دينيّة
04 آب 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 4 آب 2017

تذكار القديس دومينيكوس (بحسب الكنيسة المارونية) ولد دومينيكوس اي عبد الاحد سنة 1170 في اسبانيا من اسرة شريفة تقية. كان ابوه فيلِكس من انسباء الملوك والامراء. وامه حنة امتازت بالقداسة والتقى. فعشق دومينيكوس منذ حداثته الفضيلة. واتم علومه الجامعية فنبغ في البيان والخطابة والفلسفة واللاهوت. كان كثير الصلاة والاماتة. ورسمه الاسقف مرتينوس كاهناً فأخذ يتفانى في خدمة النفوس. واشتهر بقداسته وعلمه وفصاحته. فدعاه اسقفه الى القاء الدروس اللاهوتية في جامعة فالنسا، فكان من ابرز الاساتذة فيها.

 

وكان دومينيكوس صديقاً حميماً لمار فرنسيس الاسيزي. وقد أُرسِلَ دومينيكوس بمهمة الى فرنسا حيث كانت بدعة الألبيجوا. فقام يعظ ويرشد ويلقي المحاضرات. وألّفَ فرقة من المرسَلين تساعده على العمل. وصلّى الى العذراء لتساعده. فظهرت له واوحت اليه بأن الخطة المثلى للنجاح في هداية الهراطقة والمنشقين، ليست فقط بالاعتماد على العلم والوعظ والجدل، بل بالصلاة والاماتة والمثل الصالح. وان يلجأ الى عبادة الوردية التي سلمته اياها وأمرَته بأن ينشر عبادتها في كل مكان. فنجح في رسالته. ومن ذلك الحين جعل عبادة الوردية محور حياته. وكان يعتقد ان العبادة لمريم العذراء هي اساس كل قداسة. وسنة 1215 اسس رهبانيته ووضع لها القوانين التي اثبتها البابا اينوشسيوس الثالث. ومن تلك الرهبانية العلماء والقديسون في مقدمتهم القديس توما اللاهوتي. ورقد دومينيك بسلام الرب في سنة 1221 وله من العمر احدى وخمسون سنة. صلاته معنا. آمين.

 

تذكار القدّيسين الفتية السبعة النائمين في أفسس(بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

أسماء هؤلاء الفتية السبعة تختلف تبعاً للمراجع. وردت في بعض الوثائق في التراث كالتالي:
مكسيميليانوس، مرتينيانوس، يامبليكيوس، أكساكوستوديانوس، أنطونينوس، ديونيسيوس، ويوحنّا. 
عاشوا في زمن الأمبراطور الرومانيّ داكيوس قيصر وقضوا في حدود العام 251م. صوّروا باعتبارهم فتية جنود، وفي وقت لاحق كأنّهم أولاد، هذا ما استبان في الإيقونات.

ورد أنّ  داكيوس قيصر مرّ بأفسس وأمر بتقديم الأضحية للأوثان في الهياكل وكانوا من بين الذين افتُضح أمرُهم كرافضين تقديم الذبائح. أوقفوا لدى الأمبراطور وسئلوا عن سبب تمرّدهم، أجاب مكسيميليانوس باسم الجميع: 
"نحن لنا إله مجده ملء السماء والأرض. إليه نقدّم ذبيحة اعترافنا الإيمانيّ وصلواتنا المتواترة!"

هذا الكلام أثار حفيظة الأمبراطور فأهانهم وهدّدهم ثمّ تركهم يذهبون ليتسنّى لهم التفكير في الأمر جلياً مبدياً أنّه سيعود فيستجوبهم، بعد أيام قليلة، متى عاد إلى المدينة من سفر وشيك.

توارى الفتية السبعة في مغارة واسعة إلى الشرق من المدينة. وهناك ركنوا إلى السكون والصلاة ملتمسين من الله حكمة. وقيل أنّهم ناموا نومةَ الموت والصلاة على شفاههم.

وعندما عاد الأمبراطور سأل عنهم، عرف أنّهم في مغارة، فصدّ بابَها، ممّا تسبّب في خنقهم. ويُقال أنّه بعد مئتَيْ عام أي في السنة 446م زمن الأمبراطور البيزنطيّ ثيودوسيوس الصغير أزيحت الحجارة عن المغارة فعاد الفتية إلى الحياة كالناهض من النّوم دون أن يكون نالهم أيّ تغيير. ويُقال أنّهم عادوا ورقدوا بالرّبّ مرّة ثانية.

