العراق
18 أيلول 2023, 07:50

كنيسة السّريان الكاثوليك اختتمت سينودس الأساقفة السّنويّ، ماذا في بيانها الختاميّ؟

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام السّينودس السّنويّ الحاديّ لأساقفة الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة الأنطاكيّة الّذي عُقد في مقرّ مطرانيّة الموصل- قره قوش من 10 حتّى 15 أيلول/ سبتمبر، صدر البيان التّالي:

"عُقِدَ السّينودس السّنويّ العامّ لأساقفة الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة الأنطاكيّة، في الفترة الممتدّة من 10 حتّى 15 أيلول 2023، في مقرّ مطرانيّة الموصل، قره قوش- العراق، وذلك برئاسة صاحب الغبطة مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان الكلّيّ الطّوبى، بطريرك السّريان الأنطاكيّ، وبمشاركة آباء السّينودس رؤساء الأساقفة والأساقفة القادمين من الأبرشيّات والأكسرخوسيّات والنّيابات البطريركيّة والرّسوليّة في لبنان وسوريا والعراق والخليج العربيّ والقدس والأردنّ ومصر والولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا وفنزويلا، والمعتمَد البطريركيّ لدى الكرسيّ الرّسوليّ والزّائر الرّسوليّ في أوروبا، واعتذر عن الحضور الزّائر الرّسوليّ في أستراليا، والنّائب البطريركيّ في تركيا.

شارك آباء السّينودس برياضة روحيّة، يومي الإثنين والثّلاثاء 11 و12 أيلول، ألقى مواعظها حضرة الأباتي سمعان أبو عبدو، حول "ملامح الأسقف في عالم متغيّر"، متأمّلاً دعوة الأسقف وصفاته في عالم اليوم كسفير للمسيح، وعلاقته مع الله، ومع إخوته في الأسقفيّة، ومع المؤمنين الموكَلين إلى رعايته.

ومساء يوم الأحد 10 أيلول، احتفل غبطته بالقدّاس الافتتاحيّ، يشاركه آباء السّينودس، بحضور جماهير المؤمنين في كاتدرائيّة الطّاهرة الكبرى. وفي صباح اليوم التّالي، افتُتِح السّينودس بكلمة لغبطته، مرحّبًا بالأسقفين الجديدين: مار بنديكتوس يونان حنّو، رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، ومار يوليان يعقوب مراد، رئيس أساقفة حمص وحماة والنّبك، مُذكّرًا بمسيرة كنيستنا في العام المنصرم، مقدّمًا الخطوط العريضة للسّينودس، مشدّدًا على رباط المحبّة والأخوّة الّذي يجمع الآباء في رعاية المؤمنين، ومؤكّدًا على أهمّيّة انعقاد السّينودس في قره قوش، هذه المدينة الشّاهدة والشّهيدة لإيمانها الرّاسخ بالرّبّ يسوع.

وقدّم الآباء الشّكر الجزيل والامتنان لسيادة المطران مار بنديكتوس يونان حنّو وجميع معاونيه من كهنة وعلمانيّين، على الجهود الجبّارة لتهيئة انعقاد السّينودس في أبرشيّة الموصل، في خطوة تاريخيّة فريدة، للتّعبير عن المكانة المتميّزة لهذه الأبرشيّة عامّةً، ولقره قوش (بغديده) خاصّةً، كلؤلؤة ثمينة في قلب الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة.  

ورفع آباء السّينودس رسالةً إلى قداسة البابا فرنسيس، ملتمسين منه الصّلاة والبركة الرّسوليّة لأجل نجاح أعمال المجمع الّذي تضمّن جدول أعماله الشّؤون الكنسيّة والرّوحيّة والرّاعويّة والإجتماعيّة والوطنيّة التّالية:

