لبنان
08 حزيران 2020, 09:30

كاهن جديد في أبرشيّة طرابلس المارونيّة

تيلي لوميار/ نورسات
بوضع يد راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران جورج بو جودة، سيم الشّمّاس جوزاف بركات كاهنًا على مذابح الأبرشيّة، في قدّاس ترأّسه بو جودة في كنيسة مار أنطونيوس الكبير- رشعين، عاونه فيه النّائب العامّ الخوراسقف أنطوان مخائيل، والخوري سيمون جبرائيل، والخوري بطرس إسحاق وخادم الكنيسة الخوري مارون الخالد، بحضور لفيف من كهنة الأبرشيّة والأهل والأصدقاء.

وألقى بو جودة عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "يطيب لي وأنا أرقّيك اليوم بوضع اليد إلى الدّرجة الكهنوتيّة أن أتأمّل معك بأهمّيّة هذا السّرّ وهذه الرّسالة الّتي اختارك الرّبّ للقيام بها، فهو الّذي قد إختارك ولست أنت من اخترته. لقد اختارك لتكون خادمًا له في شعبه وكنيسته في ظروف وأوضاع يعيشها المجتمع البشريّ ويعيشها مجتمعنا اللّبنانيّ وليست ظروفًا سهلة، ولا يمكنك القيام بها إلّا إذا وضعت نفسك كلّيًّا تحت إلهامات الرّوح الّذي سوف يوجّهك ويرشدك ويكون رفيقًا لك إذا ما بقيت منفتحًا على إلهاماته، فلا تبني حياتك الكهنوتيّة على معطيات بشريّة، بل تقتدي بذلك الّذي أعلنته الكنيسة شفيعًا لكهنة خدمة الرّعايا أوّلاً، ثمّ لجميع الكهنة، القدّيس جان ماري فيانيه خوري آرس، نظرًا لما تميّزت به حياته الكهنوتيّة من عمق روحيّ وقداسة جعلته، بالرّغم من محدوديّته على الصّعيد العلميّ، يصبح مرشدًا للكثيرين من المكرّسين والعلمانيّين على حدّ سواء، وبصورة خاصّة لعدد كبير من الكهنة والأساقفة.

الكاهن هو رجل يحلّ محلّ الله وينوب عنه، فإذا كان عندنا إيمان حقيقيّ فإنّنا نرى الله مختبئًا في الكاهن كما يختبئ النّور خلف البلّور، فسّر الكهنوت يرفع الكاهن إلى الله. الله هو الّذي يضع الكاهن على الأرض كوسيط بينه وبين الخاطئ. آه كم أنّ الكاهن أمر عظيم! لو فهم ذلك لمات! فالله بذاته يطيعه. إذ بكلمتين يتلفّظ بهما، ينزل الله من السّماء إلى الأرض، ويأسر نفسه في برشانة صغيرة. دور الكاهن دور مهمّ للغاية. فلو لم يكن عندنا سرّ الكهنوت، لما كان عندنا السّيّد المسيح. فمن يا ترى وضعه في بيت القربان؟ إنّه الكاهن. من استقبلنا عند دخولنا الحياة؟ إنّه الكاهن. من يغذّي حياتنا ليعطيها القوّة للقيام بحجّها على هذه الأرض؟ إنّه الكاهن. من يحضّر أنفسنا لنمثّل أمام الله، بغسلها للمرّة الأخيرة بدم المسيح لتطهيرها؟ إنّه الكاهن. الكاهن! دائمًا الكاهن. وإذا ماتت النّفس فمن يقيمها من بين الأموات ويعيد إليها الهدوء والسّلام؟ إنّه الكاهن! دائمًا الكاهن. هذه هي بعض المهمّات والمسؤوليّات الّتي سوف تلقى على عاتقك يا جوزاف، نختصرها بثلاث هي: التّعليم والتّدبير والتّقديس.

