كل زمان ومكان. وكان له إذ ذاك من العمر تسع وعشرون سنة.

فلمّا شفي اغناطيوس من دائه، ودّع قصر والديه من غير أن يُعلِم أحداً بسرّه. فركب حصانه وسارَ يهيم على وجهه. فوصل إلى أحد الأديار، وهناك إعترف بخطاياه إعترافاً عاماً، ونزع عنه حلّته وسيفه، ووضعهما على هيكل البتول تقدمةً أبدية لها منه. ثم ارتدى ثياب التائبين، وقضى ليلته كلّها في الكنيسة يصلّي ويذرف الدموع على ما سبق له من الطيش والغرور. فكانت تلك الليلة ليلة تاريخية عظمى في حياته، وفاتحة أعمال دعوته وقداسته. وهي ليلة عيد البشارة من سنة 1522.

وفي صباح ذلك العيد المجيد، عيد بشارة العذراء وتجسّد إبن الله، تناول القربان الأقدس، وقام فقصد مدينة منريزة القريبة من هناك. وكان على أبوابها مستشفى يأوي إليه المرضى الفقراء والبائسون من الغرباء، فدخله وأخذ يخدم المرضى ويؤاسي المساكين المتألّمين. وفوق ذلك بدأ حياة تكفير جبّار. فصار هذا الذي كان بالأمس رجل الدنيا وأسير لذائذها يعيش عيشة أعظم النساك، ويمارس الإماتات التي يحجم سكان القفار عن القيام بها. فجعل يصوم على الخبز والماء أيام الأسبوع كلّها، ما عدا الأحد، إذ كان يسمح لنفسه ببعض الأعشاب المسلوقة. وصار يجلد نفسه كل يوم مرّتين ثم ثلاثاً، ويرقد على الأرض، ويلبس المسح، ويتمنطق بمنطقة من حديد مسنّن، ويستعطي قُوتَه على مثال الفقراء في شوارع المدينة وأزقّتها، ويقهر جسده في كل ما كان يشعر منه بميل إليه. وكان يقضي كل يوم سبع ساعات في الـتأمّل، ساجداً على ركبه في حضرة العزّة الإلهيّة.

فلما رأى الشيطان منه هذه الإماتات المدهشة خاف أن يصبح زعيماً مجيداً بين زعماء جند ملك السماء. فهاجمه بعنف ليصدّه عن عزمه. لكنّ إغناطيوس كان قد أضحى رجل الصلاة والتأمل والإماتة والتواضع، فقاوم هجمات العدو بما تعوّده من الشدّة والحزم. فترك تلك المدينة، وهرب إلى ضواحيها، ولجأ إلى مغارة هناك، وأخذ يشدّد على نفسه بالصيام والصلاة والاسهار، حتى صار لا يتناول الطعام إلاّ مرّة واحدة كل ثلاثة أيام أو أربعة. فخارت قواه ومرض. ولو لم يدركه بعض المارّة على باب المغارة، لهلك بلا محالة. فحُمل إلى المستشفى وكاد يموت. وما كاد يبرأ حتى اعترته الوساوس، ترافقها مضايقة شديدة. فكان يبقى ساعات طوالا غارقاً في الصلاة والدموع والتضرّع الى الله. وصار يكثر من تناول جسد الرب حتى فارقته تلك الشدّة الصعبة.

فكافأه الله على ثباته بإيحاءات وتعاليم إلهية سامية، واختطافات روحية، ورؤى سماوية، حتى أنّه بقيَ مرّةً ثمانية ايام كاملة مخطوفاً بالروح، غائباً عن حواسه، حتى ظنّه الناس قد مات.

فلمّا تعافى اغناطيوس من ضعفه شعر بذاته أن الله يدعوه ليتفانى في سبيل خلاص النفوس. فصار لا يترك فرصة ولا وسيلة يستطيع بها أن يحمل النفوس على عبادة الله وحفظ وصاياه إلا بادر إلى اتّخاذها. وهذا ما دعاه الى وضع مؤلفه البديع الذي سمّاه : "الرياضات الروحيّة  Les exercices spirituels" وبه أعاد الى الله ألوفاً من الخطأة، وثبّت الآخرين في عقائدهم. وبدأ يحمل تلاميذه وأصدقاءَه  على ممارستها.