أوّلاً: أوضاع الأبرشيّات والنّيابات والزّيارات في الشّرق وبلاد الانتشار

عرض الآباء أوضاع الأبرشيّات في بلاد الشّرق، ودرسوا واقع الحياة والنّشاطات، وتوقّفوا عند ما يعانيه أبناؤهم من جرّاء الأوضاع الصّعبة والاضطهادات وأعمال العنف والإرهاب والتّهجير والقتل والتّدمير، واقتلاع عدد كبير من رعاياهم من أرض الآباء والأجداد. كما لم يغفلوا بحث شؤون الكنيسة في بلاد الانتشار، في أوروبا، والأميركيّتين، وأستراليا. وتدارسوا واقع الخدمة الرّوحيّة والرّعويّة وتحدّياتها، لاسيّما في خضمّ موجات العلمنة والإلحاد وما يتهدّد قيم العائلة والمجتمع، إضافةً إلى ضرورة رفد كنيسة الانتشار بكهنة مُرسَلين يؤمّنون حاجات المؤمنين، مؤكّدين على أهمّيّة محافظة المؤمنين في بلاد الانتشار على إيمانهم وتراثهم السّريانيّ الأصيل، وتعلّقهم بكنيستهم وأبرشيّاتهم الأمّ في الشّرق، ومدّ يد المساعدة لها ولأهلهم فيها.

ثانيًا: شؤون كنسيّة ورعويّة

أ- التّنشئة الكهنوتيّة والرّهبانيّة

توقّف الآباء عند وضع إكليريكيّة سيّدة النّجاة البطريركيّة في دير الشّرفة بلبنان، مقدّمين الشّكر لإدارة الإكليريكيّة على الجهود المبذولة في تنشئة الإكليريكيّين، ومنوّهين بضرورة إيلاء الدّعوات الكهنوتيّة والرّهبانيّة في الأبرشيّات والرّعايا والإرساليّات العناية والرّعاية، ودعم خدمة الإكليريكيّة بتكريس يوم خاصّ للدّعوات في كلّ كنائسنا في الشّرق والغرب. وقد ذكّر الآباء بالقرار الّذي اتّخذوه العام الماضي بتخصيص الأحد الثّالث بعد القيامة لتقديم القداديس والصّلوات على نيّة الدّعوات وجمع التّبرّعات لدعم التّنشئة الإكليريكيّة.

ب- راعويّة الشّبيبة

شدّد الآباء على الدّور المحوريّ للشّبيبة في حياة الكنيسة، فهم قلبها النّابض وأملها الباسم بمستقبل مزهر، وضرورة زرع بذور الإيمان الرّاسخ في قلوبهم وسط المغريات الكثيرة والتّحدّيات الّتي تجابههم. وقد عُرِضت آخر الزّيارات والنّشاطات الّتي قامت بها راعويّة الشّبيبة في زيارة 13 دولة.

ج- الشّؤون اللّيتورجيّة  

إستلم الآباء النّسخة النّهائيّة لذبيحة القدّاس الإلهيّة، والّتي ستصدر في الأشهر القادمة وسيتمّ توزيعها بعد تقديم الأساقفة ملاحظاتهم النّهائيّة، لاعتمادها في جميع الكنائس. كما شكّلوا لجنة موحَّدة لمراجعة كتاب رتب الأعياد والاحتفالات ܡܥܰܕܥܕܳܢܳܐ (المعدعدون)، للتّقليدين في طقسنا السّريانيّ.

د- العلاقة بين الكنيسة والسّياسة

أكّد الآباء على أنّ واجب الكنيسة أن تدافع عن المبادئ الوطنيّة العامّة وكرامة الإنسان، وتلتزم حماية المظلومين والمستضعَفين، وتوجِّه المؤمنين إلى المشاركة في الحياة العامّة وخدمة الوطن بنزاهة وحرّيّة، وتهتمّ بالخدمة الرّوحيّة دون التّهرّب من مسؤوليّتها، لكنّها لا تتبنّى موقف أيّ طرف أو جهة.  

ه- مؤتمر عامّ للكهنة

عقد مؤتمر عامّ للكهنة لتعزيز روابط المحبّة والشّركة وتبادُل الخبرات، وذلك في ربيع عام 2025.

ثالثًا: سينودس الأساقفة الرّومانيّ  

درس الآباء التّحضيرات الجارية لعقد سينودس الأساقفة الرّومانيّ "من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة وشراكة ورسالة"، الّذي سيتمّ على دورتين، الأولى في تشرين الأوّل القادم 2023، والثّانية في تشرين الأوّل من العام المقبل 2024. وتداولوا مشاركة كنيستنا في المرحلة القارّيّة التّحضيريّة لهذا السّينودس.  

