الفاتيكان
21 كانون الأول 2020, 15:00

كلمة البابا فرنسيس إلى أعضاء الكوريا الرّومانيّة لمناسبة تبادل التّهاني بحلول عيد الميلاد

تيلي لوميار/ نورسات
إلتقى البابا فرنسيس صباح الاثنين في القصر الرّسوليّ بالفاتيكان أعضاء الكوريا الرّومانيّة لتبادل التّهاني بحلول عيد الميلاد، وللمناسبة ألقى كلمة قال فيها بحسب فاتيكان نيوز:

"أمام سرّ التّجسّد وبالقرب من الطّفل المُضجع في مذود، كما أمام سرّ الفصح أيضًا إلى جانب الرّجل المصلوب نجد المكان الصّحيح فقط إن كنّا عُزَّل ومتواضعين وبسطاء، وإن حقّقنا في البيئة التي نعيش فيها – بما في ذلك الكوريا الرّومانيّة – برنامج الحياة الذي يقترحه علينا القدّيس بولس: "أَزيلوا مِن بَينِكم كُلَّ شَراسةٍ وسُخْطٍ وغَضَبٍ وصَخَبٍ وشَتيمة وكُلَّ ما كانَ سُوءًا. لِيَكُنْ بَعضُكم لِبَعضٍ مُلاطِفًا مُشفِقًا، ولْيَصفَحْ بَعضُكم عن بَعضٍ كما صَفَحَ الله عنكم في المسيح"؛ وفقط إن "لبسنا ثوب التّواضع" مُتشبِّهين بيسوع "الوديع والمتواضع القلب"، بعد أن نكون قد وضعنا أنفسنا في "المقعد الأخير" وأصبحنا "خدّامًا للجميع". بهذا الصّدد يصل القدّيس إغناطيوس دي لويولا في رياضته الرّوحيّة إلى أن يطلب منا أن نتصوّر أنفسنا في مشهد المغارة جاعلين من أنفسنا "خدّامًا مساكين وغير مستحقّين، ننظر إليهم ونتأمّلهم ونخدمهم في احتياجاتهم.

عيد الميلاد هذا هو عيد ميلاد الجائحة، والأزمة الصّحّية والاقتصاديّة والاجتماعيّة والكنسيّة أيضًا التي أصابت العالم أجمع. وبالتّالي لم تعد الأزمة أمرًا شائعًا في الخطابات والاستقرار الفكريّ بل أصبحت حقيقة مشتركة بين الجميع. لقد كانت هذه الآفة بمثابة اختبار كبير، وفي الوقت عينه، فرصة عظيمة لكي نرتدَّ ونستعيد الأصالة. لكنّ العناية الإلهيّة قد أرادت أن أتمكّن في هذا الوقت الصّعب من كتابة الرّسالة العامّة "Fratelli tutti" المخصّصة لموضوع الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة. والدّرس العظيم الذي نتعلّمه يأتينا من أناجيل الطّفولة، التي تروي ولادة يسوع، إنّه تواطؤ جديد واتّحاد ينشأ بين روّادها: مريم ويوسف والرّعاة والمجوس وجميع الذين، بطريقة أو بأخرى، قدّموا أُخوَّتهم، وصداقتهم لكي يتمّ قبول الكلمة الذي صار جسدًا في ظلام التّاريخ.

إنَّ أزمة الوباء هي فرصة ملائمة لتأمّل موجز حول معنى الأزمة، والذي يمكنه أن يساعد الجميع. إنَّ الأزمة هي ظاهرة تؤثر على الجميع وعلى كلّ شيء. هي موجودة في كلّ مكان وفي كل مرحلة من التّاريخ، وهي تشمل الأيديولوجيّات والسّياسة والاقتصاد والتّكنولوجيا والبيئة والدّين. إنّها مرحلة إلزاميّة في التّاريخ الشّخصيّ والاجتماعيّ. وتتجلّى كحدث غير عاديّ، يسبب على الدّوام شعورًا بالخوف والألم وعدم التّوازن وعدم اليقين في الخيارات التي يتعيّن اتّخاذها. حتّى الكتاب المقدّس مليء بأشخاص "تمّت غربلتهم"، و"شخصيّات في أزمة"، حققوا من خلالها تاريخ الخلاص. أزمة إبراهيم، الذي ترك أرضه وعليه أن يعيش الاختبار العظيم المتمثّل في أن يضحّي لله بابنه الوحيد إسحاق، قد انحلّت من وجهة نظر لاهوتيّة مع ولادة شعب جديد. لكن هذه الولادة لم تمنع إبراهيم من أن يعيش مأساة لم يسيطر عليها الارتباك وذلك فقط بفضل قوّة إيمانه.

