ثقافة ومجتمع
12 تشرين الأول 2016, 10:52

قصة اليوم: الطفل الباكي أنقذني

إعتدت في حياتي على نمط معيّن من العيش، فأنا رجل أعمال بنيت نفسي بنفسي وجمعت ثروتي بعرقي وتعبي، لم أخن مبادئي يوماً وأعطيت كل إنسان حقّه من دون غشّ أو خداع.يطلق عليّ أصدقائي لقب "الملحد" لبُعدي التّام عن كل ما يتعلّق بالإيمان والصلاة وهذا اللّقب بات مع مرور الوقت مألوفًا ولم يعد يزعجني، وصرت أعتبر الصلاة نوعًا من أنواع الهروب إلى الخيال المثالي غير المطابق لعالمنا الواقعي الذي نعيشه يوميًّا ولكن معتقداتي تبدّلت بعد أن عشت تجربة غيّرت مجرى حياتي:

 

ففي احد الأيام، استيقظت منزعجًا بعد أن راودني كابوس هزّ كياني فقد رأيت نفسي أمام طفل يبكي وكلّما حاولت أن أقدّم له لعبة كان يبكي أكثر فأكثر وكأنّه لا يطيق رؤيتي وعندما نظرت إلى وجهي في المرآة وجدته مشوّهًا.

كان من المفترض يومها أن أسافر إلى بلدة تبعد مسافة ساعة ونصف من أجل صفقة عمل، والمشكلة الوحيدة كانت برودة الطقس في ذاك الوقت فمن الممكن أن يكون الطريق خطرًا ولكن سفري كان ضروريًا لذا إنطلقت بسيارتي مسرعًا لأتمكن من العودة قبل حلول الظلام وعند منتصف الطريق بدأت أواجه الصعوبات، فقد تكوّنت طبقة سميكة من الجّليد على الأرض جعلت السيارة أكثر إنزلاقًا، وتوجّب عليّ أن أكون يقظاً ولكنني بنفس الوقت لم أخفّف من سرعتي.

بدأت أشعر بالتعب وراح الضباب يمنعني من الرؤية الواضحة وبدأت الأفكار والتساؤلات تراودني: هل أقف قليلاً؟ لا فالبلدة قريبة وعلي أن أتحمّل بعض الشيء. ولكن ماذا يحصل؟ لقد فقدت السيطرة على السيّارة إنّها تنزلق ولا أستطيع إيقافها. يا إلهي إمّا أن تصطدم السيارة بالصخر أو تقع في الوادي وفي كلتيّ الحالتين أنا ميّت ولا أمل لي بالنجاة، وكانت الصّخرة الكبيرة آخر ما رأيته وبعدها لم أشعر بشيء. عندما فتحت عينيّ، رأيت الطبيب يبتسم لي ودار بيننا الحوار التالي:

- أين أنا وكيف وصلت إلى هنا؟

- أنت في مستوصف بلدتنا المتواضع، صدمت سيارتك بصخرة كبيرة والحمد لله أن جرحك لم يكن عميقاً لكنّك نزفت كثيراً.

- من الذي رآني على الطريق؟

- إنّه شخص من البلدة وجدك على الطريق فعاد وأحضر بعض الشباب لمساعدته على نقلك إلى المستوصف.

- أريد أن أشكر ذلك الرجل فقد أنقذ حياتي.

- إنّه في الخارج، هل تسمح له بالدخول؟

- طبعاً أنا أتوق لرؤيته.

دخل حينها رجل وإمرأة تحمل طفلاً صغيراً فقلت للرجل:

- إذاً أنت من أنقذني، لا أعرف كيف سأشكرك؟

- لا تشكرني أنا يا سيّدي، بل أشكر من كان السبب في خروجي من البلدة في ذلك الوقت.

- من تقصد؟

- إنّه طفلي الصغير، كان يبكي كثيراً ولم نعرف أمّه وأنا السبب، وعندما عاينه الطبيب وصف لي دواء لم أجده في مستوصف بلدتنا فاضطرت للنزول إلى البلدة القريبة على الرغم من برودة الطقس. والغريب أنّني عندما أحضرت الدواء أخبرتني زوجتي بتحسّن الطفل وكأنّه كان يبكي من أجل إنقاذك فقط.

- ما أروع ذلك الطفل هل تسمح لي برؤيته؟

عندما حملت الطفل ونظرت إلى وجهه عرفته فوراً، هو من رأيته في الحلم، الطفل الذي لم يقبل منّي أي شيء ومن المؤكّد أنّه كان ينظر إلى قلبي المتحجّر والمتكبّر وكأنّه يقول لي آنذاك "لقد ربحت العالم كلّه وخسرت نفسك".

لم أتمالك نفسي وبدأت الدموع تنهمر من عينيّ بغزارة، لكنّ الطفل ردّ على دموعي بابتسامة بريئة هي الأثمن من كل ما جمعته من ثروة وأموال.