الفاتيكان
15 شباط 2023, 14:20

ماذا يقول البابا فرنسيس عن شغف البشارة؟

تيلي لوميار/ نورسات
لحظتان تأسيسيّتان لكلّ تلميذ دعا البابا فرنسيس إلى تذكّرهما الصّحبة والانطلاق، مستخلصًا من خطاب يسوع التّبشيريّ الّذي وجّهه إلى تلاميذه قبل إرسالهم، ثلاثة جوانب: "لماذا نعلن، وماذا نعلن وكيف نعلن؟"، مستكملاً تعليمه حول شغف البشارة والغيرة الرّسوليّة خلال المقابلة العامّة اليوم الّتي أجراها في موعدها المعتاد في قاعة بولس السّادس في الفاتيكان.

وفي تعليمه قال الأب الأقدس بحسب "فاتيكان نيوز": "نواصل تعليمنا حول شغف البشارة والغيرة الرّسوليّة. بعد أن رأينا في يسوع نموذج الإعلان والمعلِّم، ننتقل اليوم إلى التّلاميذ الأوائل. يقول الإنجيل إنّ يسوع "أَقامَ مِنهُمُ اثنَي عَشَرَ– ودعاهم رسلاً– لِكَي يَصحَبوه، فيُرسِلُهم يُبَشِّرون". هناك جانب واحد يبدو متناقضًا: دعاهم لِكَي يَصحَبوه، فيُرسِلُهم يُبَشِّرون. قد يقول أحدهم: إمّا هذا وإمّا ذاك، إمّا لكي يصحبوه وإمّا لكي يذهبوا وينطلقوا. ولكن لا، بالنّسبة ليسوع لا يوجد ذهاب بدون صحبة ولا يوجد صحبة بدون ذهاب وانطلاق. لنحاول أن نفهم بأيّ معنى.

أوّلاً، لا يوجد ذهاب بدون صحبة: قبل أن يُرسل التّلاميذ في رسالة، يقول الإنجيل دَعا يسوع تَلاميذَه الاثَني عَشَر. إنَّ الإعلان يولد من اللّقاء مع الرّبّ، وكلّ نشاط مسيحيّ، ولاسيّما الرّسالة، يبدأ من هناك. إن نشهد له، في الواقع، تعني يعني أن نعكس نوره، ولكن إن لم نقبل نوره سننطفئ؛ وإذا لم نصحبه ونرافقه فسنحمل أنفسنا للآخرين بدلاً من أن نحمله، وسيكون كلّ شيء عبثًا. لذلك، يمكن أن يحمل إنجيل يسوع فقط ذلك الّذي يصحبه، كذلك، لا يوجد صحبة بدون ذهاب وانطلاق. إنّ اتّباع المسيح في الواقع، ليس حقيقة حميمة: بدون إعلان، بدون خدمة، بدون رسالة، لا تنمو العلاقة معه. نلاحظ أنّ الرّبّ في الإنجيل يرسل التّلاميذ قبل أن ينتهي من تحضيرهم وإعدادهم: فبعد فترة وجيزة من دعوتهم، أرسلهم! هذا يعني أنّ خبرة الرّسالة هي جزء من التّنشئة. لنتذكّر إذن هاتين اللّحظتين التّأسيسيّتين لكلّ تلميذ: الصّحبة والانطلاق.

بعد أن دعا التّلاميذ وقبل أن يرسلهم، وجّه المسيح لهم خطابًا يُعرف باسم "الخطاب التّبشيريّ". نجده في الفصل العاشر من إنجيل متّى ويشبه "دستور" الإعلان. من هذا الخطاب، الّذي أنصحكم بقراءته، أستخلص ثلاثة جوانب: لماذا نعلن، وماذا نعلن وكيف نعلن.

لماذا نعلن؟ يكمن الدّافع في خمس كلمات ليسوع، والّتي من الجيّد أن نتذكّرها: " أَخَذتُم مَجَّانًا فَمَجَّانًا أَعطوا". إنَّ الإعلان لا يبدأ منّا، بل من جمال ما تلقّيناه مجّانًا، دون استحقاق: اللّقاء بيسوع، والتّعرّف عليه، واكتشاف بأنّنا محبوبون ومخلَّصون. إنّها عطيّة عظيمة لدرجة أنّنا لا نستطيع الاحتفاظ بها لأنفسنا، ونشعر بالحاجة لأن ننشرها؛ وإنّما بالأسلوب عينه، مجّانًا. بمعنى آخر: لدينا عطيّة، لذلك نحن مدعوّون لأن نجعل من أنفسنا عطيّة؛ ينحن نحمل في داخلنا فرح أن نكون أبناء الله، علينا أن نشاركه مع الإخوة والأخوات الّذين لا يعرفون ذلك بعد! هذا هو سبب الاعلان.