واتّخذ رهبانه اليسوعيون من بعده طريقة هذه الرياضات أساساً لرسالاتهم. ووضعوا التآليف الشائقة في شرحها وتفسيرها والتوسّع فيها. وكلّها تستوحي شروحها وتعاليمها وطريقتها من كتاب القديس اغناطيوس نفسه.

وفي سنة 1929 أوصى الحبر الأعظم البابا بيوس الحادي عشر، في رسالته Mens nostra بالإعتماد على طريقة القديس اغناطيوس في الرياضات الروحيّة، لأنّها جزيلة الفائدة للمؤمنين في سعيهم وراء الفضائل والكمالات المسيحيّة.

أسفاره ودروسه: عزم اغناطيوس على زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، بروح العبادة والتكفير. فترك بلاد اسبانيا وقام يطوي الأمصار سائحاً فقيراً، مرتدياً ثوب التائبين، وكان يعيش من الصدقة، ويمارس أنواع الإماتات الشديدة.

ورأى أن خير وسيلة تضمن له النجاح في رسالته هذه، بعد الصلاة والإماتات، هي الدروس العالية الفلسفية واللاهوتية التي تؤهّله ليكون كلامه ذا أثر في العقول والقلوب، فقرّر أن يتفرّغ للدروس رغم أنّه كان قد بلغ من العمر ثلاثاً وثلاثين سنة.

فبدأ الدروس الثانوية في برشلونة، وتابعها في ألكالا في اسبانية، حيث انضمّ إليه أربعة من أصدقائه. وهكذا نبتت في عقله وفي قلبه فكرة إنشاء جمعية تعمل معه في حقل الرب وتخدم النفوس. فكانوا يدرسون العلم بنشاط، ويخصّصون أوقات الفراغ لتعليم الأولاد مبادىء الديانة المسيحيّة، ولخدمة المرضى والفقراء، ولمصالحة الخطأة مع الله. وكانوا يلبسون ثوباً طويلاً رمادياً، ويعيشون من الصدقة.

ولمّا كان لا بد للفضيلة من الإضطهاد، فقد قام بعض الأشرار يندّدون بأعمال اغناطيوس ورفاقه، ويرشقونهم بأنواع من التهم، ويثيرون الرأي العام عليهم. وذهبوا إلى التزوير والإيمان الكاذبة ضدهم. فمسك الحاكم اغناطيوس وزجّه في السجن، من غير أن يحقّقوا معه ولا أن يحاكموه. فبقي إثنين وأربعين يوماً محجوزاً عليه. أمّا هو فسُرَّ وابتهج لأنّه إستحق أن يتألّم من أجل إسم الرب يسوع. وكانت له تلك الأيام رياضة روحية متتابعة. وأضحى له السجن منسكاً لذيذاً تنعّم فيه ببهجة الوحدة والإنفراد والصوم والصلاة.

ومن ألكالا ذهب إلى مدينة سَلَمَنْكا لأجل متابعة دروسه العليا. لكنّه ما لبث أن ترك بلاد اسبانيا وسافر إلى باريس لإتمام علومه اللاهوتية على يد أساتذة أعلام كان التلامذة يأتونهم من كل أطراف البلاد الغربية طمعاً في اقتباس العلوم. فوصل العاصمة الفرنسية سنة 1528، وهناك أخذ يتابع دروسه بنشاط، ويتفانى أيضاً في عمل الخير. فأعاد إلى الله شبّاناً كثيرين من طلاّب العلم. أمّا عيشته فكانت فقرية شاقة.

وأرسل الله إليه ستة رفاقٍ جدد ملأت محبة الله قلوبهم. فانضمّوا إليه، وأخذوا يسيرون بإرشاده، ويشاطرونه حياته وأتعابه ودروسه وآماله. وفي الخامس عشر من شهر آب سنة 1534، يوم عيد إنتقال العذراء المجيدة إلى السماء، إجتمع اغناطيوس ورفاقه الستة في كنيسة مُنمرتر Montmarter، وهناك نذروا جميعاً أن يرحلوا بعد إتمام دروسهم إلى بلاد الشرق، لأجل التفاني في إعادة المؤمنين المنفصلين إلى وحدة الكنيسة المقدّسة.

