دينيّة
07 حزيران 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 7 حزيران 2017

تذكار البارّة سوسنه (بحسب الكنيسة المارونية)هذه كانت اسرائيلية في مدينة بابل، ذات بعل تقي. وكان جمالها يفوق الوصف، وكانت عفيفة طاهرة لان ابويها ادباها تأديباً حسناً بحسب شريعة موسى. قد علق بهواها شيخان من مشايخ اسرائيل القضاة. فاحتالا حتى صادفاها وحدها تغتسل في بستانها. فوقعا عليها بغته وارادا مواقعتها، فنفرت من ذلك غاية النفور. فتهدداها انهما يتهمانها بالزنى ان لم تواقعهما. فقالت العفيفة سوسان:" خير لي ان تتهماني من ان أخطأ امام الرب". وصرخت بصوت عظيم، فتراكض اهل بيتها فقال الشيخان انهما رأياها في ريبة مع احد الشبان، وشهدا عليها هكذا امام شعب اسرائيل. فحكموا عليها بالقتل رجماً.

 

فصاحت بصوت عظيم وقالت:"ايها الاله الازلي البصير بالخفايا العالم بكل شيء قبل ان يكون، انك تعلم انهما شهدا علي زوراً، وها انا اموت ولم اصنع شيئاً مما افتري به علي". فاستجاب الرب لصوتها. واذ كانت تساق الى الموت، دفع الروح القدس طفلاً اسمه دانيال، فصرخ بصوت عظيم:" انا برء من دم هذه!" فالتفت اليه الشعب كله وقالوا: ما هذا الكلام الذي قلته؟ فوقف في وسطهم وقال:" أهكذ أنتم أغبياء، يا بني اسرائيل، حتى تقضوا على بنت اسرائيل، بغير ان تفحصوا وتحققوا، عودوا الى القضاء، فان هذين انما شهدا عليها بالزور". فأسرع الشعب كله ورجع. فقال لهم دانيال: فَرِقّوهما فأحكم فيهما، فلما انفصل الواحد عن الآخر، دعا احدهما وقال له: ان كنت رأيتها، فقل لي، تحت اي شجرة رأيتهما يتحدثان؟ فقال تحت الاكاسيا. ثم نحّاه وأمر بإقبال الآخر، وقال له: قل لي تحت أية شجرة صادفتهما يتحدثان؟ فقال: تحت السنديانة. فصرخ المجمع كله بصوت عظيم، باركو الله المخلص الذي يرجونه. وقاموا على الشيخين فرجموهما ونجت سوسان العفيفة وارتفع شأن بعلها ووالديها وذويها. (دانيال 13).

وكان ذلك عام 550 قبل مجيء المسيح. صلاتها معنا. آمين.

 

القديس الشهيد ثيودوتوس أنقرة (بحسب الكنيسة الارثوذكسية) 

نشأ في انقرة على التقوى برعاية الشهيدة تيكوزا التي كان ابن أخيها. تزوّج وامتهن عمل الخمّار باستقامة.وكان يتحين الفرص ليتعاطى الرحمة حيال الجميع،واقام كذلك حتى من عليه الله بموهبة صنع العجائب.

لما اضطرم الاضطهاد في انقرة، حوّل ثيودوتيوس نزلا كان له إلى ملجأ يسّر فيه للمسيحّيين أن يجدوا سلعا غذائية لم يجر تقديمها للأوثان.وكان يفتقد المعترفين في سجنهم ويشدّدهم على الشهادة.  التقى في مالوس مسيحيّين  سبق له أن أعتقهم من السجن. اعد معهم مائدة أخوية ودعوا الكاهن  للإشتراك معهم. وقد أوصى ثيودوتيوس فرنتون ببناء كنيسة صغيرة، توضع فيها رفات القدّيسين وعد بتأمينها.

