الفاتيكان
28 شباط 2023, 12:15

لمن قال البابا فرنسيس "إلتزموا لكي تكونوا جوقة"؟

تيلي لوميار/ نورسات
مقتبسًا عن الأسقف القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ، دعا البابا فرنسيس عمداء وأعضاء هيئة التّدريس والطّلّاب والموظّفين في الجامعات والمؤسّسات الحبريّة في روما إلى الالتزام ليكونوا "جوقة" والتّناغم والانسجام، وذلك في كلمة توجّه بها إليهم خلال استقبالهم في قاعة بولس السّادس في الفاتيكان، يوم السّبت.

وفي تفاصيل الكلمة، قال الأب الأقدس بحسب "فاتيكان نيوز": "أنتم رجال ونساء مكرّسون للدّراسة، بعضكم لبضع سنوات، وآخرون لمدى الحياة، بخلفيّات ومهارات متنوّعة. لهذا أريد أن أقول لكم أوّلاً بكلمات الأسقف القدّيس والشّهيد إغناطيوس الأنطاكيّ: إلتزموا "لكي تكوِّنوا جوقة". إنَّ الجامعة في الواقع، هي مدرسة التّوافق والانسجام بين الأصوات والأدوات المختلفة. ويصفها القدّيس جون هنري نيومان بأنّها المكان الّذي تُعبِّر فيه المعارف ووجهات النّظر المختلفة عن نفسها بانسجام وتكمّل بعضها بعضًا وتصلح بعضها بعضًا وتوازن بعضها بعضًا.

يتطلّب هذا التّناغم أن تعزّزوا أوّلاً في ذواتكم، أشكال الذّكاء الثّلاثة الّتي تهتزّ في النّفس البشريّة: ذكاء العقل، وذكاء القلب، وذكاء اليدين، وكلُّ شكل بطابعه الخاصّ وميزته. وبشكل خاصّ أريد أن أتوقّف معكم عند الذّكاء الأخير: ذكاء اليدين. إنّه الذّكاء الأكثر حسّيّة، لكنّه لذلك ليس الأقلّ أهمّيّة. في الواقع، يمكننا أن نقول إنّه مثل شرارة الفكر والمعرفة، وفي بعض النّواحي أيضًا نتيجتهما الأكثر نضجًا. لقد كان أرسطو يقول، على سبيل المثال، إنّ اليدين هما "مثل الرّوح"، لأنّهما تمتلكان القوّة، بفضل حساسيّتهما، للتّمييز والاستكشاف. وكذلك لم يتردّد كانط في تسميتهما "العقل الخارجيّ للإنسان".

لننظر إلى يدي المسيح. لقد أخذ بهما الخبز وبارَكَ، ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَ تلاميذه وقال: "هذا هُوَ جَسَدي". ثُمَّ أخَذَ الكأس وشَكَرَ وناوَلَهم، وقالَ لَهم: "هذا هو دَمي". ماذا نرى؟ نرى اليدين اللّتين تشكران بينما تأخذان. لقد لمست يدا يسوع الخبز والخمر والجسد والدّمّ والحياة نفسها وشكرتا، لأنّهما تشعران أنّ كلّ شيء هو عطيّة من الآب. لنصنع الانسجام في داخلنا إذن، من خلال جعل أيدينا "إفخارستيّة" مثل يديِّ المسيح ومرافقة اللّمسة في كلِّ تواصل وقبضة، بامتنان متواضع وفرِحٍ وصادق.

وإذ تحافظون على الانسجام الدّاخليّ، أدعوكم بعد ذلك لكي تكوِّنوا جوقة أيضًا بين المكوّنات المختلفة لجماعاتكم، وبين المؤسّسات المختلفة الّتي تمثّلونها. على مرّ القرون، أدّى سخاء وبصيرة العديد من الرّهبانيّات، المستوحيان من مواهبها، إلى إثراء روما بعدد ملحوظ من الكلّيّات والجامعات. أمّا اليوم، حتّى إزاء العدد القليل من الطّلّاب والمعلّمين، يواجه هذا التّعدّد في مراكز الدّراسة خطر إهدار طاقات ثمينة. وهكذا، بدلاً من تعزيز نقل الفرح الإنجيليّ للدّراسة والتّعليم والبحث، هو يهدّد أحيانًا بإبطائه وإرهاقه. ولذلك علينا أن نتصرّف. ولاسيّما بعد جائحة فيروس الكورونا، من المُلحِّ أن تُطلقوا عمليّة تؤدّي إلى تآزر فعّال ومستقرّ وعضويّ بين المؤسّسات الأكاديميّة، من أجل استكمال أفضل للأهداف المحدّدة لكلّ منها وتعزيز الرّسالة العالميّة للكنيسة. لذلك، أدعوكم لكي لا تكتفوا بالحلول القصيرة الأمدّ، ولكي لا تفكّروا في عمليّة النّموّ هذه ببساطة وكأنّها إجراء "دفاعيّ"، يهدف إلى التّعامل مع التّدهور في الموارد الاقتصاديّة والبشريّة. بل يجب أن يُنظر إليها كدفع نحو المستقبل، ودعوة لقبول تحدّيات عصر جديد في التّاريخ. إنّ ميراثكم هو ميراث غنيّ جدًّا، ويمكنه أن يعزّز حياة جديدة، ولكنّه قد يحدّها أيضًا إذا أصبح ذاتِيُّ المَرجِع. إذا كنتم تريدون أن يكون له مستقبل خصب، فلا يمكن أن تقتصر حراسته على الحفاظ على قد نلتموه وإنّما يجب أن تنفتح على تطوّرات شجاعة، وحتّى غير مسبوقة، إذا لزم الأمر. إنّه مثل البذرة الّتي، إذا لم تُزرع في أرض الواقع الملموس، فإنّها تبقى وحيدة ولا تُثمر.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الرّجاء هو واقع جوقة! انظروا ورائي إلى تمثال المسيح القائم من بين الأموات، عمل الفنّان بِريكليه فاتزيني، الّذي أراده القدّيس بولس السّادس على هذه المنصّة وفي هذه القاعة. راقبوا يدي المسيح: إنّهما مثل يدي مدير الجوقة. إنّ يدي المسيح تشركان في الوقت عينه الجوقة والعازف المنفرد، لأنّ أدوارهم تتوافق فيما بينها، في تكامل بنّاء. "إنّه دوركم!" وفي الوقت عينه هو "دورك أنت!" أيضًا. هذا ما تقوله يدا القائم من بين الأموات. وفيما نتأمّل في حركة يديه، لنجدّد التزامنا لكي "نكوِّن جوقة"، في تناغم وتوافق الأصوات المطيعة لعمل الرّوح القدس الحيّ. هذا ما أسأله في الصّلاة لكلّ واحد منكم ومن أجلكم جميعًا. أبارككم من كلِّ قلبي وأوصيكم ألّا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."