لبنان
23 كانون الأول 2025, 12:15

ماذا في رسالة العبسيّ لميلاد 2025؟

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ إلى أبناء كنيسته، إكليروسًا وعلمانيّين، رسالة الميلاد، وجاء فيها:

"إنّ مخلّصنا قد افتقدنا من العُلى، من مشرق المشارق،

نحن الّذين كنّا في الظّلّ والظّلمة، وقد صادفنا نور الحقّ،

لأنّ الرّبّ قد وُلِد من البتول". (نشيد الإرسال، سحر ميلاد السّيّد المسيح)

"نشيد الإرسال" تعريب للكلمة اليونانيّة Exapostilarion. يقع في صلاة السحر بين القانون والباكريّة. مختصر للعيد المحتفَل به. نرنّمه ثلاث مرّات نظرًا لأهمّيّته اللّاهوتيّة. غالبًا ما يرد فيه ذكر النّور.

• إنّ مخلّصنا 

بهذه المفرَدة يبتدئ "نشيد الإرسال" في سحر ميلاد السّيّد المسيح. تحيلنا هذه المفردة إلى البشرى الّتي نقلها الملائكة إلى البشر في ليلة ميلاد السّيّد المسيح: "إنّي أبشّركم بفرح عظيم [...]: وُلِد لكم مخلّص هو المسيح الرّبّ" (لوقا 2: 10-11). الخلاص هو محور بشارة السّيّد المسيح، بل فحواها، بل الخلاص هو السّيّد المسيح عينه: "ستلد ابنًا فتسمّيه يسوع لأنّه هو الّذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متّى 1: 21؛ لوقا1: 31). يسوع هو المخلّص. هذا هو لقبه الصّحيح، هذه هي حقيقته الجوهريّة. قد جاء يسوع مخلّصًا، ليخلّص البشر، ليمنحهم الخلاص: "ما أصدق هذا القول وما أجدره بكلّ قبول: إنّ المسيح يسوع قد أتى إلى العالم ليخلّص الخطأة الّذين أنا أوّلهم" (1 تيم: 1: 15)، "لأنّ الله لم يجعلنا للسّخط بل لاقتناء الخلاص بربّنا يسوع المسيح" (1 تس : 9). "ونحن قد عاينّا ونشهد أنّ الآب قد أرسل ابنه مخلّصًا للعالم" (1 يو 4: 14).

قد ننسى أو قد يغفل عن بالنا في أحيان كثيرة أنّ الخلاص هو هدف يسوع الأوّل والأخير. تاريخ الله مع البشر، من بعد سقوط الإنسان في الخطيئة وابتعاده عن الله، هو، في إيمان الكنيسة، تاريخُ الخلاص، هو سعي الله المتواصل إلى إرجاع الإنسان إليه، إلى الحياة معه، بشتّى الوسائل، وأخيرًا بابنه الوحيد، بتجسّده وموته وقيامته. والخلاص الّذي كلامنا عليه هو بالتّحديد الخلاص من الخطيئة، من هذه الكلمة الّتي تعني كلّ شيء يبعدنا عن الله، الّتي تعني الشّرّ بكلّ تعابيره وأشكاله، الّتي تعني الموت، لأنّ الحياة بعيدًا عن الله موت، ولأنّ الشّرّ موت: "أرسل الله ابنه من أجل الخطيئة في شبه جسد الخطيئة، فقضى على الخطيئة في الجسد" (روم 8: 3)، "بل هو نفسه أحبّنا وأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا" (1 يو 4: 10).

