ثقافة ومجتمع
04 أيار 2016, 11:23

قصة اليوم : العَمْ أبسخيرون

على رصيف كورنيش سياحي في مدينة سيدني جلس ثلاثة من مواطني أستراليا الأصليين، يرتزقون بعزف الموسيقى البسيطة على مزمار، ويقدمون عروضاً شعبية من التراث .من بين العروض كانت هذه الفقرة التى إشتهروا بها، وضع الثبات، مكوّنين لوحة ثابتة، لا يطرفون العين ولا يرمشونها لفترات طويلة، ويغيّرون الوضع ببطء شديد غير ملحوظ وبحرفية عالية، فإن عدت إليهم بعد ساعة لا تلاحظ أي تغيير يُذكر.

 

أردت اختبار قوة ثباتهم، فتسلّلت خلفهم ولقط لي أحد الأصدقاء بعضاً من الصور معهم، ثم تظاهرت بأنني أستغل وضع الثبات الذي اتخذوه وأمسكت بزجاجة المياه الخاصة بأحدهم وكأنني سأقوم بسرقتها، ومضيت في طريقي فعلاً بضعة خطوات متباعداً ومنتظراً رد الفعل بأن يستوقفني أحدهم أو يحاول أن ينادي منبهاً بإيقافي، ولكن أحداً لم يفعل، كان هدفهم الثبات وعدم الحركة، فأعدت الزجاجة متعجباً .
يفعلون هذا من أجل لقمة العيش، أما عم "أبسخيرون" في كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بإحدى قرى مصر فكان يفعل من أجل شعوره الكامل بحضور الله .
لقد أصيب هذا القديس المعاصر بـ "خرّاج" أثر حقنة ملوثة، كان كهلاً مسناً، فلم يحتمل جسده الضعيف النحيل، إرتفعت درجة حرارته جداً، وارتعش جسده، ولكنه ظل أميناً لقانون صلواته لا يهملها أبداً .
حاول الأصدقاء من الكنيسة علاجه، وأحضروا الطبيب لفتح "الخرّاج" وتنظيفه، ولكنه كان كطفل صغير، يبكي مرتعباً من فكرة الجراحة، ويرفض بشدة. وهنا تنبه الكاهن إلى فكرة "هل تعلمون يا أحبائي أن عم أبسخيرون يحترم وقفة الصلاة جداً، فلو عضه ثعبان وهو يصلي فى الكنيسة، فلن يتحرك أبداً. هكذا قال الكاهن لمحبي الرجل، وفعلاً، أتوا بالطبيب ليلاً وتسلّلوا إلى الكنيسة وكان عم أبسخيرون ممسكاً بأجبيته مصلياً صلاة منتصف الليل، لم يتحرك ولم يلتفت إليهم، تقدموا، ورفعوا ثيابه القروية البسيطة وهو يصلي، ولم يهتز الرجل، بل استمر مردداً مزاميره وكأنه تمثال ثابت، إلا من دموع جرت على خديه غزيرة بعد أن شعر بالمؤامرة، وهكذا تمَّ فتح خراجه وتنظيفه .
تذكرت قصة عم أبسخيرون التى حكاها لي والدي، عن رجل كنا نسمعه يتكلم مع السيدة العذراء في صغرنا، وهو يخبز القربان، وتذكرته وأنا أرى الأستراليين في ألعابهم وعروضهم من أجل لقمة العيش، وقارنت بين احترامهم للقمة عيشهم، وبين ما نفعله نحن أثناء الصلاة، وبكيت على حالنا في الكنائس اليوم، وهل نشعر بوجود الله داخلها، فنحترم بيته ووجوده!!