مصر
02 حزيران 2017, 13:55

كلمة الأب إيلي نخول خلال لقاء الأساقفة الأستراليّين مع الشيخ الأزهر

أثناء لقاء مجلس أساقفة أستراليتا نيوزيلندا مع الشيخ الأزهر، ألقى النائب الأسقفي والمسؤول الإعلامي للمجلس الأب إيلي نخول كلمة قال فيها:

فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشّريف الدكتور أحمد الطّيب الجزيل الإحترام

جانب مجلس حكماء المسلمين في الأزهر الشريف المحترمين

حضرة السادة الأساقفة السامي احترامهم

الآباء الأجلاء

تحيّة أخويّة صادقة وبعد،

أودّ أولًا أن أشكر فضيلتكم على استضافتكم الكريمة لوفد مجلس رؤساء وممثلي الكنائس الشرقية في أستراليا ونيوزيلاندا، في زيارتهم التاريخية هذه إلى الديار المصرية، للوقوف إلى جانبكم وإلى جانب شعب مصر الحبيب، وللتعبير له عن تضامننا مع آلامه الناتجة عن ضربات الإرهاب والتطرف الديني، ولكن أيضاً لشكر الله على نعمه المكوّنةِ لنسيج المجتمع المصري والمتجليةِ برسالة العيش المشترك المصان تحت مظلة الإيمان بالله وبتعاليم مضامين وحيه، وبالمواطنة المؤسسة على المحبة والتسامح والمساواة في الكرامة والحقوق والواجبات الدينية والوطنية. وأشكر أعضاء الوفد على ثقتهم بي في انتدابي لألقي بالنيابة عنهم كلمته في هذا المقام الشريف والمرجع الديني الحنيف لملايين المسلمين السنّة في مصر والعالم.

تأتي زيارتنا اليوم، بعد سلسلة أحداث عاشتها مصر الحبيبة في الشهرين الاخيرين. منها ما هو مؤلم ومحزن ومنها ما هو مفرح وواعد بالخير والمستقبل الافضل.

1- المؤلم تجلى بسلسلة أعمال عنف وإرهاب متكررة، في خلال فترة زمنية قصيرة، أصابت الحجر والبشر وأوقعت الخسائر المادية الفادحة وتسببت بسقوط عددٍ كبيرٍ من الضحايا البريئة من مسيحيين ومسلمين، أقل ما يقال فيها بأنها أعمال وحشية حاقدة ومتهورة، جبانة وفاشلة. وكانت جميع تلك الأعمال الإرهابية موجهة مباشرة لضرب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أي مؤمني الجماعة المسيحية المشرقية الإفريقية العربية الأقوى في المنطقة عدداً ونفوذاً وتأثيراً على محيطها الإسلامي، ربما لتوجيه رسائل سياسيةٍ معروفة بحسب بعض المحللين، أو ربما لأسباب دينية على خلفية تكفيرية لزرع بذور الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، بحسب تحليل البعض الآخر، ولكن مهما تنوعت واختلفت التحاليل والتكهنات، فالمتضرر الأول والأكبر في النهاية من كل هذه الأعمال الإرهابية هي مصرُ وطن الحريات وثقافةِ العيش المشترك، ووحدةُ مصرَ كياناً وشعباً ومؤسسات.