عاد إلى انقرة فوجدها في اضطراب إثر إيقاف عمّته تيكوزا ورفيقاتها الستة. فبقي متواريا مع مسيحيّين آخرين يصلّون من أجل تثبيت القدّيسات في محنتهن.وبعد أن قضين غرقا دون ان يتنكرن للسيّد استحال نحيبه دموع فرح.وتمكن بنعمة الله من انتشال اجسادهن وواروهن الثرى في إحدى الكنائس يتكتّم. فاهتاجت المدينة لخبر انتشال أجسادهن، فأوقف الجند المسيحيّين الذين التقوهم لإخضاعهم للإستجواب.من بينهم الذين بوليخرونيون الذي خار تحت التعذيب وكشف موضع  الأجساد.واعلن ان ثيودوتيوس مدبّر الأمر. فأخرجت الأجساد وألقيت في النار واسلم ثيودوتيوس نفسه للحاكم الذي كان يبحث عنه،مودعا ذاته عناية الصليب المحيي.

دخل إلى قاعة الإستجواب وسخر من وهن ديانه تحتاج إلى حجم كبير من الرجال المسلحين لمواجهة جندي واحد للمسيح، أثار كلامه حفيظة الحاكم والكاهنات الذين طالبن بمعاقبة عدو الآلهة. ولما كان سلاح اسم يسوع أقوى لديه مما أنزلوه به استبانت تدابير الحاكم بلا جدوى إذ لم ينل من صلابة رجل الله. فأمر بقطع رأسه وإلقائه في النار.

في موضع الإعدام شدّد ثيودوتيوس المسيحيّين وحثهّم على شكران الله على حسن صنيعه لأنه نفح عبده أن يتمّ الشوط إلى النهاية. ثم اقتبل بفرح قطع هامته. امّا النار التي أوقدت لتأكل جسده فقد أحاط بها نور ساطع حتى تعذر على الجلادين الاقتراب من النار لتزكيتها وبقي الجسد سالما. اقيمت الحراسة على جسد القدذيس، ولكن جاء كاهن مالوس ومعه حمار محمّل بالخمر. ومن التعب توقف الحمار ليستريح بقرب الموضع الذي كان فيه جسد القدّيس. دعا فرونتون الكاهن الجنود إلى احتساء الخمرة لطيبها. فلمّا سكروا أخذ الجسد وجعله على الحمار فعاد الحمار من ذاته إلى المكاتن الذي شاءه ثيودوتيوس أن يكون لرفات القدّيسين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس باناغيس (بائيسيوس) باسيا (+1888م)

وُلد سنة 1801م لعائلة مميزة في كيفالونيا اليونانية. أبدى، منذ ولادته، ذكاء حاداً وحباً لقراءة الكتب المقدسة. إثر موت والده أخذ على عاتقه صون أمه وأخته فصار مدرساً رغم حداثته. لكنه ما لبث أن استقال لئلا يجد نفسه مجبراً على المساومة بشأن إيمانه ومشاعره الوطنية تحت ضغط المحتلين الإنكليز. اكتفى بإعطاء الدروس الخاصة. بقي كذلك إلى أن قرر قطع كل صلة له بالعالم فهجر عائلته ومهنته وصار راهباً في دير بلاشيرن في جزيرة ذيوس. فلما أصرت عليه أمه عاد إلىليكسوري دون أن يُقلع عن السيرة النسكية التي تعاطاها في حياته تحت كل ظرف. سيم كاهناً في سن الخامسة والثلاثين. مذ ذاك كرس نفسه بالكامل لخدمة الكنيسة. كان يقيم الذبيحة الإلهية كل يوم تقريباً ويعلم ويسلك في الفضائل الملائكية. أضحى مثالاً طيباً للمؤمنين. كان ينتصب في الكنيسة كعمود صلاة. وحين كان يخرج منها كان ذلك ليوزع الحسنات ويفتقد المضنوكين ويعيد إلى حظيرة المسيح النفوس الضالة. كان يرفض أن يُعين على رعية اجتناباً للاهتمامات المادية وضغوط الناس. أقام في دير صغير للقديس سبيريدون من حيث نشر، على مدى خمسين سنة، على شعب كيفالونيا، الكنوز التي اقتناها في قلبه. وإذ اتبع مثال القديس جيراسيموس (20 تشرين الأول) و أنثيموس الأعمى (4 أيلول) علم ونشر نعمة الله في الشعب دون أن يغادر منسكه. كذلك اعتاد أن يقيم الخدمة الإلهية في كل الكنائس الصغيرة المنتشرة في الريف حول ليكسوري. وحالما كان المؤمنون يأخذون علماً بقدومه كانوا يتهافتون إليه.