الكاهن هو أوّلاً معلّم أو نبيّ يضع الله كلامه على لسانه ويقول له ما قاله لإرميا: أعطيتك اليوم سلطة على الأمم وعلى الممالك لتقلع وتهدم ولتنقضّ وتبني وتغرس. فلا تخف من مواجهة أحد، فأنا معك لأنقذك فعليك أن تقوم بهذه المسؤوليّة منفّذًا ما قاله بولس الرّسول لتلميذه تيموتاوس: أناشدك أمام الله والمسيح يسوع الّذي سيدين الأحياء والأموات عند ظهوره ومجيء ملكوته: أن تبشّر بكلام الله وتلحّ في إعلانه بوقته وبغير وقته، وأن توبّخ وتنذر وتعظ صابرًا كلّ الصّبر في التّعليم، فسيجيء وقت لا يحتمل فيه النّاس التّعليم الصّحيح، بل يتبعون أهواءهم ويتّخذون معلّمين يكلّمونهم بما يطرب آذانهم منصرفين عن سماع الحقّ إلى سماع الخرافات، فكن أنت متيقّظًا في كلّ الأحوال، واشترك في الآلام واعمل عمل المبشّر وقم بخدمتك خير قيام (2تيمو4/1-5).

والكاهن هو ثانيًا قائد ومدبّر وراع، عليه أن يتشبّه بالمسيح الرّاعي الصّالح الّذي يقول: أنا الرّاعي الصّالح، والرّاعي الصّالح يضحّي بحياته في سبيل الخراف. أعرف خرافي وخرافي تعرفني، مثلما يعرفني الآب وأعرف أنا الآب وأضحّي بحياتي في سبيل خرافي.

وعلى الكاهن أن لا يتصرّف كالأجير الّذي إذا رأى الذّئب هاجمًا، ترك الخراف وهرب، فيخطف الذّئب الخراف ويبدّدها، وهو يهرب لأنّه أجير لا تهمّه الخراف (يو10/11-15).

إنّنا نعيش اليوم في عالم المتغيّرات السّريعة، في عالم الاختراعات والاكتشافات، عالم التّقنيّة والمعلومات الّتي تغري الإنسان وتجعله يعتقد أنّه أصبح سيّد الكون وأركونه، وأنّه بإمكانه الاستغناء عن الخالق وعن المخلّص وعن متطلّبات الإيمان. فجعل من نفسه إلهًا لنفسه وإلهًا على الكون. فلكي يحقّق ذاته عليه كما يقول الفيلسوف الألمانيّ نيتشه أن يقتل الله، لأنّ الله كما يقول فيلسوف آخر، هو كيرغارد، لا وجود له، لأنّه سراب، وليس هو من خلق الإنسان، بل الإنسان هو من خلق الله. ولذلك أصبح الإنسان يسنّ الشّرائع والقوانين الّتي يريد، حتّى ولو كانت تتناقض جذريًّا وجوهريًّا مع قوانين الطّبيعة وتعاليم المسيح والكنيسة، من مثل تشريع الإجهاض وقتل الأجنّة في الأحشاء، وزواج مثليّي الجنس والتّساكن الحرّ والقتل الرّحيم.

الكاهن هو ثالثًا رجل التّقديس والصّلاة، طعم بالمعموديّة على جسد المسيح وأصبح عضوًا فاعلاً فيه بسرّ التّثبيت. فصار بإمكانه أن يقول ما قاله بولس الرّسول بعد اهتدائه وتعرّفه على المسيح: حياتي هي المسيح، فمنذ الآن لست أنا الّذي أحيا بل هو المسيح الّذي يحيا فيّ. الكاهن هو الّذي يتمّم ويكمل عمل المسيح الخلاصيّ على الأرض، إنّه يجسّد محبّة قلب يسوع. فإذا أراد أعداء الكنيسة والدّين أن يخرّبوها، فإنّهم يبدأون بالكهنة، وكما قال خوري آرس أيضًا إنّ أيّ رعيّة تبقى عشرين سنة بدون كاهن فإنّ أهلها سوف يعبدون الحيوان. لذا فعلينا نحن أن نغذّي حياتنا بالصّلاة وأن نكون قدّيسين. فإنّ ما يعيقنا في عملنا ورسالتنا نحن الكهنة عن أن نكون قدّيسين هو النّقص في حياتنا الرّوحيّة، وعدم قراءتنا للكتب المقدّسة والكتب الرّوحيّة، وعدم التّأمّل والتّفكير والصّلاة والاتّحاد بالله. فإنّنا مرّات كثيرة نفكّر أكثر بحياتنا المادّيّة وننسى حياتنا الرّوحيّة. فكم نكون تعساء، إذا كانت بيوتنا مفروشة على أكمل وجه وأجمل طراز ومزيّنة أجمل تزيين، بينما تبقى كنيستنا وقلوبنا عارية وفقيرة. هذه الكلمات من شفيع الكهنة القدّيس يوحنّا ماري فيانيه، خوري آرس، وهذه المسؤوليّات الثّلاث التّعليميّة والتّدبيريّة والتّقديسيّة تشكّل أفضل برنامج عمل وبرنامج حياة لك يا جوزاف في بداية حياتك الكهنوتيّة، وقد اختارك الرّبّ لتكون خادمه، فتعمل ما يتمنّاه قداسة البابا فرنسيس على الغوص أكثر في قلب الإنجيل وتهتمّ بالفقراء، هم المفضّلون لدى الرّحمة الإلهيّة.