2- أما المفرح، من جهة أخرى، فقد تجلى من خلال ثلاثة أحداث تاريخية بالغة الأهمية: الأول هو المؤتمر الدولي بعنوان "الحرية والمواطنة، التنوع والتكامل" والذي عقده الازهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين في القاهرة ، من 28 فبراير إلى 1 مارس، بمشاركة أكثر من 50 دولة، وسط اهتمام دولي كبير، برعاية رئيس البلاد وتضمن مداخلات قيمة من محاضرين مسيحيين ومسلمين، أعطت الصورة الحقيقية لوجه مصر الحضاري، مصر الإنفتاح وأرض الحرية والحضارة العريقة التي تسع لجميع الناس إلى أي دين أو ثقافة انتموا. والحدث الثاني هو الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس إلى مصر في 28 أبريل الماضي لمدة يومين شارك في خلالها بالمؤتمر العالمي للسلام الذي نظمه الأزهر الشريف والتقى بفضيلتكم وذلك بعد مرور شهرين من اعلان استئناف الحوار بين الازهر والكرسي الرسولي والذي كان قد توقف لسنوات. والحدث التاريخي الثالث يتمثل بالقرار الذي اتخذتموه فضيلتكم في الثالث عشر من شهر مايو الحالي، كنتيجة عملية للحدثين التاريخيين السابقين، تشكيلَ لجنةٍ لإعداد مشروع قانون لتجريم الحضّ على الكراهية والعنف باسم الدين، وذلك في إطار جهود الأزهر الشريف في مكافحة العنف والتطرف، والعمل على نشر الخطاب المستنير ومواجهة الأفكار الشاذة والخارجة عن سماحة الاديان، ونشر ثقافة التسامح والأخوة بين الناس ومنع كل ما من شأنه إثارة الاحقاد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.

وما زيارتنا إلى أرض مصر اليوم، وإلى هذا المقام الشريف بالتحديد، سوى انضمام وتكملة لتلك الاجواء الخيّرة والإيجابية التي أثارتها الاحداث المذكورة أعلاه، ولنقف إلى جانب شعب مصر بمسيحييه ومسلميه، ولنعلن له بإيمان وثقة بأن الحقيقة ليست في ما يشاع بل في ما يعاش بإيمان وأمانة لإرادة لله. وندعو العائلات المسيحية والمسلمة، إلى أن تعيش معاً قيم العيش المشترك أي الإحترام المتبادل لحرية معتقد كلّ منهما، والتعاون البناء بينهما بثقة وأمانة، والمحبةَ المتسامحة والبعيدة عن تكفير الواحدة للأخرى لا ضمناً ولا جهاراً.

 

1) جئنا اليوم لنضع يدنا بيدكم، لنقف معاً في وجه الشيطان الرجيم، أب الكذب والكذابين، مصدر كل شر مبين، الشيطان الذي جرّ على مدى التاريخ مسيحيين ومسلمين ويهود ولا أدريين وملحدين إلى أعمال إرهابية وحروب عالمية راح ضحيتها الملايين. والشرير الكامن دوماً وراء تلك الاعمال، يحاول اليوم مجدداً أن يتخفى ويتهرب من مسؤوليته كمصدر أول عن إشاعة الكذب والترهيب وقتل الناس، من خلال حصر تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، وخلق جو من الإسلاموفوبيا العالمية، مع العلم أن الإرهاب هو عمل شرير مورس أيضاً على مدى التاريخ وبأوجه شتّى من قبل المسيحيين واليهود وغيرهم وأوقع الضحايا بالملايين. ويؤسفنا أن نرى العالم في طواطىء مستمر مع الشرير، درى أو لم يدرِ، من خلال الدعوة إلى تهميش الأديان ونعتها بمخدّر والشعوب والتشكيك بمصداقيتها، ومن خلال اللجوء إلى زيادة التسلح وتطوير مصانع الموت، كما تسمونها، بحجة مواجهة الشر والإرهاب، بشر أكبر وأسوأ. وكلما أدرك العالم في العمق فشله في مواجهة الشر عن طريق التسلح، كلما ازداد عناداً في مقرراته الطائشة، كما تصفونها، بحجة صنع السلام.