 

تذكار القديسين الشهداء السبعة الذين كانوا بأفسس(بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

إن هؤلاء الشهداء السبعة كانوا أخوة، وكانوا يُدعون مكسميانس وملخس ومرتنيانس وذيونيسيوس ويوحنا وسرابيون وقسطنطين. وتم إستشهادهم في أواسط القرن الثالث في أيام الإضطهاد الذي أثاره الملك داكيوس سنة 251.

ولقد أختلف الرواة في طريقة إستشهادهم وموتهم وانبعاثهم. إلاّ أن الرواية المقبولة عند جمهور المؤرخين، وهي الأصح والأقرب إلى التصديق، تقول أنّهم قُتلوا ودُفنوا في مغارة بالقرب من مدينة أفسس، أو أنّهم دفنوا أحياء في تلك المغارة وسُدت عليهم منافذها، فقضوا فيها. ثم وجدت ذخائرهم المقدّسة في أواسط القرن الخامس، سنة 447، على عهد الملك ثاوذوسيوس الصغير، فصارت ينبوع نعم للنفوس والأجساد، كما حدث لكثيرين غيرهم من الأبرار والشهداء. وهذا ما يسمّونه بعثهم أو قيامتهم وعودتهم إلى الحياة.

إلاّ أن بعض الكتية الكنسيين ظنّوا رقادهم نوماً، فقالوا خطأ أنّهم ناموا مدّة مئتي سنة، ثم قاموا من جديد إلى الحياة. ولذلك دُعوا "بالإخوة النائمين" و "بأبناء الكهف". 

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: القديس دومنيكس مؤسس رهبانية "الأخوة الوعاظ"

ولد دومنيكس في بلاد إسبانيا الغنيّة بكبار القديسين، في مدينة كلاهورا، من أعمال كستيليا القديمة. وكان أبوه فيلكس دي غزمان من أشراف قومه، ومن أنسباء ملوك وأمراء إسبانيا وفرنسا والبرتغال. وكانت أمّه حنّة سيّدة كريمة تقيّة فاضلة، عاشت في القداسة، ودفنت في كنيسة الآباء الدومنيكيين في بنافييل، وكتب على قبرها: القديسة حنّة أمّ القديس دومنيكس.

وامتاز حداثة دومنيكس بالوداعة والرصانة والتواضع والتقوى، والطاعة الكاملة لأهله وأساتذته ومرشديه. فما كاد يبلغ سن الشباب حتى كان من خيرة الشبّان الأشراف ثقافة وأدباً وتقوى وأخلاقاً عالية جميلة. وتعوّد منذ الصبا أن يفكّر كثيراً في أمور الحياة والآخرة، حتى أضحى رجل صلاة العقلية. وكان قبل كل شيء شديد العبادة لمريم البتول.وصارت تتراءى له، وتشجّعه على المضيّ في طريقته وعباداته.

وكان عمره أربع عشرة سنة لمّا أرسله والده إلى جامعة فالنسيا. فقضى فيها سنتين طويلة، حتى نبغ في علوم البيان والخطابة والفلسفة واللاهوت. وعكف منذ تلك الأيام على الأصوام والأسهار والإماتات. وامتنع عن شرب الخمر، وصار يرقد على الحضيض.

وكان دومنيكس قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره لمّا لبس الثوب الإكليريكي، وعزم على هجر الدنيا، وعلى التفرّغ لخدمة الله وخدمة القريب. وبدأ بالوعظ والإرشاد، ليعيد النفوس إلى الله بالتوبة. فنجحت رسالته نجاحاً باهراً. وطار صيت قداسته وعلمه وفصاحته في الآفاق. فدُعي إلى الأسقفية مراراً، ولم يكن بعد قد قبل الرسامة الكهنوتية.

وما لبث أسقفه مرتينس أن رسمه كاهناً، وأرسله إلى جامعة فالنسيا لإلغاء الدروس في اللاهوت. فذهب أى تلك الجامعة الشهيرة، وبدأ بالتعليم.