باع ممتلكات العائلة ووزع ما لديه على المحتاجين الذين كان يعتبرهم في منزلة أولاده. حين كان يدخل المدينة كانت النساء الفقيرات تجتمعن إليه كالنحل على الشهد. كان يعطيهم كل ما لديه لدرجة أنه كان يحرم نفسه من الطعام من أجلهم. وكمثل نيقولاوس جديد كان يعرف أية عائلة بخاصة كانت في العوز. فكان يتدخل لمؤازرتهم وبث الرجاء في حياتهم. محبته كانت مصحوبة بالجسارة إذ كثيراً ما كان يحدث له أن يدخل محلاً تجارياً فيفتح صندوق المال ويأخذ منه ما يحتاج إليه لحسناته. ذات يوم رفض خباز أن يعطيه ما طلبه منه فلم يختمر عجينه.

اقتنى موهبة البصيرة والنبوة. هذه كان يستعملها لإصلاح النفوس: الذين كانوا مزمعين أن يقضوا بميتة عنيفة كان ينصحهم بالاعتراف بخطاياهم لدى الكاهن أو كان يُنذر بأقوال غريبة أولئك الذين كانوا على وشك أن يرتكبوا خطيئة كبيرة. ذات مرة، في ليلة مطر التقى برجل كان يستعد لارتكاب المعصية فهتف به: "خطيئة، خطيئة، عد إلى بيتك!" مرة أخرى بعدما فقدت أمّ ولديها الواحد تلو الآخر سقطت في اليأس وثارت على الله. فأسرع الكاهن القديس إليها. ولما لم تشأ أن تفتح له وأسمعته كلاماً جارحاً، فتح الباب برسم إشارة الصليب. فلما دخل إلى قاعة الاستقبال حيث كانت معلقة صورتا ولديها المائتين، خرج الولدان من الصورتين وأخرجا كل مسدساً وقتل أحدهما الآخر. إذ ذاك كشف القديس باناغيس للأم أن ولديها لما كانا قد وقعا في هيام امرأة واحدة كانا سيهلكان لو لم يتدخل الله ليجنبهما شراً أعظم من الشر الذي اقتبلاه. مرة أخرى دخل أحد البيوت حيث كان وعاء الطعام يغلي بانتظار المدعوين فقلب القديس الوعاء لأن فقيراً جاء إلى البيت سائلاً العون فرد خائباً ولم يعطه أحد شيئاً.

غير أن هذه المواهب الجمة التي منّ بها الرب الإله على عبده لم تكن من دون شوكة في الجسد. فإنه بعد عشر سنوات من سيامته ونيف، أصيب بمرض عصبي جعله يفقد السيطرة على نفسه: كان يصرخ ويحلق ذقنه وشعره ويلقي خارجاً بكل ما كان في متناول يده. وحين عاد إلى نفسه في غضون ستة أشهر، نسب حالته تلك إلى كونه خاطئاً. فيما بعد كانت حالة عدم الاتزان تعود إليه كل سنتين أو ثلاثة. وفي أواخر أيامه كانت تأتيه مرة كل سنة. وقد اضطر إلى ملازمة الفراش في السنوات الخمس الأخيرة من حياته. غير أنه لم يُحرم من موهبة النبوة وتعزية النفوس ولم يحل شيء دون تهافت الناس عليه. بالعكس كل الذين كانوا في الضيقات كانوا يعرفون أن باب غرفته مفتوح أبداً. هكذا بقي رجل الله قطب الاهتمام ومركز الحياة الكنسية في كل كيفالونيا. كان قد اقتنى سلطة على الناس حتى أخذ يتدخل، وبقوة أحياناً، في حياة الناس ليصلح بينهم من كانوا ظالمين ويوبخ الذين كانوا يرتكبون الموبقات. وكان الجميع يصغي إليه كما إلى صوت الله.

وبعد أن حمل صليبه طويلاً بإذعان وشكران، مما يعتبره قوم ضرباً من التباله لأجل المسيح، رقد القديس باناغيس في الرب في 7 حزيران سنة 1888. وقد انتشر إكرامه في كل بلاد اليونان لا سيما بعد نقل رفاته سنة 1976م.