قد لا يرغب البعض في ذكر الخطيئة أو التّكلّم عنها أو اعتبارها حاصلة، بل قد يظنّها البعض شيئًا من مخلّفات الماضي، من مفرزات العقل البشريّ الضّعيف البدائيّ النّاقص، من تخيّلاته، من سخافاته، بحيث يتحوّل الخلاص إلى خلاص من أشياء مادّيّة بشريّة من مثل الخلاص من الفقر والجوع والمرض، إلخ... وخلاص من الظّلم والعنف والاستعباد، إلخ... بيد أنّ الخلاص الّذي جاء من أجله السّيّد المسيح ليس هذا. ليس السّيّد المسيح مصلحًا اجتماعيًّا أو سياسيًّا وليس عنده "برنامج إصلاحيّ" اجتماعيّ سياسيّ. عند السّيّد المسيح "تدبير خلاصيّ" أفصح عنه بوضوح: "إنّما أنا قد أتيتُ لتكون لهم الحياة وتكون لهم بوفرة" (يوحنّا 10: 10)، "وابن الإنسان قد جاء ليطلب ما قد هلك ويخلّصه" (لوقا 19 10).

• قد افتقدنا 

ورد افتقاد الله لشعبه في العهدين القديم والجديد (لوقا1: 68؛ 7: 16؛ أع 15: 14). في اللّغة العربيّة يعني فعلُ "افتقد" طَلَبَ الشّيءَ بعد غيابه. إنّ الله بمحبّته لنا نحن البشر وخوفه علينا وشوقه إلينا يطلبنا، يسأل عنّا بعد أن كنّا غبنا عنه ابتعدنا عنه، بعد أن كنّا ضللنا بفعل خطيئة الآباء. يذكّرنا هذا بنوع خاصّ بالأمثلة الّتي يوردها الإنجيليّ لوقا الواحدَ تلو الآخر في الفصل الخامس عشر على لسان السّيّد المسيح: مثل الخروف الضّالّ ومثل الدّرهم الضّائع ومثل الابن الضّالّ. التّعابير الّتي يستعملها السّيّد المسيح في هذه الأمثلة تدلّ على عظم اهتمامه بنا وتقديره لنا. في مثل الدّرهم الضّائع بنوع خاصّ يقول إنّه أضاع، يعني أنّه خسر. يشعر الله حين نبتعد عنه بخسارة، بأنّ شيئًا منه، جزءًا منه قد ضاع بحيث لا يكتمل فرحه إلّا باسترداد هذا الجزء: "إفرحوا معي فإنّي وجدت خروفي الضّالّ. فأقول لكم هكذا في السّماء يكون فرح بخاطئ يتوب"، "افرحن معي فإنّي قد وجدت الدّرهم الّذي أضعت. فأقول لكم إنّه هكذا يكون فرح عند ملائكة الله بخاطئ يتوب"، "كان لا بدّ من أن نتنعّم ونفرح لأنّ أخاك هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًّا فوُجد".

أمّا الفعل في اليونانيّ فهو Episkeptomai الّذي يحمل أكثر من معنى إنّما في الاتّجاه عينه: من الزّيارة للاطّلاع على الأحوال لاسيّما حال المرضى (متّى 25: 36؛ يعقوب 1: 27)، إلى المعونة، إلى النّظر بتدقيق، إلى التّدخّل، إلى الأخذ على العاتق. معانٍ يغني بعضها بعضًا ويقوّي بعضها بعضًا وتلتقي كلّها لتقول لنا عظم اهتمام الله وعنايته بنا، عظم محبّته لنا وحنوّه علينا، عظم شوقه إلينا وخوفه علينا حتّى تضحيته بنفسه من أجلنا. كلّ هذه المعاني تصوّرها الإيقونوغرافيا اليونانيّة في أكثر من إيقونة قد تكون من أجملها وأكثرها تعبيرًا أيقونة الرّاعي الصّالح يحمل على منكبيه الخروف الضّالّ، الّتي تترجم بالألوان قول الإنجيل: "إذا ما وجده يحمله على منكبيه فرحًا" (لوقا15: 5). ومن الملاحظ أنّ الفعل الّذي كلامنا عليه يُستعمَل أكثر ما يُستعمَل عندما يتعلّق الأمر بالخلاص والفداء.