فلمّا رأى أسقفه ما كان من أعمال غيرته، وإلى مَ كانت تتجه أمياله، عفاه من التدريس، وتركه يتفرّغ للوعظ ونشر عبادة الوردية المقدّسة.

فالعناية الإلهية، الساهرة بعطف على مقدّرات البشر، أخذت تسيّر دومنيكس في الطرق التي توصله إلى إنشاء الرهبانية العظيمة التي دعاه الله إلى تأليفها ونشرها في الدنيا، لتكون للشعوب باب رحمةٍ وهداية وخلاص وقداسة.

وعزم حينئذٍ أن يمكث هو وأسقفه في جنوبي فرنسا لمحاربة بدعة الألبيجوا الفظيعة، وصيانة المؤمنين من شرورها. فأذن الحبر الأعظم بذلك لهما ولرفاقهما.فألّفا فرقة رسولية، وقام هؤلاء المرسلون بمهام الوعظ والإرشاد. لكنّهم تعبوا كثيراً ولم ينالوا حصاداً وافراً. فعمد دومنيكس إلى الصلاة ليعلم ما سبب ذلك. فأوحى الله إليه أن الخطّة الرسولية المثلى التي يُكتب لها النجاح في هداية الهراطقة والنشقّين إلى أحضان الكنيسة المقدّسة، ليست تلك التي تعتمد فقط على العلم والكتابة والوعظ والجدال، بل تكون أسلحتها الصلاة والإماتة، والمثل الصالح، والحياة الفقرية... فاتّبع دومنيكس هذه الخطّة الرسولية، فنجح، وصار كبار الهراطقة ينظرون إليه وإلى فضيلته بإعجاب وإكبار، وأخذوا يسمعون له بإنشراح، ثم يتوبون عن ضلالهم، ويعودون إلى الكنيسة وإلى الله.

ودفعت دومنيكس حمْيته وشفقته على القريب إلى إنشاء ملجأ رهباني للبنات الفقيرات، ليصونهنَّ من البؤس ومما يجرَ وراءه من الرذائل والأخطار

ثم أن تلك الفرقة الرسولية، التي كان دومنيكس يضرم سعير غيرتها، تلاشت لأسباب قاهرة. فمات الأسقف دياغو رئيسها، وتبدّد أعضاؤها، فعاد كل منهم إلى حيث دعته أعماله. ورأى دومنيكس أن الحصاد كثير وأن العملة قليلون، وعرف بروح الوحي والنبوءة أن الله يريد منه متابعة العمل الرسولي. لذلك عقد النية على إنشاء جمعية رهبانية رسولية، تكون مهمّتا الوعظ والإرشاد، ويكون لها قوانين يضمّن حياتها ويحفظ كيانها. وهكذا أنشأ الرهبانية الرسولية التي دعاها بإسم "الأخوة الوعاظ". والتي يدعوها العامة الرهبانية الدومنيكية.

وطار صيت دومنيكس فملأ الآفاق. وبارك الرب عمله، وكثرت عجائبه. فاختاره الرؤساء مراراً للأسقفية. أمّا هو فكان يتواضع ويتوارى، حاسباً نفسه أحقر عامل في كرم الرب. فأراد الحبر الأعظم أن يكافىء أتعابه الرسولية، فأنشأ من أجله وظيفة عالية في الكنيسة، وهي رئاسة ديوان التفتيش في قضايا الإيمان، والتحقيق في أمر الهراطقة والمنشقّين. وبقيت هذه الوظيفة لرهبانه من بعده.

وأنعم الله عليه قبل وفاته بأنّه رأى بعينه رهبانيته منتشرة في كل الأصقاع الأوروبيّة. وأرسل رهبانه في كل الدنيا يدعون الناس إلى التوبة، ويعملون على هداية الهراطقة والمنشقّين إلى حظيرة أمّنا الكنيسة الكاثوليكية.

كان دومنيكس قد حقّق هذه الأعمال العظيمة كلّها ولم يكن بعد بلغ الخمسين من عمره. وتلك معجزة من أكبر معجزات حياته.

