لبنان
28 تشرين الأول 2025, 12:15

كاريتاس رفعت الشّكر في مار نقولا- صيدا مع المطرانين الحدّاد والعمّار

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت رابطة "كاريتاس لبنان" إقليم صيدا- الزّهراني- النّبطيّة بقدّاس الشّكر السّنويّ، في كاتدرائيّة مار نقولا للرّوم الكاثوليك- صيدا، برعاية المطرانين إيلي الحدّاد ومارون العمّار وحضورهما، عاونهما رئيس رابطة كاريتاس الأب ميشال عبّود، منسّق جهاز الأقاليم الأب رولان مراد، وعضو مجلس الإدارة الأب سمير غاوي، ولفيف من الكهنة والرّهبان، بحضور عدد من الفعاليّات.

بعد القدّاس، أضاء النّائب القضائيّ في صيدا للرّوم الكاثوليك ومرشد "كاريتاس" الأب وليد الدّيك، في كلمته، على رسالة كاريتاس وأهدافها في خدمة الإنسان بدون تفرقة وتعزيز كرامته بروح الانفتاح والتّعاون مع جميع المؤسّسات والهيئات المحلّيّة والدّوليّة، "إيمانًا بأنّ التّنمية الحقيقيّة تبدأ من الإنسان ولأجل الإنسان".

ثمّ ألقى المطران حدّاد كلمة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "باسم سيادة المطران مارون عمّار واسمي الشّخصيّ أرحّب بكم يا خدّام المحبّة، خدّام كاريتاس لبنان وكاريتاس إقليم صيدا والزّهراني. أحيّي قدس الأب ميشال عبّود رئيس المؤسّسة وجميع معاونيه كذلك رئيس وأعضاء إقليم صيدا. أشكر جهودكم في سبيل الإنسان وسبيل الإيمان".

أضاف: "كاريتاس، إنّها أكثر من مؤسّسة إنّها شهادة إيمان. فمن تعاطى المحبّة وتكنّى بها أمسى شاهد المحبّة وشاهد الإيمان. "أنظروا كيف يحبّون بعضهم بعضًا". هذا شعار المسيحيّين الأوائل. وبهذا الشّعار غلبت المحبّة العالم. لولا المحبّة لما انتشرت المسيحيّة وبلغت إلينا. وبالمقابل كلّ مرّة تخفّ المحبّة يضعف الإيمان. لأنّ الإيمان إنّما هو بالأفعال لا بالكلام. لقد تأسّست كاريتاس على قاعدة الشّعور مع الآخر الّذي نعرفه وبالأكثر الّذي قد لا نعرفه. لذا فهي رسالة مسيحيّة وإنسانيّة معًا. وتتخطّى الفئويّات جميعها. ونشهد بأنّ ما تقوم به كاريتاس من خلال الخدمات الّتي تؤمّنها في دار هذه المطرانيّة، أنّ المستفيدين من الطّبابة والدّواء هم بأكثرهم من طوائف غير مسيحيّة ومن جنسيّاتٍ لبنانيّة وسواها. هذه هي الشّهادة المسيحيّة الحقّة. فالمسيح تجسّد لكلّ إنسان وافتدى كلّ إنسان.

أودّ أن أشكر كاريتاس لبنان بشخص رئيسها الأب ميشال عبّود مع فريق العمل المرافق. لقد حقّقتم رسالة الكنيسة على لسان بولس "صرت كلًّا للكلّ لأربح الكلّ". تجولون في ربوع الوطن مرورًا بصيدا لتشملوا بمحبّتكم كلّ محتاج دون النّظر إلى دينه ولونه وانتمائه. هذه هي الكنيسة ذات الرّسالة المسيحيّة أيّ الإنسانيّة ولكلّ إنسان.كما أشكر أيضًا كاريتاس صيدا والزّهراني بشخص رئيسها السّيّد إيلي خطّار وفريق العمل الحاضر بيننا، أشكركم لعملكم الدّؤوب في تأمين الخدمات الممكنة لأبنائنا في صيدا والمناطق. وأكثر ما يلفتني بهذا المجلس تلك الدّيناميكيّة الباحثة باستمرارٍ عن تحسين وضع النّاس ووضع الإقليم. وقد قاموا بنشاطاتٍ عديدة لتحقيق هذا الغرض. فالله يجازيكم خيرًا ويكثّر مواهبكم في خدمة الفقراء. أكانت كاريتاس لبنان أمّ كاريتاس صيدا الزّهراني فأنتم في خطّ تعليم الكنيسة "من سقى أحد إخوتي هؤلاء الصّغار كأس ماءٍ بارد فإيّاي قد سقى".