 

تذكار القديس الشهيد ثاوذوتس الذي من أنكرة (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولد ثاوذوتس في أنكرة عاصمة أقليم غلاطية، ونشأ على التقوى نظير الكثيرين من أترابه. فلمّا بلغ أشدّه تزوّج، واتّخذ له حرفة الخمور ليعيش منها. ورغم أن تلك الحرفة تعرّض أصحابها لأخطار عديدة، فقد بقي ثاوذوتس أميناً في تتميم واجباته الدينيّة، حريصاً على حفظ وصايا الله ووصايا الكنيسة بكل دقّة ونشاط. وكان على الأخص كثير العطف على البائس والفقير، خدوماً لكل من كان يجده محتاجاً إلى معونته ومناصرته. وكان رسولاً إلى كل من عرفه أو تعرّف به، فكان إذا رأى أحداً بعيداً عن الله يعمل على العودة به إلى أحضان الرب. وكثيراً ما شرف الرب عمله ورسالته هذه بصنع العجائب. فكان كاهناً بلا رسامة كهنوتيّة، بل أسقفاً علمانيّاً بما كان قد وقف نفسه له من أعمال الغيرة والرحمة.

وهبّت عاصفة الإضطهاد ضد المسيحيين على عهد ذيوكلسيانس قيصر، وزادت شدّة سنة 303 بالمرسوم الملكي الذي صدر إلى جميع أنحاء المملكة من مدينة نيكوميذية، بإضطهاد المسيحيين. وكان ثاوكتينس في تلك الأيام والياً على إقليم غلاطية، وكان رجلاً فظّاً قاسي الطباع. ولما كان يريد أن يكسب عطف القيصر، وعده أن يمحو الإسم المسيحي من ولايته في قليل من الزمان. لذلك ما كاد يصير إعلان المرسوم الملكي في مدينة أنكرة حتى تبدّد شمل المسيحيين وتركوا منازلهم وهربوا إلى القرى والجبال. فاغتنم الوثنيّون الفرصة السانحة وأعملوا السلب والنهب في بيوت النصارى. فجرت داء الشهداء كالأنهار وقام الوثنيّون على المسيحيين قومة واحدة، فلم تردعهم شفقة، بل أضحوا ذئاباً خاطفة يقودها الوالي إلى الظائر المسيحيّة الآمنة فتفتك بخرافها فتكاً مريعاً.

فانبرى ثاوذوتس يخدم أخوته المسيحيين في تلك الأيام العصيبة خدمة حقيقيّة جريئة. ولم يكتفِ الوالي بأن يحجز أموال من تصل إليه يده من المسيحيين ويميته أشنع الميتات، بل أراد أن يقضي عليهم جميعهم جوعاً. فظهر ثاوذوتس في الميدان وكان لديه كميّة وافرة من الحبوب والخمور. فأخذ المسيحيون يبتاعون لحاجاتهم من عنده بثمن أقل من المعتدل، واثقين به وبأمانته. وكان كثيراً ما يوزّع الحنطة مجّاناً على المحتاجين تحت ستار البيع والمتاجرة.

وتأكّد لدى ثاوذوتس أنّه لا بد للوالي أن يعرف ما يعمله ويلقي القبض عليه، فوطن النفس على الإستشهاد وأخذ يستعد له. لذلك لم يعد يهاب عين رقيب، أو يحسب حساباً لموت بعيد أو قريب. وعلم أن صديقه فكتور قد وقع بين يدي الحاكم. فركض إليه إلى السجن، وأخذ يشجّعه ويستنهض همّته ويوقد شعلة الإيمان في قلبه. فتقوّى فكتور ورفض ما عرضه عليه الحاكم من مال ووظائف وجاه. فأذيق مرّ العذاب. فكان كلّما شعر بعزائمه تتراخى يذكر كلام صديقه ثاوذوتس فتتشدّد قواه. أخيراً لمّا لم يعد يطيق إحتمال الآلام صرخ بالجلاّدين أن يتأنّوا عليه ريثما يعمل الفكرة من جديد في ما يفعله. فتركوه وأعادوه إلى سجنه. لكنّه ما لبث أن مات من جرّاء ما لقيه من العذاب.

