سوريا
06 حزيران 2019, 05:53

كيف رحّب أهالي ريف طرطوس ووادي النّصارى بالبطريرك الصّربيّ؟

في اليوم رالرّابع لزيارته الكنيسة الأنطاكيّة، توقّف بطريرك صربيا إيريناوس في دير سيّدة بلمانا- ريف طرطوس، يرافقه بطريرك الرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر والوفد الكنسيّ، فكان استقبال شعبيّ وكنسيّ يتقدّهم راعي أبرشيّة اللّاذقيّة وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت أثناسيوس فهد، ورئيسة الدّير الأمّ مكرينا، وفعاليّات المنطقة.

 

في كنيسة الدّير، صلّى البطريركان الشّكر على نيّة كنيستيهما، ومن أجل السّلام والأمن في سوريا والبلاد المتألّمة.

ثمّ كانت كلمة للمتروبوليت فهد قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"أرحّب بكم يا صاحب القداسة، وبالوفد المرافق لكم، ترحيبًا قلبيًّا عابقًا بمحبّة المسيح. أعبّر لكم عن فرحنا الكبير بزيارتكم هذه الأبرشيّة في كرسينا الرّسولي الأنطاكيّ. لقد عانقت اللّاذقيّة المسيحيّة منذ العهد الرّسوليّ في القرن الأوّل الميلاديّ. كان أوّل أسقف عليها الرّسول لوفيوس أحد الرّسل السّبعين، الّذي كان من رفاق القدّيس بولس الرّسول، حيث ذكره في رسالته إلى أهل رومية.

إنّ كنيسة اللّاذقيّة، يا صاحب القداسة، تبوّأت مركزًا هامًّا في القرون الأولى للمسيحيّة، حيث شارك أساقفتها في المجامع المسكونيّة، ولعبوا دورًا أساسيًّا في المباحثات اللّاهوتيّة. كما قدّمت هذه الكنيسة الضّاربة في التّاريخ عددًا كبيرًا من الشّهداء خلال فترة الاضطهادات المريرة. أمّا في القرون اللّاحقة، وعلى الرّغم من كلّ الأزمات والحروب والضّيقات، الّتي مرّت بها هذه المنطقة، لا يزال شعبنا المؤمن يحمل صليب القيامة، مناديًا في أرجاء العالم كلّه أنّ "المسيح قام حقًّا قام". مع الحرب الأخيرة، الّتي حلّت ويلاها على بلادنا، وأرخت بظلّ مٱسيها على كلّ أطياف شعبنا، لم يسلم أبناؤنا في هذه الأبرشيّة من نتائج هذه الحرب، بل عانوا مرارة التّهجير والخطف والقتل والتّدمير. حتّى يومنا هذا، ترزح سبع رعايا من القرى المسيحيّة في أطراف الأبرشيّة تحت وطأة الإرهاب. إلّا أنّ شمعة الإيمان، كانت وستبقى مضيئة ومشعّة في حياة وقلوب جميع المؤمنين والمقيمين على شواطىء ووديان وسهول وجبال هذه الأبرشيّة المحروسة بالله.

