لماذا علينا أن نعمل أعمالًا صالحة؟
وفي عظته، تناول العبسيّ الأعمال الصّالحة على ضوء متّى 5: 14-19، وتي 3: 8-15، قال فيها نقلًا عن إعلام البطريركيّة: "تقيم الكنيسة اليوم ذكرى للآباء القدّيسين الّذين شاركوا في المجامع المسكونيّة السّتّة الأولى، تلك المجامع الّتي حدّدت شيئًا فشيئًا الإيمان المسيحيّ المستقيم والتّعليم المسيحيّ الصّحيح. في هذه المناسبة نقرأ في اللّيتورجيّا الإلهيّة مقطعًا من رسالة بولس إلى تيطس ومقطعًا من إنجيل متّى يتكلّم كلاهما عن "الأعمال الصّالحة" المطلوب من كلّ مسيحيّ أن يعملها.
أودّ أن أتأمّل معكم في هذا الصّباح في الأسباب الّتي ذكرها السّيّد المسيح في الإنجيل والقدّيس بولس في رسائله الّتي تدعو إلى عمل الأعمال الصّالحة. لماذا علينا أن نعمل أعمالًا صالحة؟
1- أعمال نافعة ومثمرة
يجيب القدّيس بولس في رسالة اليوم إنّ الأعمال الصّالحة مطلوبة من المسيحيّ لأنّها أعمال مثمرة وحسنة ونافعة للنّاس، أيّ لأنّها أعمال تقود النّاس إلى خلاصهم. وفي هذا الجواب يردّ القدّيس بولس على المسيحيّين الّذين يقضون وقتهم في الكلام البطّال وفي المباحثات السّخيفة وفي الخصومات والمماحكات على النّاموس، أيّ المسيحيّين الّذين ليس عندهم شاغل إلّا أن يتكلّموا بالنّظريّات أو، كما نقول اليوم، "ينظّرون" على النّاس. يتكلّمون ويتناقشون في أصول المحبّة والتّواضع والإحسان والصّيام وما إلى ذلك، وينقّبون ويستشهدون بالكتاب المقدّس وكتب الآباء وآراء اللّاهوتيّين والمدارس اللّاهوتيّة والفلسفيّة وغيرها، ولكنّهم لا يعيشون ما يدرسونه ويناقشونه ولا يطبّقونه في حياتهم المسيحيّة اليوميّة. هؤلاء لا ينفعون لأنّ الإيمان المسيحيّ ليس نظريّات وحسب بل هو ممارسة، هو اختبار، هو عيش، هو حياة. يقول القدّيس يعقوب: "يا إخوتي، أيّ منفعة لمن يقول إنّ له إيمانًا ولا أعمال له؟... أنا من أعمالي أُريك إيماني... إنّ الإيمان من دون الأعمال ميت" (يع 2: 14، 18، 26).
2-أعمال تضيء كالنّور
ثمّ إنّ الأعمال الصّالحة مطلوبة منّا لأنّنا نشهد بها على إيماننا قدّام النّاس. إنّها مثل النّور لا يمكن أن تخفى. يقول القدّيس بولس لتلميذه تيموثاوس: "كذلك الأعمال الصّالحة فإنّها واضحة وما لا يُرى منها لا يمكنه أن يخفى" (١ تيم 5: 25). كلّ مسيحيّ هو نور لأنّه نال نور يسوع في سرّ المعموديّة ونال نور الرّوح القدس في سرّ الميرون. لكنّ المسيحيّ الّذي لا يعمل أعمالًا صالحة يُبقى هذا النّور في داخله ولا يشعّه على الآخرين. إنّه يشبه النّور الّذي قال عنه يسوع إنّه يوضع تحت المكيال، النّور المخبّأ الّذي لا يراه أحد. في حين أنّ المسيحيّ قد نال نور يسوع ليس من أجله هو وحده فقط بل من أجل أن يشرك به النّاس كلّهم لكي يمجّدوا هم أيضًا الأب الّذي في السّماوات. إنّ النّور قد جُعل لكي يضيء في الدّاخل وفي الخارج. بما أنّ النّور الّذي فينا هو نور المسيح فلا يحقّ لنا أن نحتفظ به لأنفسنا. علينا أن نشرك فيه الآخرين لكي يروا هم أيضًا يسوع ويتعرّفوا عليه ويتبعوه وينالوا به الخلاص. لأنّ الله "يريد أنّ جميع النّاس يخلصون ويبلغون إلى معرفة الحقّ" (١ تيم 2: 4).