وذهب ثاوذوتس إلى مدينة صغيرة تدعى مالو، قريبة من أنكرة. واتّفق حين وصوله أنّه وجد الأهلين على وشك أن يطرحوا ذخائر الشهيد والنسيوس في نهر الهاليس بعد أن  أماتوه حرقاً بالنار. فأنقذها وحملها ليدفنها في موضع لائق. وعاد ثاوذوتس إلى أنكرة.

وقبض الوالي على سبع بنات بتولات من المتعبّدات والمتقدّمات في السن. ولمّا لم يظفر باستمالتهنّ إلى عبادة الأوثان أسلمهنّ إلى الدعارة. لكن عروس العذارى الإلهي حفظ لهنّ بتوليتهنّ وألجم عنهم فجور الوثنيين الفاجرين.

فأمر الوالي أن تحمل تلك البنات السبع البتولات عاريات على عربات وراء الأصنام وأن يجري غسلهنّ أيضاً مع تماثيل الالاهتين وبذلك يصبحن مكرّسات لخدمتهنّ جبراً. فحملوهنّ عاريات مكشوفات وساروا بهنّ في الأسواق، والجماهير تنظر إليهنّ، وقد أطرقن إلى الأرض حياءً وخجلاً وكان المسيحيّون ينظرون بحسرة إلى تلك العادات السمجة الدنسة التي كان كهنة الأوثان يُغرون الشعب بها ليبقى ملتفّاً حولهم.

ولمّا وصلوا إلى البحيرة وشرعوا في حفلة الغسيل أبت عليهم تلك البتولات أن يمدّوا إليهنّ يداً ونفرن من لبس القمصان البيض، وهي شارة الكهنوت. وكان الوالي حاضراً، فاستشاط غضباً، وأمر بأن تربط تلك البتولات بحجارة ثقيلة ويغرقن في البحيرة. فانشدن نشيد الشكر والظفر للرب وغصن في المياه، وهكذا فزن بإكليل الإستشهاد السماوي وطرنَ إلى خدر العروس الإلهي لنعمن معه إلى الأبد.

وما كاد يصل خبر حمل تلك البتولات إلى النهر عاريات مكشوفات حتى طار أب ثاوذوتس خوفاً عليهنّ، وركض إلى البحيرة، مخاطراً بنفسه، ليكون لهنَّ عوناً وترساً عند الإقتضاء. لكنّه لمّا اخترق الصفوف ووصل إلى الماء، وعرف أن البنات فزن بإكليل الإستشهاد، سبّح الرب وعاد مبتهجاً يرقص طرباً.

وحاول المسيحيون أن يحصلوا على أجسام تلك البتولات الشهيدات القديسات فلم يقدروان لأن الجند لبثوا محافظين على أطراف البحيرة. فظهرت كبيرة البتولات في الحلم لثاوذوتس، وأسمها تاكوزا، وقالت له: كيف تتركني أنا وأخوتي طعمةً للأسماك، أنا التي ربّيتك منذ حداثة سنّك وكنت تجلّني كأعز الأمهات؟ أسرع وانتشلنا من البحيرة، واستعدّ أنت للجهاد، فأنّك مقبل عليه بعد يومين. فهبّ ذلك البطل لإنقاذ أجساد العذارى من المياه. فلمّا رأى ثاوذوتس ورفاقه المسيحيّون أن الجند لا يزالون قائمين على البحيرة قضوا في الصلاة يوماً كاملاً يتضرّعون إلى الرب ليأتي إلى معونتهم. ولمّا خيّم الليل تسلّح أولئك الأبطال بالسكاكين وقصدوا البحيرة لكي يقطعوا الحبال التي تربط أجساد البتولات بالحجارة ويأتوا بها. فأرسل الرب ملاكه لنصرتهم. فأخذت الأمطار تهطل مدراراً وخيّم على الدنيا ظلام حالك. ثم بدأ الرعد يقصف بصوته الرهيب وبروقه تنير للرفاق السبل. وظهر لهم بغتة نور ورجلان بلباس وضاء فالتفتا نحو ثاوذوتس وقالا له: تقوَّ يا ثاوذوتس ولا تخف، لقد كتب الرب يسوع أسمك بين أسماء الشهداء، وهو الذي أرسلنا لنستقبلك، وإسمنا "الأباء" فاذهب وعند البحيرة سيلقاك القديس سوزندرس واقفاً مسلّحاً، فهو يلقي الرعب في قلوب الجند وتجوزون. ولكن كان الأولى بك أن لا تستصحب معك رجلاً خائناً".
فانذهل ثاوذوتس لذلك الكلام وقال في نفسه: ومن ترى هذا الخائن؟ لكنّه تابع السير بنشاط مع بوخرونس وسائر الرفاق حتى أقبلوا على البحيرة. فظهر بغتة في ذلك الظلام الدامس رجل من أكمل الرجال، مدجّج بالسلاح، والنور ينبعث من جوانبه. فلمّا رآه الحرّاس هلعت قلوبهم خوفاً وفرّوا هاربين لا يلوون على شيء. حينئذٍ أقبل المسيحيّون نحو الماء وذلك البطل المسلّح يقودهم ويضيء لهم في طريقهم فعثروا على أجسام البتولات تتأرجح في الماء. فقطعوا الحبال وحملوها وعادوا بها آمنين فرحين، ودفنوها بإكرام.

