صحّة
21 أيلول 2021, 07:15

لقاحات كوفيد-19: إتساع رقعة عدم المساواة يعرّض حياة الملايين للخطر

الأمم المتّحدة
يتّفق القادة في المجال الصحي أن تحقيق عالم خال من فيروس كورونا لن يكون ممكنًا إلا بإعطاء الجميع فرصًا متساوية في الحصول على اللقاحات. فقد أسفر الفيروس منذ اجتياحه العالم، في بداية 2020، عن وفاة أكثر من 4.6 مليون شخص، ولكن من المتوقع أن ينخفض معدّل الوفيات إذا تمّ تطعيم المزيد من الأشخاص.

ومن المرجح أن تقوم البلدان المتقدمة بتطعيم مواطنيها، الأمر الذي يخاطر بإطالة أمد الجائحة، واتساع رقعة عدم المساواة العالمية.

وعقد كبار مسؤولي الأمم المتحدة، أمس الاثنين، حوارا رفيعا في الأمم المتحدة، ضمن فعالية "الوقفة الخاصة بأهداف التنمية المستدامة"، بهدف مناقشة مسألة المساواة في اللقاحات. وبهذه المناسبة الخاصة، توضح أخبار الأمم المتحدة أهمية تحقيق المساواة في إعطاء اللقاحات.

 

ماذا تعني  المساواة في اللقاحات؟

بكل بساطة، تعني المساواة في إعطاء اللقاحات ضرورة أن يتمتع جميع الناس، أينما كانوا في العالم، بفرص متساوية في الحصول على اللقاح الذي يوفر الحماية ضد عدوى كـوفيد-19.

وقد حددت منظمة الصحة العالمية هدفا عالميا يتمثل في تطعيم 70 في المائة من سكان جميع البلدان، بحلول منتصف عام 2022، ولكن في سبيل تحقيق هذا الهدف، تبرز هناك حاجة إلى الحصول على اللقاحات بشكل أكثر إنصافا.

وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية، إن المساواة في اللقاح "ليست أمرا معقدا، ولا يعد عملا خيريا. إنها مسألة صحة عامة وستكون في مصلحة الجميع".

 

ما أهمية الإنصاف في الحصول على اللقاحات؟

بصرف النظر عن الجدل الأخلاقي القائل إنه ما من بلد أو مواطن يستحق أكثر من آخر، بغض النظر عن مدى ثرائه أو فقره، فإن مرضا معديا مثل كوفيد-19 سيظل يشكل تهديدا عالميا، طالما أنه موجود في أي مكان في العالم.

وبالتالي، فإن التوزيع غير المنصف للقاحات لا يجعل الملايين أو المليارات من الناس عرضة للفيروس القاتل فحسب، بل إنه يسمح أيضا بظهور المزيد من المتغيرات الفتاكة، وانتشارها في جميع أنحاء العالم.

علاوة على ذلك، فإن التوزيع غير المتكافئ للقاحات سيعمق مسألة عدم المساواة ويزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وسيعكس عقودا من التقدم الذي تم تحقيقه بشق الأنفس في مجال التنمية البشرية.

وفقا للأمم المتحدة، سيكون لعدم المساواة في توزيع اللقاحات تأثير دائم على الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وسيؤدي إلى حدوث انتكاسة في التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بحلول 2030.

وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن ثمانية من بين كل عشرة أشخاص ممن يُتوقع وقوعهم في براثن الفقر، بصورة مباشرة، في عام 2030، بسبب الجائحة، يعيشون في أفقر دول العالم.

تشير التقديرات أيضا إلى أن الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة الصحية قد تستمر حتى عام 2024، في البلدان منخفضة الدخل، في حين أن البلدان ذات الدخل المرتفع قد تصل إلى معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي للفرد، لفترة ما قبل الجائحة، بحلول نهاية هذا العام.

 

هل تتحقق هذه المساواة فعلا؟

لا! ليس كذلك، وفقا للدكتور تيدروس، الذي قال في نيسان/أبريل من هذا العام أن "المساواة في اللقاحات هي التحدي الحقيقي في عصرنا الحالي ... وبصدد أن نفشل (في تحقيقها)".

تشير الأبحاث إلى أنه سيتم إنتاج لقاحات كافية في عام 2021، لتغطية 70 في المائة من سكان العالم، البالغ عددهم 7.8 مليار نسمة.

ولكن مع ذلك، يتم حجز معظم اللقاحات للدول الغنية، في حين أن الدول الأخرى المنتجة للقاحات تقيد تصدير الجرعات حتى تتمكن من ضمان تطعيم مواطنيها أولا، وهو نهج أطلق عليه اسم "قومية اللقاح".

ومن الأمثلة على مسألة "قومية اللقاح"، فقد تم تسليط الضوء على قرار بعض الدول بإعطاء جرعات معززة للمواطنين، ممن حصلوا بالفعل على اللقاحات، بدلا من إعطاء الأولوية بشأن الحصول على تلك الجرعات للأشخاص غير المحصنين في البلدان الفقيرة.

ولكن مع ذلك، فإن النبأ السار، الذي حملته بيانات منظمة الصحة العالمية، هو أنه اعتبارا من 15 أيلول/سبتمبر، تم إعطاء أكثر من 5.5 مليار جرعة، في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن معظم اللقاحات المتاحة تتطلب جرعتين، وبالتالي فإن عدد الأشخاص المحميين من الفيروس أقل بكثير.

