لنكن في المسيح لرؤية الحقيقة
الكرازة بالملكوت لها مكانة بارزة في فكر الإنجيليّين الأربعة ولا سيّما عند القدّيس متّى الذي سجّل لنا كلمات يوحنّا المعمدان ودعوته عندما شرع يبشّر بمعموديّة التوبة في برّيّة اليهوديّة قائلًا: "توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات".
شددّ القدّيس متّى الإنجيليّ على بدء حياة يسوع الكرازيّة، فهو بشّر بهذا الملكوت في مطلع رسالته العلنيّة: "توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات"، بالتالي، يرتكز حدثُ الكرازة بالملكوت أوّلًا وآخرًا على ما حقّقه حضور الربّ يسوع الذي جاء ليخلّص الإنسان وينهيَ غلبة الشيطان عليه ويحرّر أولاد آدم وبناته من قيود إبليس وأجناده كلّها.
نرى في إنجيل متّى (12: 22-45) كيف أنّ يسوع، بقدرته الإلهيّة، طرد من رجُل شيْطانًا أعمى-أخرس: أعمى، غير قادرٍ على رؤية الحقيقة، وأخرس لا يستطيع أن يعترف بألوهة يسوع... هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نرى مواجهة الربّ يسوع تفكيرَ الفرّيسيّين فمنهم من سأل إن كان يسوع ابن داود، أيْ ابن الملك مسيح الربّ الذي يحمل الخيْر، ومنهم من اعتبروه ساحرًا باسم الشيطان يُخرج الشياطين. أمام هذين الموقفيْن، يتكلّم يسوع ويقول "كلّ مملكة تنْقسم على ذاتها تَخرب".
كيف لنا أن نكرز اليوم بالملكوت؟
أوّلًا: الكرازة تعني المُناداة علنًا بالإنجيل للعالم أي التبشير العلنيّ بعمل الله الفدائيّ بالمسيح يسوع ولا سيّما لمن لم يعرفوا "تَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْض"( أع 1: 8).
ثانيًا: الكرازة الصحيحة تنبع من الكتاب المقدّس، أرسل الله يونان ليكرز لأهل نينوى وأيضًا نوح "كان نُوحًا كَارِزًا لِلْبِرّ" والرسل: "لأَنَّنَا نَحْنُ لاَ يُمْكِنُنَا أَلّا نَتَكَلَّمَ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا" (أع 4:20(.
على مَن يكرز بالملكوت أن يتحلّى بالإيمان وأيضًا بحكمة الكلام ممتلئًا من روح الله، متمتّعًا بعلاقة شخصيّة مع المسيح، حريصًا على المناداة بكلام الله وليس بكلامه هو، متشبّعًا بروح الإنجيل ومشوراته ومتزّينًا بالفضائل المسيحيّة، محرَّرًا من قيود المادّة لتخطّي أيّ صعوبات أو تحدّيات في وجه الرسالة، كي يعرف الناس الحقّ في المسيح يسوع.
نصلّي معًا ونرفع طلباتنا ورغباتنا ونضعها على مذبح الشهادة الحقّة كي لا نكون عميانًا لا يرون الحقّ وبُكْمًا لا ينطقون بالحقّ ولا يشهدون له.
نطرح كلّ ضعف لدينا ليتحرّر عقلُنا وتُبصر عيوننا وينطق لساننا بأعمال الربّ وعِظَم محبّته فيتجلّى فينا شعاع الملكوت الذي لا نستطيع أن نتلمّسه خارجًا عن ذواتنا، ولنسير السير الحسن بقلوبنا نحو طريق التوبة الجذريَّة فلا نتخبّط بين النور والظلمة وبين الحقّ والباطل.
ولتكن عبادتنا لله وحده لأنّ العالم وشهواته يزولان أمّا الذي يصنع إرادة الله فيدوم إلى الأبد.