وقال: "إنّه خطاب الكنيسة اليوميّ وإرشاداتها المتتالية من جيلٍ إلى جيل. لقد أهدانا الله بابًا جديدًا هو لاون الرّابع عشر ليكمل ما بدأه سلفه البابا لاون الثّالث عشر منذ حوالي قرن، حول الوثيقة التّاريخيّة "الأشياء الجديدة"Rerumnovarum.  وها هو البابا الجديد يكتب لنا بوثيقة إرشاديّة جديدة في التّاسع من هذا الشّهر تشرين الأوّل، خصّص معظمها الحديث عن الفقراء بعنوان "أحببتكَ". يدعونا البابا لاون إلى تغيير في العقليّة تجاه المهمّشين، منتقدًا انعدام العدالة في النّظام الاقتصاديّ العالميّ و"ثقافة رفض الآخرين". يتوافق هذا النّصّ مع نصّ سلفه البابا فرنسيس وقد بدأ هذا الإرشاد الرّسوليّ وأسماه "أحببتُكم"، وكلا النّصّين يعودان إلى سفر الرّؤيا الفصل 3، الآية 9 والّتي يتوجّه بها يوحنّا إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا قائلًا: "ها قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا ما من أحد يستطيع أن يغلقه، لأنّك على قلّة قوّتك حفظتَ كلمتي ولم تنكر اسمي. ها إنّي أجعل الأمم يسجدون أمامك ويعترفون أنّي أحببتكَ". هذا ما يقوله الرّبّ لكلّ جماعة مسيحيّة، على عكس غيرها، ليست لها أهمّيّة ولا موارد، وهي معرّضة للعنف والازدراء: "وإن كانت قوّتهم ضئيلة (...) سأجبرهم على المجيء وأن يسجدوا عند قدميكِ". يُذكّر هذا النّصّ بكلمات نشيد مريم: "حطّ المقتدرين عن عروشهم، ورفع المتواضعين. أشبع الجياع خيرًا، وصرف الأغنياء فارغين" (لوقا ١: ٥٢-٥٣).

هذا النّصّ هو إعلان قوّة المحبّة. السّرّ الّذي لا ينضب الّذي استكشفه البابا فرنسيس في رسالته العامّة "ديليكسيت نوس" حول محبّة قلب المسيح الإلهيّة والبشريّة. هنا نُعجب بالطّريقة الّتي عرّف بها يسوع نفسه "بأقلّ النّاس في المجتمع" خاصّة على الصّليب، وكيف كشف، من خلال محبّته المبذولة حتّى النّهاية، عن كرامة جميع البشر، لاسيّما عندما يكونون "أضعفهم وأكثرهم بؤسًا وأكثرهم معاناة". إنّ التّأمّل في محبّة المسيح "يساعدنا على أن نكون أكثر انتباهًا لمعاناة الآخرين واحتياجاتهم، ويجعلنا أقوياء بما يكفي للمشاركة في عمله التّحريريّ كأدوات لنشر محبّته."ما يريد البابا فرنسيس والبابا لاون قوله هو هذا: أيّتها الجماعات والمؤسّسات المسيحيّة لا تخافي وإن كانت قوّتك قليلة، وقدرتك قليلة، لكنّي أحببتكم. إنّكم أقوياء بقدر ما تتقرّبون من الفقراء. هناك صلة وثيقة بين محبّة المسيح ودعوته لتقريبنا من الفقراء. بل في هذه الدّعوة إلى التّعرّف عليه في الفقراء والمتألّمين، ينكشف قلب المسيح نفسه، ومشاعره وخياراته الأعمق، الّتي يسعى كلّ قدّيس إلى التزامها. أنظروا إلى حياة القدّيسين كلّهم بدأوا رحلتهم مع الفقراء ومجّدهم الله بين الفقراء. من مطبّات العمل مع الفقراء تقول الأمّ تريزيا دي كالكوتا أن نبقى أغنياء متعلّقين بالمال بينما نعطيهم الجزء اليسير منه. أمّا القداسة فهي الرّغبة في تغيير وجه العالم وجعله متساويًا بين فقير وغنيّ. أيّ أن أصبح مثل الفقراء لأفهم الفقراء. وأودّ أن أشهد عمّا لمسته من أدائكم أنّكم تتابعون العطيّة بكلّ إحساسٍ مرهف لعدم أذيّة المحتاجين معنويًّا وتعاودون الاتّصال به لتقفوا على رأيه وتكادون تشكرونه لأنّه قبل العطية. جميل هذا الأداء.أدعوكم يا أحبّة أنتم الّذين عاهدتم الكنيسة بالعمل مع الفقير ولأجله أن تبقوا على هذه السّجيّة وتبتعدوا عن الرّوح المؤسّساتيّة في عملكم. فالمؤسّسة لا تشهد. الشّخص يشهد. المؤسّسة لا تمارس المحبّة بل الاشخاص هم من يحبّون. لتكن كاريتاس مجموعة أفرادٍ شهودٍ على المحبّة. فقلبنا هو الشّاهد لا مالنا وغنانا. كاريتاس هي مكان للتّوبة قبل أن تكون مؤسّسة في الإدارة. وبهذا التّوجّه لدينا الكثير من العمل وبالرّغم من التّقدّم في عمل المحبّة يبقى الطّريق مفتوحًا على المزيد. المحبّة لا تنضب لا تشبع. إنّها نارٌ آكلة".