رابعًا: العلاقات الأخويّة بين الكنائس

بما أنّ خطاب الكنيسة في السّنوات الأخيرة يركّز على موضوع السّينودسيّة، يرى الآباء أنّه من الضّرورة بمكان عودة الكنيسة إلى الذّات، كي تفهم أنّ مسارها لن يكون بمعزل عن العلاقات الإيجابيّة والمتينة بين بعضها البعض، من أجل خدمة الإيمان ورفع شأن الكنيسة المقدّسة، عملاً بوصيّة الرّبّ يسوع: "بهذا يعرف العالم أنّكم تلاميذي، إن كان لكم حبُّ بعضًا لبعض" (يوحنّا 13: 35).

خامسًا: تضامن الكنيسة مع المؤمنين

نوّه الآباء إلى ما تقوم به البطريركيّة والأبرشيّات والنّيابات والرّعايا والإرساليّات، في الشّرق كما في بلاد الاغتراب، للوقوف إلى جانب المؤمنين ومساندتهم قدر الإمكان، كي يتمكّنوا من مجابهة الصّعوبات. وعبّروا عن مسؤوليّتهم المشتركة والضّرورة الملحّة لمتابعة خدمة المؤمنين في الشّرق كما في الغرب، روحيًّا ورعويًّا واجتماعيًّا، رغم الصّعوبات والتّحدّيات. كما يشكر الآباء كافّة المؤسّسات الخيريّة الّتي ساهمت وحافظت على كرامة الإنسان.

سادسًا: الهجرة واقع وتحدٍّ للكنيسة الأمّ في الشّرق وكنيسة الانتشار

بحث الآباء موضوع الهجرة وتداعياته السّلبيّة الخطيرة على واقع حياة الكنيسة في الشّرق، متوقّفين بشكل خاصّ عند هجرة العائلات والشّباب، وأكّدوا على ضرورة بذل الجهود لبثّ روح الأمل بالمستقبل وتوفير مقوّمات الحياة والصّمود قدر الإمكان، غير ناسين ما يترتّب على الهجرة من نموّ مطّرد للكنيسة في بلاد الانتشار ومن خطر الذّوبان والضّياع في بحر المغريات الكثيرة.  

سابعًا: دعوى تطويب شهداء مجزرة كاتدرائيّة سيّدة النّجاة في بغداد

تابع الآباء بفرح واعتزاز ورجاء كبير مسيرة دعوى تطويب شهداء مجزرة كاتدرائيّة سيّدة النّجاة في بغداد، وقد وصلت الدّعوى إلى مراحل متقدّمة، على أمل أن يتمّ إعلان تطويب الكاهنين الشّابّين ورفاقهم الشّهداء في أقرب وقت.

ثامنًا: شؤون بلدان الشّرق الأوسط، واقعها وتحدّياتها

أ‌- الوضع في لبنان:  

لا يزال لبنان يعاني من جرّاء استمرار الشّغور في منصب رئاسة الجمهوريّة بسبب التّمادي في تعطيل جلسات الانتخاب في مجلس النّوّاب، وما يستتبع ذلك من تعميق الأزمات السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ومن تأخير أيّ بوادر للحلّ لا يمكن الوصول إليها إلّا عبر انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة تبدأ مرحلة النّهوض بالبلد عن طريق خطط إنماء للتّخفيف من حدّة الانهيار على كلّ الأصعدة. لذا يدعو الآباءُ النّوّابَ إلى المبادرة لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة فورًا ودون إبطاء، مهما كانت الحجج والذّرائع، فيحكّموا ضميرهم وحسّهم الوطنيّ، بدل تغليب المصالح الخاصّة الضّيّقة على حساب الوطن. كما يحثّون المسؤولين، ولاسيّما المسيحيّين منهم، أن يتّحدوا، بالتّضامن ورصّ الصّفوف، للحفاظ على هذا الوطن- الرّسالة، في ظلّ تعاظم الأزمات الّتي تهدّد وجوده، وفي خضمّ التّحدّيات الكبيرة، وما يكابده المواطنون بعد تبخُّر أموال المودعين في المصارف، وسواها من الأزمات الّتي تنهش جسم الدّولة.