ولمّا لاح الفجر سرى في المدينة خبر سرقة أجسام البتولات، فصار الجند يقبضون على كل رجل يشتبهون به أنّه مسيحي، ويجلدونه جلداً عنيفاً، للعثور على المذنب وعلى المكان الذي فيه دفنت الأجسام. فرقّ ثاوذوتس لأولئك الموقوفين المعذّبين وأراد أن يذهب إلى الشرطة ويبيح لهم بما فعله ويخلّص أخوانه. فمنعه المسيحيّون من ذلك.

فلمّا علم ثاوذوتس أن الجند يريدونه، تأكّد له أن ساعة جهاده الأخير قد دنت. فذهب من تلقاء نفسه واستسلم للوالي. فبدأ الوالي تاوكتينس يلاطفه  ويعده بالإكرام وبالوظائف، إن هو خضع لأوامر الملوك. أمّا ثاوذوتس فأخذ يجاهر بعظمة الديانة المسيحيّة.

فأمر به الوالي، فأخذ الجلاّدون يجلدونه بالسياط، ويمزّقون جسمه بأمشاط الحديد، ويكوون جروحه بمكاوٍ محمّاة، ويصبّون على أعضائه خلاًّ ليزيدوا في عذابه. ثم وضعوه على النار وجعلوا يشوونه كما تشوى الخراف المذبوحة. أمّا هو فلبث صافياً صابراً لا يعارض ولا يئن بل كان ينظر إلى السماء ويبتسم. وحدث للبطل الشهيد أن أدار قليلاً رأسه، فظن الوالي أن قد خارت عزائمه وأنّه يستسلم كما إستسلم  صديقه بولخرونس. فأسرع وقال له: أين جلادتك وشجاعتك؟ أمّا كان الأولى بك أن تطيعنا من قبل أن ينالك هذا العذاب؟ فأجاب الشهيد: "لقد أخطأ ظنّك. إذا كنت أشكو من شيء فإنّي أشكو من ضعف خدّامك ومن قلّة مروءتهم في تعذيبي. ألا تعرف آلات وطرقاً غير هذه تعذّبني بها؟ واعلم أن من كانت نعمة المسيح معه فهو فوق كل قوّة الدنيا.

فحرق الوالي بأسنانه غيظاً وأمر أن يُضرب على فمه بالحجارة: فقال الشهيد: ولو قطعت لساني، فالله يسمع لأصفيائه ولو كانوا ساكتين صامتين. وبعد تلك العذابات الوحشيّة أعادوا الشهيد إلى السجن.

وقضى ثاوذوتس خمسة أيام في السجن يصلّي ويتضرّع إلى الله، لكي لا يهمله في جهاده وفي إعترافه بإبنه الحبيب. ثم أخرجه الجند وأتوا به أمام الوالي، ومدّدوه من جديد وقاموا يجلدونه بالسياط، حتى تفتّحت جروحه مرّةً ثانيةً ونفرت منها الدماء كمن ينابيع فوّارة. ثم  طرحوه على كسر مسنّنة من الفخّار المحمّى على النار. أمّا الشهيد فبقي صامتاً متجلّداً. فنفذ صبر الوالي وأمر بقطع هامته ثم بإحراقه. فساقه الجند إلى مكان الإعدام.

