ثقافة ومجتمع
08 شباط 2017, 08:00

قصة اليوم : المأمور والبقرة

من خلال عملي بالشرطة، ازداد إيماني بصدق الكتاب المقدّس "أن محبّة المال أصل لكل الشرور" رأيت أحداثاً كثيرة أليمة لا تُحصر ومعظمها بسبب محبّة المال الكثيرة. إنّما الذي تأكدت منه، أن جميع الباحثين عن المال قلّما يسعدون. من يخسر يحزن كثيراً، ومن يربح يسعد قليلاً ثم يحزن أيضاً لأنّه يطمع في المزيد وعن اقتناع تام، عشت راضياً بمرتّبي الضئيل. أجد سعادتي في تدبير الله لشؤوني، ورضائي في إحساسي أنّه يرعاني فلا أحتاج لأحد.

لم أكن أخشى بطش الرؤساء، أؤدّي واجبي، وأثق في حماية الله لي. لم أهتم كثيراً بما تردّد ذات يوم عن بطش نائب مدير الأمن الجديد، وأساليبه في الإيقاع بالمنحرفين. وذات ليلة كنت أطوف في منطقة حراستي، أقاوم البرد بالسير ذهاباً وإياباً. رأيت عن بعد رجلاً يسير في حذر ويقود بقرة. أن الليل قد انتصف، لم يكن موعد خروج الفلاحين إلى حقولهم. وتقدّمت منه وسألته عن سبب سيره في هذا الوقت المتأخّر من الليل؟ وتظاهر الخوف، وأخرج من ملابسه ورقة ماليّة وحاول أن يعطيها إليّ. تأكدت أنّه سارق للبقرة. طلبت منه في حزم أن يسير أمامي إلى قسم الشرطة وزاد ارتباكه. أخرج من جيبه ورقة ماليّة أخرى وراح يرجوني أن أتركه ولم أتردّد تراجعت للخلف وأشهرت سلاحي وهددته بالقتل وأمرته أن يسير أمامي إلى قسم الشرطة وسرت خلفه في حذر. وكلّما تلفت وراءه، يشاهدني وسلاحي نحوه فيواصل السير حتى بلغنا قسم الشرطة، أمسكت به في عنف وقدّمته للضابط. وبينما كنت أبلّغ بما حدث، رأيت الضابط يقف وينظر إلى الرجل في ذهول، ورأيت الرجل يقف أمامه ويبتسم والضابط يقدّم له مقعداً ليجلس، ويقول لي الضابط أنّه نائب مدير الأمن الجديد. وزادت دهشتي، وفسّر لي الضابط الموقف، بأنّه اعتاد أن يتنكّر ويتجوّل وسط الحراسات ليتأكّد بنفسه من سير أعمال رجال الأمن، وأنّه استعار هذه البقرة من أحد الأصدقاء ليمثّل دور الرجل المشبوه. بدأت أشعر بالخوف يتسلّل إلى قلبي رغماً عني. لقد هدّدت الرجل بالقتل، قبضت عليه، اتهمته بالسرقة، وقمت بمعاملته بقسوة وخشونة وزاد خوفي عندما طلب منّي الحضور في اليوم التالي إلى مكتبه. وأخذت أدعو الله أن تأتي النهاية سليمة. وجاءت النهاية فوق ما تخيّلته.

عندما دخلت إلى مكتب نائب مدير الأمن مع مأمور القسم، رأيت الرجل في صورته الحقيقيّة، وحوله بعض الضباط، توقّف أمام مكتبه، قال لي أنت رجل شريف، إنتظر منّي ترقية، ولك هذا المبلغ الذي رفضت أن تأخذه بالأمس. ووقفت أمامه مذهولاً. إلى أن انتهيت إلى صوت المأمور الواقف بجواري أن أتقدّم وأستلم منه المكافأة. وتقدّمت وصافحته وصافحت الضابط، وكان فعلاً خير مكافأة.