ماذا نعلن إذن؟ يقول يسوع: "أَعلِنوا في الطَّريق أَنْ قَدِ اقتَرَبَ مَلَكوتُ السَّمَوات". هذا ما يجب أن يقال أوّلاً وقبل كلّ شيء: الله قريب. نحن، عندما نبشِّر، غالبًا ما ندعو النّاس لفعل شيء ما، ولا بأس بذلك؛ ولكن لا ننسينَّ أنّ الرّسالة الرّئيسيّة هي أنَّ الرّبّ قريب منّا. أن نقبل محبّة الله هو أمر صعب لأننا نريد دائمًا أن نكون في المحور وروّاد، نحن نميل أكثر إلى فعل أشياء بدلاً من أن نسمح بأن نُصاغ، كذلك نحن نميل أكثر إلى التّكلّم من الإصغاء. ولكن، إذا كان ما نقوم به في المرتبة الأولى، فسنبقى نحن الرّوّاد. فيما يجب أن يعطي الإعلان الأولويّة لله، وللآخرين فرصة قبوله والتّنبّه إلى أنّه قريب.

النّقطة الثّالثة، كيف نعلن؟ إنّه الجانب الّذي يتوقّف عنده يسوع أكثر من غيره. وهذا أمر مهمّ: يخبرنا أنّ الطّريقة والأسلوب أساسيّان في الشّهادة. يقول هذا "هاءَنذا أُرسِلُكم كالخِرافِ بَينَ الذِّئاب". هو لا يطلب منّا أن نعرف كيف نواجه الذّئاب، أيّ أن نكون قادرين على المجادلة والقتال والدّفاع عن أنفسنا. قد نفكّر على هذا النّحو: نصبح مهمِّين، وكثيرين، ومرموقين عندها سيصغي العالم إلينا ويحترمنا. لا أُرسِلُكم كالخِرافِ وكالحملان، هو يطلب منّا أن نكون هكذا: ودعاء وأبرياء مُستعدّين للتّضحية؛ هذا في الواقع ما يمثّله الحمل: الوداعة والبراءة والتّفاني. وهو الرّاعي سيتعرّف على حملانه ويحميها من الذّئاب. أمّا الحملان المُتنكِّرة بثياب الذّئاب فستُكشَف وتُلتَهَم. يكتب أحد آباء الكنيسة: "ما دمنا حملان، فسننتصر، وحتّى لو كنّا محاطين بالعديد من الذّئاب، سنكون قادرين على التّغلّب عليها. ولكن إذا أصبحنا ذئابًا، فسنُهزَم، لأنّنا سنُحرم من مساعدة الرّاعي، لأنّه لا يرعى الذّئاب بل الحملان".

وحول كيف يجب أن نعلن؟ يُدهشنا أنّ يسوع، بدلاً من أن يصف ما يجب أن نحمله في الرّسالة هو يقول لنا ما لا يجب أن نحمله: "لا تَقتَنوا نُقودًا مِن ذَهَبٍ ولا مِن فِضَّةٍ ولا مِن نُحاسٍ في زَنانيرِكم، ولا مِزوَدًا لِلطَّريق ولا قَميصَيْن ولا حِذاءً ولا عَصًا". هو يقول لنا ألا نعتمد على الضّمانات المادّيّة، وأن نذهب إلى العالم بدون روح العالم. هذا هو الأسلوب الّذي يجب أن نعلن به: أن نُظهر يسوع أكثر من أن نتكلّم عن يسوع. وفي الختام بالانطلاق معًا: إنَّ الرّبّ يرسل جميع التّلاميذ، ولكن لا أحد يذهب بمفرده. لأنَّ الكنيسة الرّسوليّة هي إرساليّة بأسرها وفي الرّسالة تجد وحدتها. لذلك: علينا أن نذهب وننطلق ودعاء وصالحين مثل الحملان، معًا وبدون روح العالم. وهنا نجد مفتاح الإعلان. لنقبل دعوات يسوع هذه: ولتكن كلماته مرجعنا."