وأوحى الله إليه بقرب أجلِه، فاستعدّ لملاقاة ربّه بأشد عواطف الحب والندامة والإستسلام لمشيئته تعالى. ورغب إلى أولاده أن يضعوه على الحضيض. واجتمع رهبانه من حوله في مدينة بولونيا، فودّعهم وباركهم، وأوصاهم بالمحافظة على قانون الرهبانية وفرائضها. وحرّضهم على أن يجعلوا فضيلة الفقر على الدوام شعارهم وقبلة حياتهم. ثم رقد بالرب رقود القديسين في اليوم السادس من شهر آب سنة 1221. وأعلنت الكنيسة قداسته سنة 1234.

وانتشرت الرهبانية الدومنيكية في الدنيا إنتشار نور الصبح في الآفاق. وقد مضى عليها اليوم ثماني مئة سنة، وهي تعمل بنشاطٍ ونجاح عظيمين في حقول الرب، في جميع أنحاء المعمورة.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: القديس يوحنا ماري فيّانه، خوري أرس

ولد يوحنا ماري باتست فيانه في اليوم الثامن من شهر أيار في قرية داردّلي، التابعة لأبرشية ليون في فرنسا. وكان أبوه يدعى متيو أي متى، وأمّه ماري بولوز. وكانا من القروّيين الأتقياء الخائفين الله، العائشين من شغلهم ومن عرق جبينهم.

وأظهر الولد يوحنا، منذ أول عهده في الحياة، ميلاً إلى التقوى والرصانة، مع وداعة حلوة وحب للصمت والصلاة. ولذلك كانت أمّه تعطف عليه أكثر من سائر أخوته.

ولمّا بلغ السابعة من عمره، أخذ يساعد والديه في الأشغال القروية. فسُلّم إليه قطيع صغير من الأغنام وأقيم على رعايته. فصار يقضي الأيام الطوال وحده في البريّة، وهكذا ألِفَ حياة الإختلاء والصمت. وكانت أمّه قد أهدت إليه تمثالاً صغيراً للبتول مريم، فكان يضعه في شقوق الشجر، ويقوم يتلو صلاته بخشوع أمام هذا هذا الهيكل الصغير.

وامتلأت حداثة هذا الولد مرارة لمّا نفخ بوق الثورة في فرنسا، وقام الرعاع يفتكون بالكهنة، ويغلقون الكنائس، وينهبون بيوت الأشراف، ويعدمون كل من وجدوه متعلّقاً بحبال الدين والصلاة. إلاّ أن الدين كان في قلوب الفرنسيين، فلم يستطع السيف أن يخرجه ويبيده. وكان عمر يوحنا ماري ثلاث عشرة سنة لمّا تناول القربان الأقدس للمرّة الأولى، وكانت الثورة قد خمدت نيرانها وعاد السلام إلى البلاد. وقد بقي له ذكر تناوله هذا لذيذاً طول أيام حياته.

ولمّا صار يوحنا قادراً على العمل، ترك رعايته الغنم وأخذ يتعاطى أشغال الفلاحة. ولمّا كان قد تعوّد حياة الصلاة والـتأمّل، كان ينبش الأرض بيديه، وقلبه متّحد بالله.

وكان يميل بكل جوارحه إلى الحياة في ظل مذابح الرب. فلمّا حوّل كاهن رعيته إيكولّي بيته إلى مدرسة إكليريكية، سنة 1803، قبل يوحنا بين تلامذتها. فدخل يوحنا وقلبه يطفح سروراً وشكراً. إلاّ أن العناية الإلهيّة، التي كانت قد أعدته ليكون ملجأ عظيماً للنفوس المسكينة المتألّمة، بدأت تهذّب نفسه بواسطة الآلام والصليب. أن الصليب كان ولا يزال حياة العالم وخلاصه. فتألّم يوحنا كثيراً من قلّة ذاكرته ومن بطء فهمه، وصار يجد صعوبة كبرى في متابعة دروسه. لكنّه لم ييأس، بل تسلّح بالصلاة والإماتات، وأخذ يجدّ ويكدّ ويتواضع. وذهب حافياً لزيارة الضريح القديس فرنسيس ريجيس اليسوعي، وقام يستعطي على الطريق، ليطلب شفاعته ومعونته في دروسه. وبقي يجاهد ويصلّي ويجتهد ويكثر من أنواع الإماتات إلى أن نال مبتغاه، وقبل الدرجة الكهنوتية سنة 1815 ومنذ ذلك تلك الأيام أسس حياته على الصبر والإماتة والتواضع. وسوف تكون هذه الفضائل شعار رسالته طول أيامه.