تتجلّى أزمة موسى في عدم الثّقة بنفسه: "مَن أَنَا حَتَّى أَذهَبَ إِلَى فِرعَونَ، وَحَتَّى أُخرِجَ بَنِي إِسرَائِيلَ مِن مِصرَ؟"؛ "لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلَامٍ... بَل أَنَا ثَقِيلُ الفَمِ وَاللِّسَانِ"؛ "أَنَا أَغلَفُ الشَّفَتَينِ". لذلك، يحاول الهروب من الرّسالة التي أوكلها إليه الله: "استَمِع أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَرسِل بِيَدِ مَنْ تُرسِلُ". ولكن من خلال هذه الأزمة، جعل الله موسى عبدًا له وأخرج الشّعب من مصر. إيليّا، النّبيّ القويّ لدرجة أنّه قد تمّت بالنّار، تمنّى حتّى الموت في لحظة أزمة كبيرة، ولكنّه بعد ذلك اختبر حضور الله لا في الرّيح العاصفة، ولا في الزّلزال، ولا في النّار، ولكن في "صَوت مُنخَفِض خَفِيف". إنَّ صوت الله ليس أبدًا صوت الأزمة المزعج، لكنه الصّوت المنخفض الخفيف الذي يخاطبنا داخل الأزمة. يوحنا المعمدان ساوره الشّكّ حول هويّة يسوع المسيحانيّة، لأنّه لم يقدم نفسه كالدّيَّان الذي ربّما كان ينتظره؛ لكن سَجنَ يوحنّا كان الحدث الذي بدأ يسوع بعده بالكرازة بإنجيل الله. وأخيرًا، الأزمة الدّينيّة لبولس الطّرسوسيّ الذي هزّه اللّقاء المبهر مع المسيح في طريقه إلى دمشق، ودفعه ليتخلّى عن ضماناته ليتبع يسوع. لقد كان القدّيس بولس حقًا رجلاً سمح للأزمة بأن تحولّه، ولهذا السّبب كان مهندس تلك الأزمة التي دفعت الكنيسة للخروج من حظيرة إسرائيل للوصول إلى أقاصي الأرض.

يمكننا أن نطيل قائمة الشّخصيّات البيبليّة، ويمكن لكلّ منا أن يجد مكانه فيها. لكن الأزمة الأكثر وضوحًا هي أزمة يسوع. تؤكّد الأناجيل الإزائيّة أنه بدأ حياته العلنيّة من خلال خبرة الأزمة التي عاشها في التّجارب. على الرّغم من أنّه قد يبدو لنا أن بطل الرّواية في هذا الموقف هو الشّيطان بمقترحاته الكاذبة، لكنّ البطل الحقيقيّ هو الروح القدس؛ فهو، في الواقع الذي يقود يسوع في هذا الوقت الحاسم لحياته: "ثُمَّ سارَ الرُّوحُ بِيَسوعَ إِلى البَرِّيَّةِ لِيُجَرِّبَه إِبليس". بعد ذلك، واجه يسوع أزمة لا توصف في الجتسمتاني: الشّعور بالوحدة، والخوف، والألم، وخيانة يهوذا وتخلّي الرّسل عنه. وفي النّهاية، جاءت الأزمة الشّديدة على الصّليب: لقد تضامن مع الخطأة لدرجة أنّه قد شعر بأن الآب قد تخلّى عنه. وعلى الرّغم من ذلك، استودع روحه بين يدي الآب بكلّ ثقة. وهذا الاستسلام الكامل والواثق له فتح درب القيامة.