إلاّ أن حياة رجال الله هؤلاء، وتقواهم وإماتاتهم وفانيهم في خدمة القريب، وانضمامهم بعضهم إلى بعضهم، واستمانتهم في الدفاع عن العقائد والآداب المسيحية، أثارت عليهم ألسنة الحسّاد والأعداء، وجعلت أنواع الشكوك تحوم حولهم. فاضطهدوهم، فلم يبالوا، بل لبثوا مثابرين على عملهم وجهودهم إلى أن أتمّوا جميعهم دروسهم. ثم انضمّ إليهم ثلاثة آخرون، فصاروا عشرة، عشرة أبطال رسوليين مستعدين أن يبذلوا دماءهم وحياتهم في سبيل السيّد المسيح والنفوس العزيزة التي اشتراها بدمه الأطهر. إنّ أعمال الله الكبيرة تبدأ مسيرها في طريق الجلجلة الملكية.

فلمّا أتمّ هؤلاء العشرة دروسهم، ونذروا نذورهم، تركوا باريس وذهبوا إلى البندقية ليقلعوا من هناك إلى بلاد فلسطين. وكان اغناطيوس يسهر على تغذية قلوب رفاقه بتعاليمه وإرشاداته ومثله، ويذكي في نفوسهم نار الإيمان والمحبّة لله. وكانوا هم أعضاء لجسدٍ واحد يسيرون بإشارة قائدهم.

ثم إنّ درايتهم وثقافتهم وغيرتهم أهّلتهم للرسامة الكهنوتية. فنالوها جميعاً، وأضحوا كهنة الإله العلي. فاتّسعت دائرة أعمالهم، وصارت رسالتهم أغزر ثماراً في النفوس.

فلمّا تعذّر على اغناطيوس أن يقلع مع رجاله إلى بلاد الشرق، وزّع سبعة منهم في كلّيات إيطاليا الكبرى، لكي يتعاطوا مهنة التعليم العالي، ويكون أثرهم بذلك عظيماً بين الشبيبة المثقّفة. وأمرهم أن يسعوا ليضمّوا إليهم من يجدونه صالحاً من رجال الفضيلة والعلم، لينتحل طريقتهم، ويسير في صفوفهم. أمّا هو فذهب مع الإثنين الباقيين إلى رومة لينال من الحبر الأعظم تثبيت جمعيته الجديدة، وموافقته على قوانينها وفرائضها. فبارك الرب سعيه، وكان له ما أراد.

واجتمع الآباء، وانتخبوا الأب اغناطيوس رئيساً عليهم، رغم ممانعته وإحجامه. ونذروا بين يديه نذورهم الأربعة، وهي الطاعة والعفّة والفقر الإختياري والإئتمار الدائم بأوامر الحبر الأعظم. أمّا اغناطيوس رئيسهم فأبرز نذوره بين يدي الحبر الأعظم بصفته الرئيس الأعلى الدائم للرهبانية اليسوعية. ومن بعد ذلك أقام اغناطيوس أربعين يوماً يعلّم الأولاد الصغار مبادىء التعليم المسيحي.

وأقام اغناطيوس في رومة يدبّر أمور رهبانيته الجديدة، ويؤسسها على الكمالات الإنجيلية السامية. وقد جعل الطاعة عماداً لها، وعربوناً لنجاح أعمالها ورسالاتها، لأن الطاعة في الأمور البشرية الدنيونية هي سر النجاح، وتصل إلى أرفع القمم، في جميع أمور الدين والدنيا معاً.

وانتشرت هذه الجمعية الرسولية إنتشاراً عظيماً منذ حياة مؤسسها القديس اغناطيوس. فإنّ الأساقفة في أبرشياتهم، والنواب الرسوليين في مقاطعتهم أخذوا يلحّون في طلب هؤلاء الرهبان الافاضل المثقّفين القديسين، ليصلحوا بهم ما فسد حولهم من أخلاق كهنتهم وشعوبهم. وإنّ أعظم رسالة قام بها الآباء اليسوعيون في ذلك العهد هي رسالة بلاد الهند التي حمل أثقالها وتجثم أخطارها الرسول العظيم القديس فرنسيس كسفاريوس ورفاقه من رهبانيته.