ب‌- في سوريا:

لم تغب عن بال الآباء المعاناة المتمادية لأبناء الشّعب السّوريّ عامّةً، وللمؤمنين خاصّةً، في ظلّ استمرار الحصار الجائر على الشّعب السّوريّ وتداعيات أعمال العنف والهجمات الإرهابيّة في مناطق عدّة من الوطن، وهم يطالبون برفع هذا الحصار، ويؤكّدون استمرارهم في رعاية شؤون المؤمنين وخدمتهم رغم التّحدّيات الكثيرة، ولاسيّما تردّي الوضع الاقتصاديّ وما يترتّب عنه من هجرة كثيفة بحثًا عن عيش كريم، فضلاً عن تداعيات الزّلزال المدمّر في السّادس من شباط الماضي، والّذي أصاب أجزاءً من البلد وخلّف الدّمار والخراب.  

ج- في العراق:

يستذكر الآباء الأحداث الأليمة الّتي أصابت كنيسة العراق بشكل عامّ وكنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة بشكل خاصّ، منها مجزرة كاتدرائيّة سيّدة النّجاة في بغداد، واقتلاع أبناء شعبنا من الموصل وسهل نينوى، وقد قام آباء السّينودس بزيارة كنائس الموصل، وشاهدوا حجم الدّمار الّذي لحق بالكنائس وبأحياء المدينة. وما انعقاد السّينودس في الموصل– قره قوش إلّا رسالة رجاء وتشجيع يوصلها الآباء إلى أبنائهم لتعزيز ثباتهم في أرضهم التّاريخيّة. وهم يطلبون من الحكومة العراقيّة أن تولي اهتمامها بهذا الشّعب الأصيل وتلبّي حقوقه الشّرعيّة وفقًا للدّستور العراقيّ. وقد عبّر الآباء عن فرحهم لترميم كنيسة مار توما الرّسول في الموصل، لما لهذا القدّيس من دور رائد في حمل بشرى الإنجيل ونشرها في العراق وبلاد الشّرق. ومن خلال زيارة الآباء إلى أبرشيّتي الموصل وحدياب- أربيل، لمسوا فرح المؤمنين، وهي علامة مشجّعة لكنيستنا السّريانيّة.  

د- بحث الآباء أوضاع أبنائهم في مصر الّتي تنعم بالأمان بسبب حكمة قيادتها ومسؤوليها، والأردنّ الّذي يعمل على تعزيز الاحترام المتبادل والطّمأنينة بين جميع أبنائه، والأراضي المقدّسة الّتي تنشد السّلام والمسامحة وقبول الآخر، والخليج العربيّ حيث يعمل عدد من المؤمنين ويعيشون بكرامة وحرّيّة، وتركيا الّتي يسعى أبناء الكنيسة جاهدين للمحافظة على حضورهم فيها، متابعين شهادتهم للرّبّ في أرض الآباء والأجداد.

ه- وتناول الآباء شؤون المؤمنين في بلدان الانتشار، في أوروبا والأميركيّتين وأستراليا، حيث يتمتّعون بحقوقهم الإنسانيّة الوطنيّة، لكنّهم يجابهون تحدّي المحافظة على إيمانهم وتراث آبائهم وأجدادهم.

خاتمة

في ختام السّينودس، رفع الآباءُ آيات الشّكر للرّبّ الإله، الآب الّذي جمعهم بحنانه، والإبن الّذي غمرهم بمحبّته، والرّوح القدس الّذي أفاض عليهم إلهاماته وقادهم بهدي نوره في اجتماعاتهم ومناقشاتهم وقراراتهم، وباركَ أعمالهم لما فيه خير الكنيسة وخلاص نفوس المؤمنين. وتضرّعوا إليه تعالى من أجل انتهاء الحروب والأوبئة والكوارث والأزمات وإحلال الأمن والسّلام في الشّرق والعالم. وتوجّهوا إلى أبنائهم وبناتهم المؤمنين في كلّ مكان، حاثّين إيّاهم على التّمسّك بالإيمان بالرّبّ يسوع والشّهادة لإنجيل المحبّة والفرح والسّلام، متشجّعين دومًا بوعد الرّبّ يسوع القائل: "قفوا وارفعوا رؤوسكم لأنّ خلاصكم يقترب" (لوقا 21: 28)."