• من العلى، من مشرق المشارق

ليس المخلّص الّذي افتقدنا بميلاده شخصًا عاديًّا ولا بشرًا عاديًّا، ليس ملكًا ولا رئيسًا مثل سائر الملوك والرّؤساء، ليس قائدًا ولا زعيمًا يشبه من نراهم على أرضنا. إنّه "الملك المولود الّذي ظهر نجمه في المشرق" والّذي "رأى المجوس نجمه ووافوا ليسجدوا له". إنّه "الخبز النّازل من السّماء"، من العلاء. إنّه "الكلمة الّذي كان في البدء عند الله... وصار جسدًا وسكن فيما بيننا".المخلّص الّذي افتقدنا هو ابن العليّ. لذلك فالافتقاد الّذي جرى هو افتقاد إلهيّ، هو تنازل إلهيّ، هو انحناء الله على البشر. "من العلى، من مشرق المشارق" تعبيران يدلّان على المسافة الشّاسعة جدًّا الّتي كانت تفصل بين الله وبيننا، مسافة لم تحلّ مع ذلك دون افتقاد المخلّص لنا، "الّذي هو في صورة الله والّذي أخلى ذاته آخذًا صورة عبد وصائرًا شبيهًا بالبشر". حدث مذهل لم يستوعبه ولن يستوعبه عقلنا إنّما نقبله بالإيمان "مؤثرين الصّمت الّذي لا خطر فيه".

"من العلى من مشرق المشارق" تعبيران يعنيان أيضًا أنّ يسوع المخلّص هو المَشرق نفسه، منه ينطلق كلّ شيء وبه يبدأ كلّ شيء، "به كان كلّ شيء وبغيره لم يكن شيء ممّا كان". هنا يلتقي نشيد الإرسال مع نشيد العيد في قول الحقيقة الواحدة عينها: "لأنّ السّاجدين للكواكب... عرفوا أنّك المَشرق الّذي من العلاء". تشدّد الكنيسة على هذه الحقيقة وتردّدها في ميلاد السّيّد المسيح لتذكّرنا بأنّ ولادة يسوع المسيح ليست من نمط الولادات البشريّة وأنّ الطّفل المولود ليس طفلًا مثل أطفال النّاس: "إنّه طفل جديد، الإله الّذي قبل الدّهور". هذا ما أُعلم به الرّعاة حين جاؤوا ليروا "هذا العجب"، وهذا ما أُعلم به المجوس حين جاؤوا يسألون قائلين:"أين المولود ملك اليهود فإنّا قد رأينا نجمه في المشرق فوافينا لنسجد له" "وفتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرًّا". هذه الحقيقة الّتي عبّرت عنها الكنيسة في مجمع نيقية عام 325 الّذي نحتفل هذا العام بمئويّته السّابعة عشرة حيث أعلن الآباء إيمانهم بيسوع المسيح قائلين: "ونؤمن بربّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كلّ الدّهور، نور من نور، إله حقّ من إله حقّ [...] الّذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السّماء وتجسّد من الرّوح القدس ومن مريم العذراء وتأنّس".

• نحن الّذين كنّا في الظّلّ والظّلمة ووجدنا نور الحقّ

جملتان متقابلتان تُقرأ الثاّنيةُ على ضوء الأولى: المخلّص الّذي افتقدنا جاء من مشرق المشارق حيث يولد النّور ومن حيث يشعّ النّور. إعتمادًا على قول يسوع نفسه، النّورُ مرادف للحقّ في العبارتين اللّتين تستعملهما الكنيسة واللّتين تحملان المعنى نفسه: "النّور الحقيقيّ" (لقد نظرنا النّور الحقيقيّ...) أو "نور الحقّ" (راجع أيضًا إكسابوستيلاريون الظّهور وغيره). يسوع المسيح كنّى نفسه بالاثنين:"أنا الطّريق والحقّ والحياة"، "أنا نور العالم"، "لقد جئتُ إلى العالم أنا النّور لكي لا يمكث في الظّلام كلّ من يؤمن بي" (يوحنّا 12: 46). ليس من حقيقة خارجًا عن يسوع المسيح وليس من نور خارجًا عن يسوع المسيح. بعيدًا عن هذه الحقيقة وعن هذا النّور لا نرى الأشياء والأمور ولا ندرك حقيقتها."بنوره نعاين النّور" و"لا نمشي في الظّلام". حين ابتعد يهوذا عن يسوع، حين خرج من العشاء، "كان ظلام".