هذا التّأمل حول الأزمة يحذّرنا من التّسرع في الحكم على الكنيسة على أساس الأزمات التي سببتها فضائح الأمس واليوم، كما فعل النّبيّ إيليّا الذي وإذ ألقى همّه على الرّبّ، قدَّم له قصّة واقعيّة خاليّة من الرّجاء: "غِرتُ غَيرَةً لِلرَّبِّ إِلَهِ الجُنُودِ، لِأَنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ قَد تَرَكُوا عَهدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنبِيَاءَكَ بِالسَّيفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحدِي، وَهُم يَطلُبُونَ نَفسِي لِيَأْخُذُوهَا". كم من مرّة تبدو تحليلاتنا الكنسيّة وكأنّها قصص بلا رجاء. لا يمكن وصف قراءة يائسة للواقع خاليّة من الرّجاء على أنّها واقعيّة. إنّ الرّجاء يعطي تحليلاتنا ما تعجز غالبًا نظراتنا قصيرة النّظر عن إدراكه. ويجيب الله إيليا أن الحقيقة ليست كما تصوَّرها: "اذهَب رَاجِعًا فِي طَرِيقِكَ إِلَى بَرِّيَّةِ دِمِشقَ... وَقَد أَبقَيتُ فِي إِسرَائِيلَ سَبعَةَ آلَافٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَم تَجثُ لِلْبَعلِ وَكُلَّ فَمٍ لَم يُقَبِّلهُ". وبالتّالي فهو لم يكن وحده. إنّ الله لا زال ينمّي بذور ملكوته بيننا. ويوجد هنا في الكوريا العديد من الأشخاص الذين يقدّمون شهادة بواسطة عملهم المتواضع والحصيف والصّامت والأمين والمهنيّ والصّادق. لعصرنا مشاكله أيضًا، ولكن لديه أيضًا شهادة حيّة على حقيقة أنّ الرّبّ لم يتخلّى عن شعبه، مع الفارق الوحيد أن المشاكل تنتهي على الفور في الصّحف، أمّا بوادر الرّجاء فتصبح خبرًا بعد وقت طويل فقط وليس دائمًا.

إنّ الذي لا ينظر إلى الأزمة في ضوء الإنجيل يحصر نفسه بتشريح جثّة. نشعر بالخوف من الأزمة ليس فقط لأنّنا نسينا أن نُقيِّمَها كما يدعونا الإنجيل للقيام بذلك، وإنّما لأنّنا نسينا أنّ الإنجيل هو أوّل من يضعنا في أزمة. ولكن إذا وجدنا مجدّدًا الشّجاعة والتّواضع لنقول بصوت عالٍ أنّ زمن الأزمة هو زمن الرّوح، فعندئذ، حتّى إزاء خبرة الظّلام والضّعف والهشاشة والتّناقضات والحيرة، لن نشعر بأننا سُحقنا ولكنّنا سنحافظ باستمرار على ثقة حميمة بأنّ الأشياء ستأخذ شكلًا جديدًا، انبعث بشكل حصريّ من خبرة نعمة مخبأة في الظّلام: "لأنّ الذّهب يُمتحن بالنّار والمرضيّين من النّاس في أتّون الذُلّ".

أودّ أن أحثّكم على عدم الخلط بين الأزمة والصّراع. للأزمة بشكل عام نتائج إيجابيّة، بينما يخلق الصّراع دائمًا تناقضًا وتنافسًا وعداوة على ما يبدو بدون حلّ بين الأشخاص الذي يقسّمون إلى أصدقاء علينا أن نحبّهم وأعداء علينا أن نحاربهم، ينتج عنها انتصار أحد الطّرفين. إذا تمّت قراءة الكنيسة بمنظار فئات الصّراع - اليمين واليسار، تقدميّون وتقليديّون – فهي تجزّئ طبيعتها الحقيقيّة وتستقطبها، وتنحرف عنها وتخونها: لأنّها جسد في أزمة على الدّوام لأنّه حيّ، ولكن يجب ألّا يصبح أبدًا جسد في صراع مع رابحين وخاسرين. بهذه الطّريقة في الواقع، ستنشر الخوف، وتصبح أكثر صرامة، وأقل مجمعيّة، وستفرض منطقًا موحَّدًا وموحِّدًا، بعيدًا عن الغنى والتّعددية اللّذين منحهما الرّوح لكنيسته. إنّ الحداثة التي أدخلتها الأزمة التي أرادها الرّوح القدس لم تكن أبدًا حداثة تتعارض مع القديم، ولكنّها حداثة تنبع من القديم وتجعله خصبًا على الدّوام. ويسوع يستخدم تعبيرًا يعبّر عن هذا العبور بطريقة بسيطة وواضحة: "إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُت تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً". إن فعل موت البذرة هو فعل ثنائي، لأنّه يمثّل في الوقت عينه نهاية شيء ما وبداية شيء آخر.