2) إذا شاركنا في الحرب على الإرهاب من وجهة النظر التي يفرضها علينا عالم اليوم وحسب، فإننا بذلك سننضم إلى معركة خاسرة. تكون معركتنا ضد العنف والإرهاب رابحة إذا قمنا بما يطلبه الله منا أي محاربة الإرهاب والتطرف وإدانته، والعمل على ارتداد قلب الإنسان وضميره وتنقية الخطاب الديني لدى رجال الدين، إلى إي ديانة انتموا، من مضمون التخوين والتكفير والحض على الكراهية والعنف وحتى هدر الدماء باسم الله. وكلنا ثقة بأن مشروع القانون الذي يعده الأزهر الشريف في مواجة التطرف وتجريم الحضّ على الكراهية والعنف، ليس سوى مسعى لمراقبة ومحاسبة جميع من يفسرون العقيدة ويرشدون الناس في الإتجاه الخطأ. معركتُنا ليست مع لحم ودم، بل هي معركة مع الفكر المُضَلِّـلِ والمُضَلَّـلِ ومع العقيدة المُظَهَرَة باسم الله على حجم غايات الناس، بدل أن تكون شرحاً أميناً صادقاً لإرادة الله في خلقه.

3) جئنا اليوم أيضاً لنضع يدَنا بيدكم لمواجهة حرب العلمانية الملحدة والداعية إلى موت الله وتفريغ الأديان السماوية التي تؤمن به، من مضمون وعلّة وجودها. نواجه اليوم في استراليا مثلاً، مسيحيون ومسلمون، تحديات كبيرة ومعارك طاحنة لمواجهة قضايا أخلاقية منافية لتعاليمنا السماوية ومنها: زواج المثليين وتغيير مبدأ مفهوم الزواج نفسه في التشريع العام، تسهيل مسببات تشريع الإجهاض في أي وقت تختاره الأم في فترة الحمل، توجيه الأطفال في المدارس على عدم التمييز بين ذكر وانثى وتشجيعهم على عيش الخيار الذي يرتاحون إليه بان يكونوا ذكوراً أو إناثاً، التشجيع على الموت الرحيم والتخفيف من الاسباب التي تمنعه، وغيرها الكثير من القضايا التي اجتمعنا في سبيل مواجهتها منذ فترة مع المراجع الإسلامية في سيدني، وأصدرنا بياناً مشتركاً لرفض هذه التعاليم والتوجهات. ولا يمر اسبوع لا نطلب فيه من مؤمنينا توقيع العرائض على أبواب الكنائس لمنع مرور هذه القوانين أو تلك. العالم الملحد يسعى إلى إضعافنا وتشويه صورتنا ليمنع تعاليمنا من أن تصل إلى الناس في سبيل خيرهم وخلاصهم. ألا يكفينا ما نتعرض له من اضطهاد الفكر الإلحادي لنا، حتى نزيد عليه، ومن دون أي مبرر منطقي أو إلهي، معارك التكفير على بعضنا واضطهاد أبناء أمتنا لمجرد أن الآخر نصراني أو سني أو شيعي أو يهودي؟

4) أخيراً، يا فضيلة الشيخ الجليل، جئنا نضع يدنا بيدكم اليوم رافعين معكم الصلاة إلى الله من أجل بناء السلام المتزعزع في النفوس والضمائر وبين الشعوب ونحن موقنون بأن الخير سيغلب على الشر وستكون الكلمةُ النهائية له. وكلنا ثقة بمرجعيتكم الحكيمة ومرجعية فخامة رئيس البلاد وكل المرجعيات الحكومية والسياسية والأمنية والعسكرية والأهلية التي لم ولن توفر جهداً لجمع شمل أبناء هذا الوطن الغالي، وتثبيت النموذج المصري المميز لبيت العائلة المصرية الذي يضم في عضويته إلى جانب الازهر الشّريف جميع الكنائس المصريّة المقدّسة. ولم تألوا جهداً، فضيلتكم، بالدعوة إلى حذف مصطلح الاقليات واستبداله بالمواطنة الذي يساوي بين جميع المواطنين المصريين. وهذه كلها خطوات جبارة تقومون بها مع معاونيكم الأفاضل في طريق إرساء قيم السلام في مصر والعالم. ولا يسعنا إلا أن نضم صوتَنا إلى صوت من قال عن فضيلتكم: "إن الإمام الأكبر أصبح أيقونة عالمية للسلام."

عشتم وعاشت الحرية، وعاش الحق والسلام، وعاشت مصر.

وتفضّلوا بقبول عواطف المحبّة والمودّة والسّلام.