منذ تثبتت الرهبانية اليسوعية، لازم القديس اغناطيوس رومة، يدير شؤون أولاده ورهبانه الروحية والزمنية. وبقيَ في رومة ست عشرة سنة، ولم يخرج منها إلاّ مرتين فقط للتوفيق بين بعض الأمراء المتخاصمين، ولا سيّما بين ملك البرتغال والبابا بولس الثالث. وشيَّد المآوي الخيرية، والديورة الكبرى، والمدارس المجانية، والملاجىء الأمينة. وأخذ على عاتقه إيواء اليهود الفقراء الذين كانوا يتنصّرون، وإسعاف النساء التائبات، والبنات الفقيرات المعرّضات لأخطار الشرور والغرور. وأخذ يجمع الأولاد المتشردين الذين كانوا يملأون الشوارع والأزقّة. وأنشأ مدرسة خاصة بالأولاد الألمان، رغبةً منه في أن يصيروا فيما بعد رسلاً لدى أخوانهم الإلمان البروتستان في بلادهم.

ورغم هذه الأعمال العظيمة، كان يسهر على نفسه السهر الدائم ولا يغفل لحظة عن تهذيب رهبانه على أسمى الفضائل الرسولية. وكان دائم الإتّحاد بالله. وكانت صيامته وإماتاته متواصلة. ومنحه الله تمييز الأرواح، فكان يسبر أعماق القلوب بلحظةٍ، ويعرف فضائل الناس ونقائصهم. وكان غزير الدموع في تأملاته وصلواته. وكان شعاره "لأجل مجد الله الأعظم". وبقيت شعار رهبانيته من بعده.

كانت الطاعة فضيلته المفضّلة.

وتنبّأ عن يوم وفاته، وطلب بركة الحبر الأعظم قبل رقاده. ومات موت الأبرار القديسين في اليوم الثلاثين من شهر تموز سنة 1556، وهو في الخامسة والستين من عمره.

وفي حين وفاته كانت رهبانيته قد انتشرت انتشاراً كبيراً في بلاد اوروبا وآسيا وأميركا. وكان المئات منهم يطوفون بلاد الهند والصين واليابان، يبشرون بالإنجيل المقدس ويعمدون الناس بالالوف في كل مكان.

ولا يزال اليسوعيون الى يومنا هذا جيوشاً جرّارة في خدمة الكنيسة المقدسة.

طوّبت الكنيسة اغناطيوس بسلطانها الأعلى، ووضعته في مصف القديسين، في اليوم الثاني عشر من شهر آذار (مارس) سنة 1622، في عهد الحبر الأعظم البابا أُربانس الثامن.

 

استشهاد ابانوب النهيسى (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم استشهد القديس أبانوب. ولد بنهيسة (مركز طلخا) من أبوين طاهرين رحومين وقد ربياه أحسن تربية ولما بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة كاندقلديانوس قد أثار الاضطهاد علي المسيحيين فأراد أن يسفك دمه علي اسم المسيح واتفق أنه دخل الكنيسة فسمع الكاهن يعظ المؤمنين ويثبتهم علي الإيمان ويحذرهم من عبادة الأوثان ويحبذ لهم أن يبذلوا نفوسهم من أجل السيد المسيح فعاد إلى بيته ووضع أمامه كل ما تركه له أبوه من الذهب والفضة والثياب وقال لنفسه مكتوب "إن العالم يزول وكل شهوته" (1 يو 2: 17) ثم قام ووزع ما له، وأتي إلى سمنود ماشيًا علي شاطئ البحر واعترف أمام لوسيانوس الوالي باسم السيد المسيح فعذبه عذابا شديدا ثم صلبه علي صاري سفينته منكسا وجلس يأكل ويشرب فصار الكأس الذي بيده حجرا ونزل ملاك الرب من السماء وانزل القديس ومسح الدم النازل من فيه فاضطرب الوالي وجنده وهبت رياح شديدة أسرعت بالسفينة إلى أتريب. ولما وصلوها خلع الجند مناطقهم وطرحوها ثم اعترفوا بالسيد المسيح ونالوا إكليل الشهادة وأمعن والي أتريب في تعذيب القديس أبانوب ثم أرسله إلى الإسكندرية وهناك عذب حتى أسلم الروح ونال إكليل الشهادة وكان القديس يوليوس الاقفهصي حاضرا فكتب سيرته واخذ جسده وأرسله مع بعض غلمانه إلى بلده نهيسة وقد بنيت علي اسمه كنائس كثيرة وظهرت منه آيات عديدة وجسده الآن بمدينة سمنود. صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: نياحة القديس سيمون الأول بابا الإسكندرية الثاني والأربعين