بهذا المعنى، تحتّم علينا المقاومة التي نقوم بها عندما ندخل في أزمة، من خلال السّماح للرّوح القدس بأن يقودنا في وقت التّجربة، أن نبقى وحيدين وعقيمين. بالدّفاع عن أنفسنا من الأزمة، نحن نعيق عمل نعمة الله التي تريد أن تظهر فينا ومن خلالنا. لذلك، إذا أظهرت لنا واقعيّة معيّنة تاريخنا الحديث فقط كمجموع من المحاولات التي لم تنجح، والفضائح، والسّقوط، والخطايا، والتّناقضات، وغياب الشّهادة، فلا يجب أن نخاف، ولا يجب أن ننكر الأدلة بأنَّ كل ما فينا وفي جماعاتنا قد أفسده الموت ويحتاج إلى الارتداد. إنَّ كل ما هو شرير ومتناقض وضعيف وهشّ يظهر علانيّة ويذكّرنا بقوّة أكبر بالحاجة إلى الموت عن أسلوب في العيش والتّفكير والتّصرف لا يعكس الإنجيل. من خلال الموت عن ذهنيّة معيّنة فقط، سنتمكّن أيضًا من إفساح المجال للحداثة التي يولدها الرّوح القدس باستمرار في قلب الكنيسة. تحت كلّ أزمة هناك دائمًا حاجة صحيحة للتّحديث. ولكن إن كنا نريد تحديثًا حقيقيًّا، فعلينا أن نتحلى بشجاعة استعداد كامل لكلِّ شيء؛ كما يجب أن نتوقف عن التّفكير في إصلاح الكنيسة على أنه رفوٌّ لثوب قديم، أو مجرد صياغة لدستور رسوليّ جديد.

إنَّ الأمر لا يتعلّق بـ "رفوِ ثوبٍ"، لأنّ الكنيسة ليست "ثوبًا" بسيطًا للمسيح، بل هي جسده الذي يعانق التّاريخ كلّه. ونحن لسنا مدعوّين لتغيير جسد المسيح أو إصلاحه، ولكنّنا مدعوّون إلى أن نُلبس ذلك الجسد رداء جديدًا، بحيث يظهر بوضوح أنّ النّعمة التي نملكها لا تأتي منّا وإنّما من الله: في الواقع، "هذا الكَنْزَ نَحمِلُه في آنِيَةٍ مِن خَزَف لِتَكونَ تِلكَ القُدرَةُ الفائِقَةُ لِلهِ لا مِن عِندِنا". يحذّرنا المسيح، خلال فترة الأزمة، من بعض المحاولات للخروج منها والتي مصيرها الفشل منذ البداية، مثل من "يَشُقُّ قِطعَةً مِن ثَوبٍ جَديد، فيَجعَلُها في ثَوبٍ عَتيق" فتكون النتيجة أن "يُشَقَّ الجَديد" لأن "القِطعَةُ الَّتي أُخِذَت مِنَ الجديدِ لا تُلائِمُ العَتيق"؛ كذلك "ما مِن أَحَدٍ يَجعَلُ الخَمرَةَ الجَديدةَ في زِقاقٍ عَتيقة، لِئَلاَّ تَشُقَّ الخَمرَةُ الجَديدةُ الزِّقاقَ فتُراقَ هي، وتَتلَفَ الزِّقاق. بل يَجِبُ أَن تُجعَلَ الخَمرَةُ الجَديدةُ في زِقاقٍ جَديدة". أما التّصرّف الصّحيح فهو تصرّف الكاتِبٍ الذي تَتَلمَذَ لِمَلكوتِ السَّمَوات والذي يُشبِهُ رَبَّ بَيتٍ يُخرِجُ مِن كَنزِه كُلَّ جَديدٍ وقَديم. إنّ الكنز هو التّقليد الذي وكما يذكّر بندكتس السّادس عشر هو النّهر الحيّ الذي يربطنا بالأصول، والنّهر الحيّ الذي تكون فيه الأصول حاضرة على الدّوام. النّهر العظيم الذي يقودنا إلى ميناء الخلود.