إنّنا نطلب من قداستكم أن تذكروا في صلاتكم على الدّوام أخانا المطران بولس (يازجي) متروبوليت حلب الّذي خطف مع أخيه المطران يوحنّا (ابراهيم). المطران بولس ولد وترعرع ودرس وخدم كإكليريكيّ في هذه الأبرشيّة، وله فضل وتعب على أبنائها. هو حاضر دومًا في وجدان المؤمنين وأدعيتهم. تباركون أبرشيّتنا بحضوركم اليوم في هذا الدّير العامر المقدّس، الّذي أحيا في هذه المنطقة روح التّأمّل والنّسك العابق ببخور الصّلوات والأصوام والأسهار والفضائل. إنّ ما حصل في التّاريخ من ويلات الحروب القاسية، إضافة إلى غضب الطّبيعة والزّلازل المدمّرة أيضًا، أطاح وأزال معظم الكنائس والمناسك والأديار الّتي ازدهرت وامتلأت بها هذه الرّبوع. إلّا أنّ الله أفاض على أبرشيّتنا قيامة حيّة، إذ أفاقت من سبتها وعادت الحياة الرّهبانيّة من جديد، مستندة على أصول وقواعد النّسك الإنجيليّ، وولدت عائلة روحيّة من أبوين روحيّين جليلين، متمرّسين في حب الله والإنسان؛ أعني بهما الأب الرّوحيّ لهذه العائلة صاحب الغبطة مولانا يوحنّا العاشر، ومعه قدس الأمّ مكرينا رئيسة هذا الدّير المقدّس. هذه الولادة القياميّة ما كانت لتتم إلّا ببركة وصلوات عرّاب هذا الدير، سلفي المثلّث الرّحمة المطران يوحنّا (منصور) الّذي دفن جسده في تراب هذا الدّير الشّريف.

نعم، يا صاحب القداسة، إلى الأمّ مكرينا وإلى صاحب الغبطة يوحنّا يعود كلّ الفضل في تأسيس وقيام هذا الدّير المقدّس. فقبل مدّة، لا تتجاوز العقود الأربعة، كان هذا المكان قاحلاً من الشّجر والحجر والبشر. إلّا أنّه بواسطة صلوات كثيرة مستمرّة، وأتعاب ثمينة، لا تقدّر، ونعمة حضور الفائقة القداسة والدة الإله، صار فردوسًا روحيًّا، ومنارة حيّة للتّقليد الرّهبانيّ المشرقيّ، وملجأ لكلّ متألّم ومحتاج، ولكلّ من يلتمس قبسًا من الملكوت، كي يهدأ الفكر ويرتاح القلب من ٱلام هذه الحياة.
لذلك، باسم الأخوات الرّاهبات جميعهنّ، تقدّم قدس الأمّ مكرينا لكم، وللوفد المرافق، هدايا مشغولة بأيدي الأخوات الرّاهبات، ومحمّلة بصلواتهنّ، راجين أن يحفظكم الرّبّ الإله بحماية والدة الإله شفيعة هذا الدّير المقدّس".

بدوره، ردّ البطريرك إيريناوس بكلمة قال فيها:
"أشكركم على كلماتكم الطّيّبة والمؤثّرة الّتي هزّت مشاعرنا ودخلت إلى قلوبنا. زيارتنا إلى هذا الدّير الشّريف زيارة بركة وأمل، لاسيّما أننّا زرنا أماكن متنوّعة في دمشق وريفها على خطى بولس الرّسول.
إنّ أرضكم مقدّسة وتعتبر مفخرة للعالم الأرثوذكسيّ أينما كان. نحن وإيّاكم عشنا أزمات وحروب صعبة وحملنا صليب المسيح الّذي أعطانا إيّاه الرّبّ وهو صليب الخلاص. بالتّالي إنّ ما رأيناه وشاهدناه لم يسبق لنا أن رأيناه أو لمسناه من قبل. نحن نشارككم ٱلامكم كلّ يوم، ونتابع الأحداث الدّائرة في بلدكم، لكن ثقوا أنّ الله لن يتركنا وسيعطينا السّلام.
نصلّي كي يعطي الرّبّ السّلام لكلّ الأشخاص الّذين يعملون على تدمير البلدان، ونصلّي أيضًا من أجل الأعداء، ونصلّي من أجل أن يزرع الرّبّ سلامه في القلوب والنّفوس".
وأنهى مؤكّدًا أنّ "الرّهبنة هي القوّة والمحبّة للكنيسة"، ليقدّم بعدها هديّته التّذكاريّة للمتروبوليت فهد والأمّ مكرينا، ويستمتع بباقة من التّراتيل والأناشيد قدّمتها مجموعة من الطّلّاب ترحيبًا بزائرهم، قبل أن يمنح بركته الأبويّة للشّعب في صالون الدّير.