إختتم: "أخيرًا اشكركم لاختياركم بيتنا وكنيستنا لإحياء هذه المناسبة. وأشكركم بالأكثر لأنّكم جعلتمونا نتأمّل برسالة الفقر في الكنيسة ونحاسب ذواتنا كلّ مرّة لم نكن فقراء ولم نسع للتّقرّب ممّن حرمتهم الأيّام أن يأكلوا ويلبسوا ويرتاحوا كما نأكل ونلبس ونرتاح نحن. وجودكم برهة صلاة وتوبة فشكرًا لحضوركم الغنيّ هذا. ألا جازاكم الله كلّ مرّة تشهدون فيها أنّ المسيح هو المحبّة".

ثمّ كانت كلمة للأب عبّود شكر فيها باسم مجلس الإدارة والمسؤولين المطرانين إيلي الحدّاد ومارون العمّار على رعاية هذا القدّاس وعلى دعمهما ووقوفهما بجانب الإقليم، كما شكر رئيس الإقليم السّيّد إيلي خطّار وهيئة المكتب على صمودهم وتضحياتهم تجاه المحتاجين في المنظقة. وشكر الأب عبّود القسم الصّحّيّ، قسم اللّاجئين في صيدا على تقديم الخدمات في المنطقة، وقال:" العمل الاجتماعيّ بحاجة إلى شغف وإرادة وقدرة، وهذا ما يميّز العاملين في كاريتاس، فبالرّغم من التّحدّيات الدّاخليّة والخارجيّة على كلّ مستوياتها ما زالوا مستمرّين برسالتهم، وما يدفعنا إلى المضيّ في العمل الاجتماعيّ ليس فقط صرخة الفقراء المحتاجين بل كرم المانحين، العمل من أجل الخير يخلق السّعادة في قلب الإنسان".

وإختتم: "إرادتنا أن نعمل، وهدفنا هو السّماء، فلنكمل معًا هذه المسيرة، يدًا بيد، من أجل الإنسان ومن أجل الله."

وفي الختام، شكر رئيس الإقليم الدّكتور إيلي خطّار المطارنة وإدارة كاريتاس لبنان وعلى رأسها الأب ميشال عبّود، وفريق العمل في الإقليم، وجميع الأجهزة الاجتماعيّة والطّبّيّة والمستوصفات التّابعة لكاريتاس، على جهودهم اليوميّة في خدمة الإنسان بكرامة ومحبّة. كما شكرالشّبيبة "الجنديّ الخفيّ الّذي يعمل بصمت، لكنّه يحمل في قلبه فرح العطاء وروح الإنجيل الحيّ".

وقدّم في الختام درعًا تقديريًّا للأب عبّود لدوره في إدارة "كاريتاس" وقيادتها على صعيد لبنان.