ماذا علينا أن نفعل خلال الأزمة؟ أوّلاً أن نقبلها كزمن نعمة أُعطي لنا لكي نفهم إرادة الله لكل واحد منّا وللكنيسة بأكملها. وبالتّالي علينا أن ندخل في المنطق المتناقض في الظّاهر لـ "عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا" وأن نتذكّر الضّمانة التي منحها القدّيس بولس لأهل كورنتس: "إِنَّ اللهَ أَمينٌ فلَن يأذَنَ أَن تُجَرَّبوا بما يفوقُ طاقتَكم، بل يُؤتيكُم مع التَّجرِبَةِ وَسيلةَ الخُروجِ مِنها بِالقُدرةِ على تَحَمُّلِها". وبالتّالي من الجوهريّ عدم قطع الحوار مع الله حتّى لو كان ذلك متعبًا. لا يجب أن نتعب من الصّلاة أبدًا. نحن لا نعرف أيّ حلّ آخر للمشاكل التي نمرّ بها، غير أن نصلّي بشكل أكبر، وأن نبذل في الوقت عينه كل ما في وسعنا بثقة أكبر. إنَّ الصلاة ستسمح لنا بأن نرجو على غَيرِ رَجاء.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، دعونا نحافظ على سلام وهدوء عظيمين، مدركين تمامًا أننا جميعًا، وأنا أوّلًا، لسنا سوى "خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم"، قد رحمهم الرّبّ. لهذا السّبب، سيكون من الجيد أن نتوقّف عن العيش في صراع وأن نعود لكي نشعر مجدّدًا بأنّنا في مسيرة. إنّ المسيرة تتعلّق بأفعال الحركة. والأزمة هي حركة، وبالتّالي فهي جزء من المسيرة. أمّا الصّراع فهو مسيرة زائفة، إنّه تجوال بلا هدف، إنّه البقاء في متاهة، ومجرّد هدر للطّاقات وفرصة للشّرّ. والشّرّ الأوّل الذي يقودنا إليه الصّراع، والذي يجب أن نحاول الابتعاد عنه، هو الثّرثرة، التي تغلقنا في المرجعيّة الذّاتيّة السّيّئة والخانقة، وتحوّل كلّ أزمة إلى صراع. يخبرنا الإنجيل أنّ الرّعاة صدّقوا إعلان الملاك وانطلقوا في السّير نحو يسوع، أمّا هيرودس فقد انغلق على نفسه أمام قصة المجوس وحوّل انغلاقه هذا إلى أكاذيب وعنف. ليسأل كلّ واحد منا نفسه، مهما كان المكان الذي يشغله في الكنيسة، ما إذا كان يريد أن يتبع يسوع بطاعة الرّعاة أو بحماية هيرودس الذّاتيّة، أو أن يتبعه في الأزمة أو أن يدافع عن نفسه منه في الصّراع."

وإختتم البابا فرنسيس كلمته بالقول: "إسمحوا لي أن أطلب بصراحة منكم جميعًا أنتم الذين معي في خدمة الإنجيل هديّة عيد الميلاد: تعاونكم السّخيّ والشّغوف في إعلان البشرى السّارة ولاسيّما للفقراء. ولنتذكّر أنّ الذين يعرفون الله حقًّا هم الذين يقبلون الفقراء الذين يأتون من الأسفل ببؤسهم، وأنَّ مرسل العلى يأتي في وجوههم؛ نحن لا يمكننا أن نرى وجه الله، ولكن يمكننا أن نختبره في توجّهه نحونا عندما نكرّم وجه القريب، والشّخص الآخر الذي يُلزمنا باحتياجاته."