في مثل هذا اليوم من سنة 416 ش. (18 يولية سنة 700م) تنيح البابا القديس سيمون الثاني والأربعون من باباوات الكرازة المرقسية. هذ1 البابا كان سرياني الجنس وقد قدمه والداه إلى دير الزجاج الذي فيه جسد القديس ساويرس الانطاكي الكائن غربي الإسكندرية فترهب به وتعلم القراءة والكتابة وحفظ أكثر كتب الكنيسة ورسمه البابا أغاثو قسا ولما ذاعت فضائله وعلمه انتخبوه للبطريركية ورسم بطريركا في 23 كيهك سنة 409 ش. (19 ديسمبر سنة 692 م.). فدعا إليه معلمه الروحي أوكل إليه تدبير أمور البطريركية. وتفرغ هو للصوم والصلاة والمطالعة. وكان عائشا علي الخبز والملح بالكمون والبقول حتى أخضع النفس الشهوانية للنفس العاقلة الناطقة وقد أجري الله علي يديه آيات عظيمة منها أن بعض كهنة الإسكندرية حنقوا عليه فتآمروا علي قتله واتفقوا مع أحد السحرة فأعطاهم سما قاتلا في زجاجة وقدموها للبابا علي أنها دواء ليستعمله ويدعو لهم. فأخذها وبعد التناول من الأسرار الإلهية شرب منها فلم تؤذه. وإذ فشلوا في مؤامرتهم وضعوا سما آخر قاتلا في فاكهة التين واحتالوا علي المكلف بعمل القربان حتى منعوه ذات ليلة من عمله. وذهبوا إلى البابا في الصباح وقدموا له التين هدية وألحوا عليه حتى تناول جانبا منه. فلما أكله تألم من ذلك ولزم الفراش مدة أربعين يوما.

وحدث أن الملك عبد العزيز حضر إلى الإسكندرية وسأل عن البطريرك فعرفه الكتبة النصارى بما جري له. فأمر بحرق الكهنة والساحر فتشفع فيهم البابا البطريرك بدموع غزيرة فتعجب الملك من وداعته. ثم عفا عن الكهنة وأحرق الساحر ومن وقتها ازداد هيبة ووقار في عيني الملك وسمح له بعمارة الكنائس والأديرة فبني ديرين عند حلوان قبلي مصر. وكان هذا البابا قد عين قسا اسمه مينا وكيلا علي تدبير أمور الكنائس وأموالها وأوانيها وكتبها. فأساء التصرف وبلغ به الآمر أن أنكر ما لديه من مال الكنائس وحدث أنه مرض فانعقد لسانه عن الكلام ولما سمع البابا بذلك حزن وسأل الله أن يشفيه حتى لا تضيع أموال الكنائس ثم أرسل أحد تلاميذه إلى زوجة ذلك القس ليسألها عن مال الكنائس فلما اقترب من البيت سمع صراخا وبكاء وعلم أن القس توفي فدخل إليه وانحني يقبله فعادت إليه روحه وجلس يتكلم شاكرا السيد المسيح ومعترفا بأن صلاة القديس سيمون عنه هي التي أقامته من الموت. وأسرع إلى البابا نادما باكيا وقدم ما لديه من مال الكنائس وكان في أيامه قوم يتخذون نساء أخريات علاوة علي نسائهم فحرمهم حتى رجعوا عن هذا الآثم وأقام علي كرسي البطريركية سبع سنوات وسبعة أشهر ثم تنيح بسلام.

صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.