الفاتيكان
20 تشرين الثاني 2025, 12:15

كتاب جديد للبابا!

تيلي لوميار/ نورسات
"قوّة الإنجيل: الإيمان المسيحيّ في عشر كلمات"، هو الكتاب الجديد للبابا لاون الرّابع عشر، تحرير لورينزو فازيني، إصدار دار النّشر التّابعة للكرسيّ الرّسوليّ (LEV)،

يضمّ الكتاب مجموعة مختارة من نصوص البابا (حصرًا النّصوص الصّادرة في حبريّته) بالإضافة إلى نصّ لم ينشر من قبل، وهو المُقدّمة.

كتب البابا، بحسب "فاتيكان نيوز": "عشر كلمات. قد لا تكون العشر كلمات كثيرة، ولكنّها كفيلة بأن تفتح حوارًا حول غنى الحياة المسيحيّة. ولبدء هذا الحوار، أودّ أن أختار ثلاثًا من هذه الكلمات العشر، لتكون منطلقًا لحوار متخيّل مع كلّ من سيقرأ هذه الصّفحات: المسيح، الشّركة، السّلام. قد تبدو هذه المفردات للوهلة الأولى غير مترابطة أو غير متسلسلة، لكن الأمر ليس كذلك. إنّها تتشابك في علاقة أودّ أن أتعمّق فيها معكم، أيّها القرّاء الأعزّاء، لكي ندرك معًا حداثتها وأهمّيّتها.

أوّلًا: محوريّة المسيح. كلّ مُعمّد قد نال عطيّة اللّقاء بالمسيح. قد وصل إليه نوره ونعمته. والإيمان هو تحديدًا هذا: ليس الجهد الجبّار للوصول إلى إله فوق الطّبيعة، بل هو قبول يسوع في حياتنا، واكتشاف أنّ وجه الله ليس بعيدًا عن قلوبنا. إنَّ الرّبّ ليس كائنًا سحريًّا ولا سرًّا لا يمكن معرفته، ولكنّه قد اقترب منّا في يسوع، في ذلك الإنسان الّذي ولد في بيت لحم، ومات في أورشليم، وقام من الموت وهو حيّ اليوم! وسرّ المسيحيّة هو أنّ هذا الإله يرغب في الاتّحاد بنا، وأن يقترب منّا، ويصبح صديقًا لنا. وهكذا نصبح نحن هو.

يكتب القدّيس أوغسطينوس: "هل تعقلون، أيّها الإخوة؟ هل تدركون النّعمة الّتي أفاضها الله علينا؟ تعجّبوا، افرحوا: لقد صرنا المسيح! إذا كان المسيح هو الرّأس ونحن الأعضاء، فإنّ الإنسان الكامل هو هو ونحن". إنَّ الإيمان المسيحيّ هو مشاركة في الحياة الإلهيّة عبر اختبار إنسانيّة يسوع. فيه، لم يعد الله مفهومًا أو لغزًا، بل أصبح شخصًا قريبًا منّا. لقد اختبر أوغسطينوس كلّ ذلك في ارتداده، ولَمَس لمس اليد قوّة الصّداقة مع المسيح الّتي غيّرت حياته جذريًّا: "أين كنتَ عندما كنت أبحث عنك؟ لقد كنتَ أمامي، لكنّي كنت قد ابتعدت عن نفسي ولم أجدني. وبالأحرى، لم أجدك".

ثانيًا: المسيح هو مبدأ الشّركة. لقد وُسمت حياته كلّها بهذه الرّغبة في أن يكون جسرًا: جسر بين البشريّة والآب، جسر بين الأشخاص الّذين التقاهم، جسر بينه وبين المهمّشين. والكنيسة هي هذه الشّركة بالمسيح الّتي تتواصل في التّاريخ. وهي جماعة تعيش التّنوّع في الوحدة.

يستخدم أوغسطينوس صورة الحديقة ليصوّر جمال جماعة المؤمنين الّتي تصنع من تنوّعاتها تعدّدًا يسعى نحو الوحدة، ولا ينحدر إلى فوضى الخلط: "إنّ حديقة الرّبّ، أيّها الإخوة، لا تملك فقط ورود الشّهداء، بل أيضًا زنابق العذارى، ولبلاب المتزوّجين، وبنفسج الأرامل. باختصار، أيّها الأحبّاء، لا يشكَّّ أحد في دعوته مهما كانت دعوته: إنَّ المسيح قد مات من أجل الجميع. وقد كُتب عنه بحقّ: " فإِنَّه يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ". هذا التّعدّد يتحوّل إلى شركة في المسيح الواحد. فيسوع يوحّدنا بغضّ النّظر عن شخصيّاتنا، وأصولنا الثّقافيّة والجغرافيّة، ولغتنا وقصصنا. والوحدة الّتي يقيمها بين أصدقائه هي خصبة بشكل سرّيّ وتتحدّث إلى الجميع: "تتألّف الكنيسة من جميع الّذين هم في وئام مع الإخوة ويحبّون القريب".

