ثقافة ومجتمع
27 حزيران 2017, 10:52

قصّة اليوم: وأخيرًا هزمني الحبّ !

وُلِدْتُ في أُسرة فقيرة تشتهي الخبز الجاف! عددنا سبعة بنات وولد هو أنا، أذكُر يومًا أنّني رأيت أخواتي يبكين من الجوع، والبرد القاسيّ يأكل أجسادهن، ونظرت إلى أُمّي فرأيتها حزينة، حدث ذلك عندما كنت أجلس فى طرف الغرفة المُظلم ومشاعر الحقد على المجتمع تتملَّكني! وعندما تساءلت: "لماذا يتركنا الله نهلك جوعاً؟!"، قالت أُمي: "ربّنا يفرجها، ربّنا كبير"، فانفجرت غضبًا وقلت: "أين هو ربّنا؟!"، فقالت: "هو يرى كلّ شيء؟ فازددت غضبًا وقلت لها: "إذًا، لماذا يرانا نبكي ويقف صامتًا؟!".

 

ومنذ ذلك اليوم، قرّرت أن أعيش ملحدًا! والكون سيكون لي وحدي والجميع عبيدًا لي. وكانت هذه الفكرة هي بداية معركتي مع الحياة.
بدأت أعمل بكل قوَّتي ليزداد أجري، وقرَّرت ألاَّ يكون لي صديقًا، فلا يوجد أنسان سيشعر بي وبما عانيته، ولا حتَّى الله، فتاجرت فى محل صغير للأدوات الكهربائيّة، وكبُر المحل واتَّسعت تجارتي، وجعلت أبي يتوقّف عن العمل وافترشت الإبتسامة شفتي أُمّي، وظهرت أخواتي كالأميرات في ملابسهنّ الجديدة.. وكان المال هو سندي الوحيد في الحياة.
اتَّسع العمل أكثر وشهد الجميع لذكائي، وتقدّم الكثير طالبين مساعدتي، سواء في العمل أو طلب الزواج من أخواتي البنات، ورفضت الجميع فلا يوجد أحد يستحق الانتفاع من أعمالي ولا الإقتران بإحدى أخواتي، والأهم أن أكون أنا صاحب القرار في كلّ شيء، حتَّى أخواتي اخترت لهنّ أزواج من عمَّالي لأجعلهنّ صاحبات القرار فى بيوتهنّ، وقد كان! وعشن أميرات في بيوتهنّ وأزواجهنّ عبيدًا لهنّ!
وجاء دوري لأتزوّج فاخترت "أنجيلا" ابنة تاجر كبير أتعامل معه، رأيتها في بيت أبيها وأعجبني هدوءها وجمالها.. فتزوَّجتها ولكنّني عاملتها كالعبدة أو الأسيرة، فكنت أُهينها وأسبَّها لأتفه الأسباب، وكثيرًا ما ضربتها بقسوة، ولكنَّها كانت حكيمة فلم تترك البيت يومًا، ولم تشتكِ لأبيها، ولم تهني، فقط كانت تنظر إليَّ نظرة غريبة ممتزجة بمشاعر لم أجد لها تفسيرًا، وعندما كنت أُفكّر في سرّ احتمالها وعدم معاملتي بالمثل، لم أعثر على ردّ مقنع، ولكنّني وصلت إلى شيء واحد: هذه الإنسانة مختلفة!
سنوات مضت.. وأنا لم أُنجب، فشعرت أنَّ شيئًا ما يحدُث ضدّ رغبتي، فلمَّا تساءلت: لماذا؟ عرفت الإجابة: حضرتك لا تستطيع الإنجاب، ولكن الأمل موجود، فسافرت كثيرًا ودفعت الكثير، المهم أن أكسب التحدّي، ووسط كلّ هذا وجدت زوجتي كعادتها هادئة، وكنت أراها كثيرًا وهي واقفة مغمضة العينين وغارقة في الصلوات، ولكنّني لم أهتم.
 لقد مرّت عليَّ سنوات كنت أشعر فيها بأنَّني الأقوى، ولكنِّي بدأت أشعر بضعف واحتياج إلى صديق يُساندني ويقول لي: "لا تقلق!"، وطال البحث لدرجة فشعرت بأني هُزمت في هذه الجولة! وهنا رفعت رأسي كما لو كنت أتحدّى الله وقلت: "ها أنت كسبت هذه الجولة ولكن لا تنسى أنّني فزت من قبل ونحن الآن متعادلان!".
في يوم، قالت لي زوجتي: "لديَّ مفاجأة لك، هيا بنا"، فخرجت معها وذهبنا إلى ملجأ أيتام قريب من بيتنا وهناك رأيت ما يعجز لساني عن وصفه! لقد انطلق الأطفال نحو زوجتي وصافحوها مبتسمين وهم يقولون: "اشتقنا إليك ماما.. ماذا جلبت لنا معك؟"، وفي ثوانٍ معدودة وجدت كلّ الأطفال محيطين بنا في شكل دائرة ووجدت زوجتي تقول لهم: "أُقدّم لكم عمو، زوجي الَّذي كان يُرسل لكم الهدايا. وأنا أعرف أنّكم كنتم تريدون رؤيته"، فسمعت تصفيقًا حادًا ورأيت الجميع يتركون زوجتي ويتَّجهون نحوي، وبصوتهم الملائكيّ كانوا يشكرونني قائلين: "شكرًا جزيلًا عمّو.. إنّنا نحبك كثيرًا.. وكنَّا بانتظارك من زمان.. أنت طيب وقلبك كبير!".
اهتزّت الأرض تحت قدميَّ، وتاهت ملامح الوجوه الملتفّة حولي، وتداخلت الأصوات في أُذنيَّ، ولم أشعر بنفسي إلاَّ وأنا سائر في الشارع ممسكًا بيد أنجيلا، ناظرًا إلى سحابة صغيرة تظهر بين أسطح بعض المنازل في نهاية شارع طويل نسير فيه، وشيء كالقشور يتساقط من عينيَّ سائلاً زوجتي بصوت منخفض: "كلّميني عن الله وعنك!".

أعرفتم قيمة الحب؟ أعتقد أنَّ الحياة لا يمكن أن تُعاش بدون حُبّ، ولو نظرنا إلى كلّ المشاكل لوجدنا أنَّ سببها نقص في الحبّ، ولهذا قال بولس الرسول: "ولو فرّقتُ جميع أموالي لإطعام المساكين، ولو أسلمتُ جسدي ليُحرق، ولم تكن لي المحبّة، فما يُجديني ذلك نفعًا" (1قور 13: 3)