هذا ما يفسّر العبارة الأولى الّتي تؤكّد أنّنا قبل أن يأتي يسوع ويولد "كنّا في الظّلّ والظّلمة". كنّا في الظّلمة أيّ إنّنا لم نكن نرى الأشياء ولا ندرك حقيقتها. و"كنّا في الظّلّ" أيّ كان الله مع ذلك يرسل إلينا إشارات نعلم بواسطتها أنّ هناك أشياء وأمورًا لا نراها ولا ندركها الآن وهنا وإنّما في القادم من الأيّام "حين يتمّ ملء الزّمان"، حين لا يعود الله "يكلّمنا بالأنبياء كلامًا متفرّق الأنواع والأجزاء" بل بابنه الوحيد كلامًا واحدًا تامًّا نهائيًّا.

التّعليم الّذي تعلّمنا الكنيسة إيّاه في إكسابوستيلاريون الميلاد ليس إلّا تعليم الرّسل الّذين استقوه من الرّبّ يسوع: "لقد كنتم من قبل ظلمة أمّا الآن فأنتم نور في الرّبّ" (أف 5: )، "لقد انتزعنا من سلطان الظّلمة ونقلنا إلى ملكوت ابنه الحبيب" (كول 1: 13)، "لتشيدوا بحمد الله الّذي دعاكم من الظّلمة إلى نوره العجيب" (1بط 2: 9)، "إنّ الله الّذي قال ’ليشرق من الظّلمة نور‘ هو الّذي أشرق في قلوبنا" (2كور 4: 6)، إلخ... الكتاب المقدّس هو المَعين الّذي تستقي الكنيسة منه ليس فقط عقائدها بل صلواتها أيضًا.

• لأنّ الرّبّ قد وُلد من البتول

الجملة الأخيرة من الإكسابوستيلاريون تحتوي في المعتاد على خلاصة العيد وتشكّل نقطة الثّقل: "إنّ الرّبّ قد وُلِد من البتول". في هذه الخلاصة تأكيدان من خارج قوانين الطّبيعة البشريّة الثّابتة ومنطق العقل البشريّ. ميلاد ابن الله من ناحية وميلاد من بتول من ناحية أخرى. في هذه الجملة الأخيرة تعلّمنا الكنيسة أوّلًا أنّ المخلّص الّذي افتقدنا هو "الرّبّ" أيّ هو الإله ولا أحد سواه. هذا ما تعلّمه أيضًا في القنداق: "قد وُلد طفل جديد هو الإله الّذي قبل الدّهور". وهذا ما أعلنه الملاك ليوسف: "إنّ المولود فيها إنّما هو من الرّوح القدس" (متّى 1: 20)، وما أعلنه لمريم: "هو الرّوح القدس يحلّ عليك وقدرة العليّ تظلّك لذلك فالمولود قدّوس وابنَ الله يُدعى" (لوقا1: 35).

وتعلّمنا الكنيسة من ناحية أخرى أنّ ميلاد يسوع قد حصل من بتول. كيف يكون هذا؟ لم يفتِ الأمرُ مريمَ فسألت الملاك كيف يحصل ذلك وكان جوابه إنّه عمل الله العليَّ القدير. لم تستطع مريم أن تقبل جواب الملاك غير المقنع بشريًّا إلّا بالإيمان فقط: "ليكن لي بحسب قولك"، أيّ بحسبي أنا ذلك غير ممكن ولكن إذا كان بحسب الله ممكنًا فأنا أومن بقدرته الكلّيّة. هذا ما قالته لنسيبتها إليصابات: "إنّ القدير صنع بي عظائم"، عجائب. وهذا ما وضعته الكنيسة من ثمّ في قانون إيمانها: "وتجسّد من الرّوح القدس ومن مريم العذراء".