 

ما الدول التي تحصل على اللقاحات حاليا؟

بكل بساطة، تحصل البلدان الغنية على غالبية اللقاحات، حيث تكافح العديد من البلدان الفقيرة لتحصين حتى عدد صغير من مواطنيها.

وفقا للوحة القيادة العالمية بشأن المساواة في الحصول على اللقاحات، التي أنشأها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الصحة العالمية، وجامعة أكسفورد، فإنه اعتبارا من 15 أيلول/سبتمبر، تم تطعيم 3.07 في المائة فقط من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل بجرعة واحدة على الأقل، مقارنة بـ 60.18 في المائة في البلدان ذات الدخل المرتفع.

يبلغ معدل التطعيم في المملكة المتحدة بالنسبة للأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة، على الأقل، حوالي 70.92 في المائة، بينما يبلغ هذا المعدل في الولايات المتحدة حاليا 65.2 في المائة.

ولكن معدل التطعيم في البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع والمتوسط ​​لا يسير بشكل جيد؛ فقد قامت نيوزيلندا بتطعيم 31.97 في المائة فقط من عدد سكانها الصغير نسبيا، البالغ حوالي خمسة ملايين نسمة، على الرغم من أن معدل التطعيم في البرازيل وصل حاليا إلى 63.31 في المائة.

ولكن مع ذلك، فإن الإحصائيات في بعض أفقر بلدان العالم تعطي صورة قاتمة. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تلقى 0.09 في المائة فقط من السكان جرعة واحدة؛ في بابوا غينيا الجديدة وفنزويلا، يبلغ معدل التطعيم 1.15 في المائة و20.45 في المائة على التوالي.

 

ما تكلفة توفير اللقاح الواحد؟

تُظهر البيانات الواردة من منظمة اليونيسف أن متوسط ​​تكلفة اللقاح الواحد يتراوح بين دولارين و37 دولارا (هناك 24 لقاحا تمت الموافقة عليها من قبل هيئة تنظيمية وطنية واحدة على الأقل) وتبلغ تكلفة التوزيع المقدرة بالنسبة للفرد 3.70 $. ويمثل هذا عبئا ماليا كبيرا على عاتق البلدان منخفضة الدخل، حيث يبلغ متوسط ​​الإنفاق الصحي السنوي للفرد، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 41 دولارا.

وتُظهر لوحة قياس الإنصاف في الحصول على اللقاحات أنه بدون دعم مالي عالمي فوري، سيتعين على البلدان منخفضة الدخل زيادة إنفاقها على الرعاية الصحية، بنسبة تتراوح بين 30 و60 في المائة، في سبيل تحقيق هدف تطعيم 70 في المائة من مواطنيها.

 

ما الذي تفعله الأمم المتحدة في سبيل تعزيز وصول أكثر إنصافا إلى اللقاحات؟

عملت منظمتا الصحة العالمية واليونيسف مع منظمات أخرى لإنشاء وإدارة مرفق الوصول العالمي للقاح كوفيد-19، المعروف باسم كوفاكس. وقد وصفت منظمة الصحة العالمية المبادرة، التي تم إطلاقها في نيسان/أبريل 2020، بأنه "تعاون عالمي رائد لتسريع استحداث وتصنيع لقاحات مضادة لمرض كوفيد-19، وضمان إتاحتها بشكل عادل ومنصف لكل بلدٍ من بلدان العالم".

يبلغ عدد المشاركين في المرفق، حاليا، 141 مشاركا، وفقا للتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع (غافي)، المدعوم من الأمم المتحدة، ولكنها ليست الطريقة الوحيدة التي يمكن للبلدان من خلالها الوصول إلى اللقاحات، حيث يمكنها أيضا عقد صفقات ثنائية مع الشركات المصنعة.

 

هل سيؤدي تكافؤ فرص الحصول على اللقاحات إلى إنهاء الجائحة؟

من الواضح أنها خطوة حاسمة، وفي العديد من البلدان الأكثر ثراء، تعود الحياة إلى طبيعتها، شيئا فشيئا، بالنسبة لكثير من الناس، حتى وإن كانت بعض البروتوكولات الخاصة بشأن كوفيد-19 لا تزال سارية.

الوضع في البلدان الأقل نموا أكثر صعوبة. فبينما يتم الترحيب بتوفير اللقاحات، المقدمة في إطار مرفق كوفاكس، في جميع أنحاء العالم، فإن النظم الصحية الضعيفة، بما في ذلك نقص العاملين الصحيين، تساهم في تفاقم التحديات بشأن الوصول والتوزيع على أرض الواقع.

ولا تختفي قضايا الإنصاف بمجرد تسليم اللقاحات في البلد؛ ففي بعض الدول، الغنية منها والفقيرة، قد يستمر عدم المساواة في التوزيع.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن حتمية توفير المساواة في الحصول على الرعاية الصحية ليست بالطبع مشكلة جديدة، ولكنها أساسية بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة، وبشكل أكثر دقة، الهدف 3 بشأن الصحة الجيدة والرفاه، والذي يدعو إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتوفير الأدوية الأساسية واللقاحات، بأسعار معقولة، لجميع الناس.