يمكن للمسيحيّين ويجب عليهم أن يكونوا شهودًا على هذا الوئام، وهذه الأخوّة، وهذا القرب في عالم اليوم الّذي تطبعه الكثير من الحروب. هذا الأمر لا يعتمد على قوّتنا فحسب، بل هو هبة من العليّ، عطيّة من ذلك الإله الّذي وعدنا بروحه أن يكون دائمًا بجانبنا، حيًّا معنا: "بقدر ما يحبّ المرء الكنيسة، بقدر ما يكون لديه الرّوح القدس". يمكن للكنيسة، بيت الشّعوب المتنوّعة، أن تصبح علامة على أنّنا لسنا محكومين بالعيش في صراع دائم ويمكنها أن تجسّد حلم الإنسانيّة المتصالحة، المسالمة، والمتآلفة. وهذا الحلم له أساس: يسوع، وصلاته للآب من أجل وحدة خاصّته. وإذا كان يسوع قد صلى للآب، فكم بالحري يجب علينا أن نصلّي نحن لكي يمنحنا هبة عالم مسالم. وأخيرًا: من المسيح والشّركة، ينبع السّلام. وهو ليس ثمرة للقهر ولا للعنف، ولا يمتّ بصلة للكره أو الانتقام.

إنّه المسيح الّذي، بجراحات آلامه، يلتقي خاصّته قائلًا: "السّلام لكم". لقد شهد القدّيسون أنّ المحبّة تنتصر على الحرب، وأنّ الخير وحده ينزع سلاح الغدر، وأنّ اللّاعنف يمكنه أن يبيد القهر. علينا أن ننظر إلى عالمنا بصدق: لا يمكننا بعد الآن أن نتسامح مع الظّلم الهيكليّ الّذي يجعل من يملك أكثر، يملك المزيد دائمًا، وعلى العكس، من يملك أقلّ، يزداد فقرًا. إنَّ الكره والعنف، مثل المنحدر، يهدّدان بالانتشار إلى أن ينتشر البؤس بين الشّعوب: إنّ الرّغبة في الشّركة تحديدًا، والاعتراف ببعضنا البعض كإخوة، هو التّرياق لكلّ تطرّف.

إنَّ الأب كريستيان دي شيرجي، رئيس دير تبحيرين، الّذي تمّ تطويبه مع ثمانية عشر راهبًا وراهبة استشهدوا في الجزائر، بعد أن عاش خبرة اللّقاء وجهًا لوجه مع الإرهابيّين، قد نال من المسيح، في الشّركة معه ومع جميع أبناء الله، هبة كتابة كلمات لا تزال تخاطبنا اليوم، لأنّها تأتي من الله. متسائلًا عن الصّلاة الّتي يمكن أن يرفعها للرّبّ بعد محنة كهذه، وعن الّذين غزوا الدّير بالعنف، كتب: "هل يحقّ لي أن أطلب "انزع سلاحه"، إذا لم أبدأ بطلب "انزع سلاحي" و"انزع سلاحنا"، كجماعة؟ هذه هي صلاتي اليوميّة". وفي أرض شمال أفريقيا عينها، قبل حوالي ١٦٠٠ عام، أكّد أوغسطينوس: "عش حياتك جيّدًا، وستكون الأزمنة جيّدة. نحن هم الأزمنة".

يمكننا نحن أن نحدّد مسار زمننا، بالشّهادة، وبالصّلاة للرّوح القدس لكي يجعلنا رجالًا ونساء ينقلون السّلام، ويقبلون نعمة المسيح وينشرون في العالم عطر محبّته ورحمته. "نحن هم الأزمنة": لا نيأسنَّ أمام العنف الّذي نشهده؛ لنطلب من الله الآب، كلّ يوم، قوّة الرّوح القدس لكي نُضيء شعلة السّلام الحيّة في ظلمات التّاريخ."