وبعد رسامته الكهنوتية، أرسله رؤساؤه إلى إيكولّي بصفة معاون لكاهن الرعية فظهر مثال الفضائل الكهنوتية بغيرته وتفانيه، وطاعته لرئيسه، وخدمته للنفوس.

وقضى في هذه الخدمة سنةً وبعض السنة. وكان قد صار معروفاً بتقواه وتجرّده وتفانيه. فعيّنه أسقفه راعياً لقرية أرس.

ومنذ وصوله إلى تلك القرية سنة 1817 وجد كثيراً من الرذائل متأًصّلة فيها. ورأى الناس لا يهتمون لأمور الصلاة. ولاحظ أن الكثيرين لا يخرجون من المقاهي والخمّارات. فبعد أن درس محيطه وضع خططه، وقا يصلّح ما فسد في رعيّته ويزرع فيه بذور الفضائل المسيحيّة والكمالات الإنجيلية.

فاتّخذ أولاً كنيسته مسكناً له، وصار يقضي فيها معظم ساعات نهاره وليله، عاكفاً على الصلاة العقلية، ومبتهلاً إلى الرب لأجل رعيّته.

ومع الصلوات والوعظ، أخذ يُنشىء الأخويات التقوية والجمعيات الخيرية لرجال والنساء، وللشبّان وللشابات، فأزهرت الحياة الروحية في تلك القرية. وأخذ يمارس أشد أنواع الإماتات، على مثال كبار النسّاك. فقضى السنين الأولى من خدمته لا يأكل سوى كسر الخبز اليابس الأسود القذر الذي كان يجده في أكياس الفقراء المتسوّلين.

ولم يكن لهذا الكاهن القديس سوى ثوب واحد. فكان يلبسه كل يوم، ولم يكن يتركه إلاّ عندما يصبح قطعاً قطعاً. وكان ينام على الحضيض، ولا يدع أحداً يدخل إلى مخدعه. سوى بعض المقربين إليه من الكهنة أخوته، لئلا يعلم أحد بإماتاته.

وأراد الله أن يكمّل فضيلته وأجوره، فسمح للشيطان بأن يهاجمه كما كان يهاجم كبار النسّاك في براربهم وخلواتهم. فصار يأتيه في ظلمات الليل، ويضايقه، ويعمل كل ما بوسعه لكي يخيفه. وبقي يزعجه ويتعبه ويهاجمه حتى آخر أيام حياته.

ولكي يصقل الله ذهب فضيلته أكثر فأكثر، سمح بأن يقوم عليه بعض أخوته الكهنة ويضطهدوه. فإنّ فضائله، وإقبال الناس عليه، وازدهار الحياة الروحية بين رعيّته، أثارت نيران الحسد عليه. فكان الأب يوحنا يرى ويسمع ويتألّم. ولكنّه كان يصبر ويتواضع ويقول بلهجة الرجل المخلص المقتنع من كلامه. وكان يقول عن نفسه أنّه أحقر الكهنة، وهكذا سما هذا الكاهن القديس بتواضعه، واستحق أن يرفعه الله فوق جميع أخوته، حتى أضحى هذا الذي كان يحسب أنّه سوف يقصى عن الكهنوت لعدم كفايته، خطيباً قديراً، ومرشداً عظيماً للنفوس.

كان قد مضى ست سنوات على وجود الأب يوحنا في قرية آرس لمّا بدأ الزوّار يقصدونه ليعترفوا عنده ويسمعوا إرشاده.

فكان هذا الرجل العجيب ينهض من نومه مع الفجر، ويأتي إلى الكنيسة حيث الجماهير تنتظره. فيجلس في منبر الإعتراف إلى وقت القداس. ثم يخرج فيحتفل بالذبيحة الإلهية بخشوع ملائكي، كأنّه رجل سماوي هبط من علُ.

إنّ تعاليم خوري آرس كانت تخرج من قلبه كمن ينبوع دافقِ، بلا تكلّف ولا تصنّع، على حسب ما يقول الرب: "إنّ الفم يتكلّم من فضلات ما في القلب".

