ثقافة ومجتمع
02 كانون الأول 2014, 22:00

لبنان يودّع بحبّ كبير من اتّخذ من الحبّ وطناً له

(ساندرا زيناتي، تيلي لوميار) على الأكف حمل عملاق لبنان، على الأكف حمل عقل الوطن الخالد المفتون بثالوث الحق والخير والجمال، وعلى وقع كلماته، شعره وأغانيه بدأ رحلته الجديدة. لن نقول وداعاً لمن حفر اسم لبنان بحروف من ذهب في كتاب التاريخ الأرضي بل إلى اللقاء يا اسماً من زمرد سافر إلى جوار الغمام الزرق الضياء متخطياً مسرح الشمس ليعلي لبنان على حدود السماء. إلى اللقاء يا من تُقت ولطالما استعددت لهذه الساعة، ارقد بسلام يا من لهفت روحُك لرؤية جمال الخالق، فألست أنت من كتبت الله في كلمات من ايمان ؟ ألست أنت من قال أعطنا ربي أن نراك فكل ما دون وجهك الجم وهم؟لبنان بأكمله يودعك، لبنان الذي أردته أن يكون عظيماً هو بالفعل عظيم، عظيم بك يا من أعليت الصوت مرارا وتكرارا قائلا: وطني الحب فليس في الحب حقد. بحبك توحد لبنان ونسي خلافاته وأزماته واستحقاقاته الدستورية وبقلوب تفيض حباً واحتراماً نقول إلى اللقاء أيها الشاعر الصغير.
انصهر أسطورة لبنان في حنايا خشب الأرز وصخرة من جبال الصوان، صخرة تهافتت كلماته وعناوين أعماله لتكللها، معانقة من كتبها بروحه قبل فكره، مؤكدة أن كل شيء فانٍ وجل ما يبقى هو الأعمال. وبما أن سعيد عقل لا يمكن اختصاره بالكلمات جاءت كلماته هو لتعرف عنه وتعبر عن وفائها له، مرافقة إياه بالجسد هو الذي سافر بالروح معانقاً ربه. ووسط موكب مهيب وصل جثمان الراحل إلى كاتدرائية مار جاورجيوس وسط بيروت من جامعة سيدة اللويزة. وبحضور فعاليات سياسية رسمية وديبلوماسية، عسكرية وأمنية، روحية واجتماعية، فنية وإعلامية، إلى جانب أفراد عائلته وحشود غفيرة من اللبنانيين الآتين من مختلف المناطق اللبنانية والخلفيات السياسية والطائفية، ترأس البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي بحضور لفيف من الآباء والكهنة مراسم جنازة الأديب والشاعر سعيد عقل، المولود على كتف نهر البردوني، مؤكداً في كلمته أن الموت قد غيّب وجه مهندس الشعر ما يعتبر خسارة كبيرة إلا أن نتاجه سيبقيه حياً في العقول والقلوب من جيل إلى جيل، مستعرضاً أعماله من شعر ونثر، هو الذي كتب بجرأة وصراحة مطلع الثلاثينات في عديد من الصحف. كما علّم أجيالاً كثيرة ليكون نتاجه الأول في الكتابة هو مسرحية بنت يفتاح، أولى مسرحيات لبنان الكلاسيكية، وقد ألفها وهو في الثالثة والعشرين من العمر.
هذا واستشهد الراعي بالعديد من أقوال الشاعر والأديب، الذي استهل مسيرته الأدبية بقراءة كتب اللاهوت، فهي أعمق من الفلسفة والفن، وعلى حد تعبيره يصبح الانسان صاحب كمالٍ عندما يدرس اللاهوت.
وجد سعيد عقل كنزه في الجمال الالهي المسكوب في الانسان والطبيعة ولبنان، فأغنى عمره باستثمار ما أنعم الله عليه من وزنات مزاوجاً بينها وبين ثقافته التي اكتسبها من خلال قراءاته الكثيرة والمنفتحة على الآخر. وخلال رحلتِه الأرضية التي قضاها في بحث دائم عن المعنى العميق للأشياء أضحى عقل، كما قال البطريرك الراعي، مهندساً في شعره بارعاً فيه كمهندس معماري ونحات ورسام وجوهرجي.
إنه مهندس النفس الوطنية الذي استنار من الروح الالهي الملهم، فكان الفنان الخفي الذي رسم الكون بحيث تلاقت عبقرية الانسان بنعم الرب الاله فولد جمال كلل العالم.
تحتفل السماء اليوم بعرس أدبي بامتياز، ومن كنيسة مار جاورجيوس المارونية انتقل جثمان سعيد عقل على وقع كلماته وأشعاره وعلى تصفيق حار متوجهاً إلى حبيبته زحلة ليكون هو نجمها اللي ما بينطال.
انتقل بسلام أيها الأديب العملاق والمؤمن إلى رحاب الجمال الالهي في السماء. هنيئاً لك فقد وجدت الكنز واللؤلؤة، وجدت ملكوت السماوات. واليوم يتساءل لبنان هل سيولد فكر كفكرك يؤكد أنه لا يمكن السكوت والتغاضي عن الأخطاء المرتكبة بحق السياسية لأنها تضيع الفرص على بلدنا لبنان؟ أرقد بسلام واحمل لبنان أيقونة معك إلى الأخدار السماوية.