تتمّ سيامتك بظروف قاسية يعيشها لبنان على الصّعيدين الصّحّيّ والاجتماعيّ، فالإحصاءات تقول بأنّ عدد الفقراء والمحتاجين يزداد كلّ يوم، فأصبحت نسبة الّذين يعيشون تحت درجة الفقر تتعدّى الخمسين في المئة وأصبح عدد كبير من المواطنين يتضوّرون جوعًا بينما المسؤولون عندنا كأنّهم لا يفهمون ذلك، فبدلاً من أن يعملوا على معالجة هذا الوضع ما زالوا يتصارعون للحصول على المراكز الدّسمة في الوظائف الرّسميّة لكي يملأوا جيوبهم وبطونهم، بينما يبقى الشّعب متروكًا وكلّ التّحرّكات الّتي يقوم بها مطالبًا بحقوقه كأنّهم لا يرونها ولا يشعرون بها.

أمّا على الصّعيد الصّحّيّ فالعالم بأسره يعيش وضعًا شديد الخطورة، ففيروس كورونا القاتل قد تحدّى ويتحدّى كلّ المجتمع البشريّ وقد أركع العالم والعلماء والباحثين الّذين اعتقدوا أنّ باستطاعتهم السّيطرة على العالم وقد جعلوا أنفسهم سادة له، فإذا بهم يقدّمون له الضّحايا الّتي لا تعدّ ولا تحصى. وقد يكونون هم الّذين أوجدوه في مختبراتهم ليجعلوا منه سلاحًا قاتلاً يفوق بخطورته السّلاح النّوويّ، بل إنّه يهدم الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. وبإمكاننا استعمال المثل الشّعبيّ القائل: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فإنّ الدّول العظمى الّتي عملت في مختبراتها على اختراع هذا الفيروس كانت ضحّيته الأولى، بينما كانت الشّعوب الأخرى، الفقيرة والبائسة نتيجته الثّانويّة. لذلك فإنّ من واجبنا العمل، بخدمتنا الكهنوتيّة، لتذكير الإنسان بحقيقته الأساسيّة ليسعى لاستعمال العلم والثّقافة لخدمته لا لتدمير ذاته. وليتذكّر أنّ هنالك قوّة تفوق قوّته بكثير، وهي الّتي أعطته كلّ الإمكانات الّتي وصل إليها، هي قوّة الله الخالق الّتي لا قوّة تفوق قوته، ولو كنّا لا نراها مادّيًّا بل هي الّتي في النّهاية تسيّر هذا الكون.

بإسمي وبإسم إخوتك الكهنة في الأبرشيّة وبإسم هذا الجمع المشارك معنا في الصّلاة، أتقدّم منك ومن والديك وأشقّائك وشقيقاتك ومن جميع أبناء رعيّتك في بيت بلعيس وفي كفرزينا بأصدق التّمنّيات والتّهاني، طالبًا لك من الرّبّ التّوفيق والنّجاح في حياتك الكهنوتيّة والرّسوليّة، في هذه المنطقة من لبنان حيث يبقى للكنيسة دور هامّ في الشّهادة لإسم المسيح وحمل رسالته إلى الآخرين".