3-أعمال مقنعة
كذلك الأعمال الصّالحة مطلوبة من المسيحيّ لأنّها مقنعة. يقول القدّيس بطرس: إنّ "مشيئة اللٰه أن تُفحموا بأعمالكم الصّالحة جهالة القوم الأغبياء" (١ بط 2: 15). وإنّ السّيّد المسيح نفسه قال يومًا لليهود المتصلّبين في عنادهم: "إنّ الأعمال الّتي خوّلني الآب أن أتمّمها، هذه الأعمال بعينها هي نشهد لي بأنّ الآب قد أرسلني" (يوحنّا ٣٦ :٥). لا شكّ أنّ التّعليم والوعظ يبدّدان الجهل عند النّاس الّذين لا يعرفون يسوع، غير أنّ العمل له أثر أكبر وأعمق. كيف يسعني أنّ أصدّق إنسانًا يكلّمني ويعظني بكذا وكذا وهو لا يعمل ما يقول؟ يقول المثل الشّعبيّ "إنّ المثل جرّار". فإذا أردت أنا أن أطلب من الغير أمرًا عليّ أوّلًا أن أكون من المتمّمين لهذا الأمر. إنّ النّاس في هذه الأيّام خصوصًا ما عادت تصدّق الكلام. العصر عصر أفعال وإنجازات إن أردنا أن نكسَب ثقة النّاس وحبّهم وتقديرهم. إن كان النّاس لا يتبعوننا فلأنّنا نفتقد إلى المفتاح الّذي يجذبهم وهذا المفتاح هو أعمالنا الصّالحة. متى رأوا وأيقنوا أنّ كلامنا ليس كلامًا وحسب بل كلام نعيشه في كلّ تفاصيل حياتنا فإنّهم سوف يقتنعون ويمجّدون اللّٰه أبانا. في هذا الصّدد يقول القدّيس بطرس: "اسلكوا بين الأمم مسلكًا حميدًا، حتّى إنّهم فيما يفترون عليكم كأنّكم أشرار، يلاحظون أعمالكم الصّالحة فيمجّدون اللّٰه في يوم الافتقاد" (١ بط2: 12). يعني أنّ النّاس إذا ما ظنّوا أنّ أفكارنا هي شريرة وتعاليمنا سيّئة، إلّا أنّهم مع ذلك حين يشاهدون أنّ أعمالنا صالحة يتأثّرون بهذه الأعمال وينجرّون بها ويمجّدون اللّٰه عليها.
4-أعمال خُلقنا لأجلها
أخيرًا يذهب القدّيس بولس في ما يخصّ الأعمال الصّالحة المطلوبة من المسيحيّين إلى أبعدَ ممّا أوردناه فيقول لأهل أفسس: إنّنا نحن المسيحيّين قد "خُلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصّالحة" (أف ٢: 10). نلاحظ أنّ بولس يستعمل هنا كلمة "خُلقنا"، ذلك أنّه يرى، وترى الكنيسة معه، أنّ الّذين يعتمدون بالمسيح والّذين هم للمسيح يصيرون خليقة جديدة، يُخلقون من جديد. ومن أهداف بل من أركان هذه الخليقة الجديدة، الّتي هي نحن المسيحيّون، أن تقوم بالأعمال الصّالحة. وبتعبير آخر فإنّ هدف المسيحيّين على الأرض هو أن يعملوا أعمالًا صالحة، إنّ رسالةَ المسيحيّين في العالم هي أن يعملوا أعمالًا صالحة. وهذا ما مات الرّبّ يسوع من أجل تحقيقه، على حسب تعليم بولس أيضًا في رسالته إلى يطس حيث يقول: إنّ يسوع قد "بذل نفسه لأجلنا ليفتدينا من كلّ إثم ويطهّر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا على الأعمال الصّالحة" (تي 2: 14).
5-خلاصة
كلّ ما سبق يخوّلنا أن نصنع المعادلة التّالية: أنا مسيحيّ إذن أنا رجل الأعمال الصّالحة. أنا رجل الأعمال الصّالحة إذن أنا نور العالم. لنصلّ بعضنا من أجل بعض لكي نكون جميعنا في هذا العالم، ما طلب القدّيس بولس من تلميذه تيموثاوس أن نكون (اتيم 6: 18)، أغنياء بالأعمال الصّالحة الّتي نذَّخر بها لأنفسنا رأس مال راسخًا للمستقبل به نستطيع أن نفوز بالحياة الحقّة. آمين."