وكان يمارس من العبادات ثلاثاً: العبادة لآلام المسيح، والعبادة لمريم البتول، والعبادة للنفوس المعذّبة في المطهر. ومن أقواله المأثورة في ذلك: "إنّ آلام المسيح هي أشبه بنهر عظيم يخرج من جبل ولا ينضب أصلاً". وأيضاً: "إنّ قلب مريم البتول أمّنا الحبيبة هو مجبول بالحب والحنان، ولا يريد سوى سعادتنا وهنائنا. ويكفينا أن نلتفت إليها ونطلب النعم من مراحمها لكي تستجيب طلبتنا.

وامتاز خوري آرس بتواضعه العميق. فإنّه رغم إقبال الجماهير عليه، ورغم ما كان يرى من زيارة كبار رجال الكنيسة له، ورغم تزاحم عظماء الدنيا حوله في طلب بركاته وإرشاداته، كان مقتنعاً بأنّه أحقر الكهنة، وأجهلهم، وأقلّهم درايةً، وأصغرهم شأناً.

كان رجل الله قد صار إبن أربع وسبعين سنة، وكان لا يزال يعمل في كرم الرب ويتعب ويصوم ويسهر. وكان جسمه قد أضحى هيكلاً عظميّاً واقفاً.

وفي 29 تموز كان الأب يوحنا قد قضى كعادته نحو سبع عشرة ساعة في منبر الإعتراف، وشرح التعليم المسيحي، وتلا صلاة المساء، فخرج من الكنيسة يجرّ نفسه إلى حجرته. لكنّه ما كاد يدخل مخدعه حتى سقط على أحد المقاعد منهوك القوى، وقال: لقد خارت قواي. فأسرعوا إليه، وقالوا له: يظهر أن التعب قد أضناك. فأجاب: لقد دقّت ساعتي المسكينة الأخيرة. فأرادو أن يأتوه بطبيب. فمانع وقال: لا تزعجوا أحداً لأن ذلك لا يجدي نفعاً. ثم أرسل في طلب معلّم إعترافه. وبقي ثلاثة أيام يتألّم وهو يصلّي، والجماهير الفقيرة المجتمعة، والتي كانت تتوافد كل يوم، تصلّي لأجله، إلى أن فارقت نفسه الزكيّة جسده الفاني، وطارت مرتفعة إلى الأعالي.

وبقي يومين وليلتين معروضاً في نعشه، والجماهير تمرّ أمامه وتتبرّك منه.

 وأعلنت الكنيسة قداسته سنة 1925. ولا يزالون إلى اليوم المحافظة على حجرته كما تركها يوم وفاته. ويقصدها الزوار لمشاهدتها، ويتعلّمون الفضيلة من جدرانها ومقاعدها وسريرها. لأن كل شيء فيها ينطق بقداسة صاحبها، ويدعو إلى إكرامه والتشبّه به.

 

نياحة القديسة مريم المجدلية (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم تنيحت القديسة مريم المجدلية، وهي التي تبعت السيد المسيح فأخرج منها سبعة شياطين، فخدمته وقت آلامه وصلبه وموته ودفنه وهي التي بكرت مع مريم الأخرى إلى القبر ورأت الحجر مدحرجا والملاك جالسا عليه ولما خافتا قال لهما الملاك لا تخافا فآني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب ليس هو ههنا لأنه قام" (مت 28: 1 – 7). وهي التي ظهر لها المخلص وقال لها: "اذهبي وأعلمي اخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم والهي ألهكم". فأتت وبشرت التلاميذ بالقيامة وبعد صعود الرب بقيت في خدمة التلاميذ ونالت مواهب الروح المعزي. فتمت بذلك نبوة يوئيل النبي القائلة: "ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي علي كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويري شبابكم رؤى" (يؤ 2: 28). هذه القديسة بشرت مع التلاميذ وردت نساء كثيرات إلى الإيمان بالمسيح وأقامها الرسل شماسة لتعليم النساء وللمساعدة عند تعميدهن. وقد نالها من اليهود تعييرات وإهانات كثيرة وتنيحت بسلام وهي قائمة بخدمة التلاميذ.

صلاتها تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.