فقطعوا هامته وأضرموا النار لكي يحرقوا جثّته. فشاهدوا أنواراً سماويّة وضّاءة تنبعث من كل أعضائه. فارتاعوا وأعلموا الوالي بذلك. فأمر أن يحرسوا الجثّة في مكانها. وبتدبير إلهي جاء في تلك الليلة كاهن مالو الأب فرُنتونس، ومعه حماره وخمر من عصير كرمه ومن شغل يديه. فمرّ بالجنود فعثر حماره ووقع. فساعده الجند على رفعه. ولمّا رأوا الخمر دعوا الكاهن ليبيت عندهم ولم يعرفوه. فقبل دعوتهم وبات عندهم وعلم بكل ما صار. فأخذ يدبّر حيلة ليسرق جثّة الشهيد ثاوذوتس ويذهب بها، فيدفن تلك الذخائر المقدّسة في المكان الذي كان الشهيد قد سبق وأشار إليه عنها. فسقى الجنود من خمره فسكروا وناموا. فقام إلى الجثّة ووضع الخاتم في أصبع يدها وحملها مع الرأس جميعاً على الحمار، وقاد  الحمار إلى خارج المدينة وتركه، فعاد من ذاته إلى مدينة مالو الصغيرة، سنة 303.

وهكذا حصلت تلك البلدة على ذخائر البطل القديس ثاوذوتس. وبنى له المؤمنون هناك كنيسة ووضعوا فيها بقاياه المقدّسة. وانتشرت عبادته في تلك الأصقاع.

 

نياحة البابا ميخائيل الاول 68  (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم من سنة 818 ش. (25 مايو سنة 1102 م.) تنيح الأب القديس البابا ميخائيل الثامن والستون من باباوات الكرازة المرقسية وقد كان عالمًا فاضلًا تأدب بكتب الكنيسة منذ صغره وحفظ أكثرها فاشتاقت نفسه الطاهرة إلى التعبد لله فخرج إلى البرية وترهب بدير القديس مقاريوس وبعد عدة سنين رسم قسا ثم خرج إلى ناحية سنجار وحبس نفسه في مغارة هناك أكثر من عشرين سنة وهو يجاهد جهادا عظيما حتى ذاعت فضائله فوقع عليه الاختيار للكرسي البطريركي فتولاه في 12 بابه سنة 809 ش. (9 أكتوبر سنة 1092) بعد أن أقر بالإيمان المستقيم وتعهد بافتقاد إكليروس الإسكندرية وكنائسها بنوع خاص وباجتناب السيمونية (هذه اللفظة اتخذوها من اسم سيمون الساحر الذي قال عنه كاتب سفر الأعمال أنه كان يريد أن يشتري مواهب الروح القدس بالفضة)

وإعادة ما كان اغتصبه البابا السابق عبد المسيح لذاته عن الكنائس (كنيسة المعلقة ومرقوريوس أبو سيفين والسيدة العذراء بحارة الروم والملاك ميخائيل بالجيزة ثم دير الشمع ودير الفخار)

وسار في البطريركية السيرة الصالحة العفيفة لم يقتن درهما ولا دينارا وما كان يحصل عليه من أموال الأديرة المقررة له كان يقتات منه باليسير والجزء الأكبر كان يصرفه في إطعام الفقراء والمساكين كما كان يقوم بسداد الضرائب عن العاجزين عن أدائها وقد جدد من ماله أوان وكتبا كثيرة للكنائس وكان مداوما علي وعظ الشعب وتعليمه ولما أكمل سعيه أسلم روحه بيد الرب الذي أحبه وكانت جملة حياته في البطريركية تسع سنين وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما. صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة القديس فورس الرسول أحد السبعين

في مثل هذا اليوم تنيح الرسول فورس أحد السبعين رسولاً وقد خدم هذا الرسول السيد المسيح مدة ثلاث سنوات وبعد صعوده خدم التلاميذ الأطهار وامتلأ من نعمة المعزي ثم خدم بولس وحمل رسائله إلى بلاد كثيرة وعلم الكثيرين من اليهود والأمم وعمدهم وجال في شرق البلاد وغربها ونالته شدائد وأحزان كثيرة ثم تنيح بسلام بركاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.