ثمّ كانت وقفة في وادي النّصارى الّذي تهلّلت قراه ترحيبًا بالضّيف، والذّي تفجّرت روحانيّته مع وصول البطريركان إلى دير القدّيس جاورجيوس- الحميراء حيث رفعا الصّلاة في كنيسته وسط حضور كنسيّ واجتماعيّ وشعبيّ، وقد ألقى رئيس الدّير الأرشمندريت أرسانيوس دحدل كلمة قال فيها:
"نرحّب بكم أجمل ترحيب في هذا الدّير الّذي يجمع في حناياه أريج وعطر التّاريخ برونق وجمال الحاضر، ويتألّق اليوم، ويزداد بركة بحضوركم. يزيّن هذا الدّير العريق، الّذي يعود تاريخ تأسيسه إلى ما بين القرنين الرّابع والسّادس، هذه المنطقة، ممّا جعل من وادي النّصارى لؤلؤة يفوق جمالها الوصف؛ فهو القلب النّابض الّذي يجمع بمحبّته كلّ أطياف المجتمع السّوريّ.

يعود فضل عودة الحياة الرّهبانيّة في هذا الدّير إلى صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا، الّذي ترأّس هذا الدّير لمدّة 13 عامًا، قبل أن يصبح متروبوليتًا على أوروبا. إنّ هذا الدّير كان، وما زال، ملجأ تعزية للكثيرين ولكلّ المتعبين بسبب هموم الحياة، خاصّة في الأزمة الّتي ألمّت ببلدنا الحبيب. كان يستقبل ويحتضن الكثيرين ممّن اضطروا على مغادرة منازلهم نتيجة الحرب. اليوم، قدومكم يا صاحب القداسة من صربيا، أرض الشّهداء والقدّيسين، إلى ديرنا، وإلى هذه المنطقة بالذّات، إنّما هو رسالة سلام، ودعم وتثبيت لكلّ أبنائنا في هذا البلد الحبيب.

إسمحوا لي أن أقدّم لكم (أنغولبيون) للعذراء، نقشنا عليها اسم ديرنا، ليكون قريبًا من قلبكم الكبير، لكي تحملونا في صلاتكم وتحملوا سورية الجريحة، فتستمطر رحمة الخالق الحنون، ويحلّ من جديد في سورية الأمن والسّلام. كما نقدّم لكم درع الشّهيد العظيم جاورجيوس، كي يحمي صربيا وسورية".

وللمناسبة، ردّ البطريرك الصّربيّ قائلاً: "نحن لا نعلم إذا كنّا نعيش في حلم أم حقيقة. فزيارتنا إليكم تحمل إلينا بركة ونعمة كبيرتين، لأنّ ما رأيناه وما شاهدناه من استقبالات شعبيّة، يجعل الإنسان يعيش في كنف فسيسفساء روحيّة لا مثيل لها. منذ لحظة وصولنا، شعرنا أنّنا في بلد القدّيسين، وتأثّرنا كثيرًا، عندما رأينا الكنائس والأديرة المدمّرة. هذا يجب أن يشجعنا على التّمسّك بإيماننا، ويشجّعكم أكثر على التّمسّك بأرضكم. نحن إلى جانبكم، لأنّنا عشنا المصير نفسه.
إسمحوا لي أن أشكر الدّولة السّوريّة رئيسًا وقيادة وشعبًا لوقوفهم وتضامنهم معنا في قضيّة كوسوفو. هذا يدلّ أنّ العلاقة بين الدّولتين علاقة صداقة وأخوّة".

وقدّم بعدها أيقونة القدّيس سابا الصّربيّ للدّير، ومنح بركته للمؤمنين في ختام الزّيارة، في صالون الدّير.