بتوليّة مريم عقيدة قديمة ثابتة مبنيّة على معطيات الكتاب المقدّس وهي من القوّة بحيث إنّ الكنيسة جعلت من لفظة "البتول"، "العذراء"، اسمًا بديلًا لاسم مريم، حتّى إنّ لفظة "البتول" حلّت محلّ لفظة "مريم" في مواضع كثيرة من صلوات العيد ومن غير صلوات العيد وباتت تُعرَف هكذا: "اليوم العذراء تأتي إلى المغارة" "اليوم البتول تلد الفائق الجوهر"، إنّني أشاهد سرًّا عجيبًا [...] والبتول عرشًا شيروبيميًّا"، "ماذا نقدّم لك أيّها المسيح [...] أمّا نحن فأمًّا بتولًا"، "اليوم تلد البتول خالق الكلّ" (من صلوات العيد).

• ماذا بعد؟ 

في عالم كثرت في سمائه غيوم داكنة خانقة نحن في حاجة ماسّة إلى كوكب ساطع يطلع علينا من العلاء، من مشرق المشارق، يخترق الظّلمة إن كان لا يبدّدها، يشعّ بالرّجاء ولو على خلاف كلّ رجاء (روم 4: 18). عاشت البشريّة آلافَ السّنين على رجاء قدوم المسيح، وما زالت بعد قدومه في حاجة إلى هذا الرّجاء الّذي لا يمكن أن يراه أو يلمسه إلّا صاحب الإيمان والّذي لا يمكن للمحبّة أن تكون من دونه. "نحن الّذين كنّا في الظّلّ والظّلمة قد صادفنا نور الحقّ". ما أعظم الخبرة الّتي عاشها صاحب هذا القول، بالحريّ هذا الاعتراف، وما أعظم ما يكون رجاؤنا حين نرتّل هذا النّشيد الّذي ليس بالسّهل تصديقه لكثرة ما نحن فيه من ضيقات وشدّات وتجارب وملمّات ونوائب.

هل نستطيع اليوم أن نصرخ "لقد صادفنا نور الحقّ"؟ نعم نستطيع، بوجع قلبنا، بحيرة فكرنا، بتعب جسدنا، بتبدّد أحلامنا، بخربطة مشاريعنا، لأنّنا لسنا وحدنا، لأنّ عندنا "سحابًا كثيرًا كثيفًا من الشّهود"(عب 12: 1)، لأنّ عندنا سحابًا عظيمًا ملبّدًا من الشّهداء، لأنّ الرّجاء هو رجاء شعب الله كلّه، رجاء الكنيسة كلّها وليس رجاء أفراد. "لقد صادفنا نور الحقّ": يعني الكنيسة، "عمود الحقّ وقاعدته" (1تيم 3: 15)، هي الّتي قد صادفت نور الحقّ "وأبوابُ الجحيم لن تقوى عليها" (متّى 16: 18).

"هلمّ إذن نبتهج بالرّبّ مذيعين السّرّ الحاضر" (صلاة غروب العيد). فلنذهب إذن "إلى ساحات المدن وأزقّتها وإلى الطّرق والأسيجة" (لوقا14: 21-23)، إلى منابر العالم ومسارحه، إلى غاباته وصحاريه، إلى شواطئه وجباله، إلى مجمّعاته وحاناته، إلى جامعاته ومدارسه، ولنعلن عاليًا: "ملكك أيّها المسيح الإله ملك جميع الدّهور وسيادتك في كلّ جيل وجيل" (صلاة غروب العيد)، مبشّرين أنّنا "قد صادفنا نور الحقّ". لنبشّرْ بما لمسته أيدينا ورأته أعيننا وسمعته آذاننا (1 يو 1:1-2). النّاس في حاجة إلى من يفتقدهم. لقد افتقدنا الله ويريد أن يفتقد النّاسَ أيضًا بواسطتنا نحن "سفراءه يعظ بنا" (1كور 5: 2). يريد أن يمسح دموع النّاس بأيدينا، أن يبتسم لهم بعيوننا، أن يصغي إليهم بقلوبنا، "فلا يكون ليلٌ من بعد ولا يحتاجون إلى مصباح ولا إلى نور الشّمس لأنّ الرّبّ الإله ينير عليهم" (رؤيا 22: 5)، لأنّ المسيح الإله "شمس العدل" قد وُلد من البتول وقد "صادفنا نور الحقّ".

ميلاد مقدّس ومجيد."