العراق
20 آب 2019, 06:30

ماذا يقول البطريرك ساكو عن "القدّاس الكلدانيّ"؟

كتب بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو عن "القدّاس الكلدانيّ" واصفًا إيّاه بـ"ليتورجيا كونيَّة ديناميكيّة، عيد واحتفال، وينبوع حياةِ". وجاء في نصّه نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ:

 

"1- للقدّاس بأبعاده الكونيّة، ونصوصه الشّعريّة، وحركاته، ورموزه، ولاهوته، وروحانيّته، وريازة الكنيسة وزينتها، أهمّيّة بالغة في حياة المسيحيّين. إنّه ذُروة صلاتهم. وبمشاركتهم الفعّالة فيه، يندمجون في المسيح وفي الكنيسة، جسده السّرّيّ، وينالون نعمة للالتزام بإيمانهم والأمانة له. اللّيتورجيا "مصطلح يونانيّ" يعني "صلاة الشّعب" أمّا "الطّقس" فهو أيضًا لفظة يونانيّة تعني التّنظيم. ليتورجيّتنا شعريّة- ملحَّنة ينبغي تأوينها باستمرار، من أجل مشاركة أكثر حيويّة وتأثيرًا على حياة المؤمنين. هذا ما دعا إليه المجمع الفاتيكانيّ الثّاني قبل أكثر من خمسين سنة  "لكي يحصل الشّعبُ المسيحيّ بكلّ تأكيد على نعمٍ غزيرة في الطّقسيّات، أرادت أُمّنا الكنيسة المقدّسة أَن تعملَ بكلّ رصانة على تجديد الطّقسيّات العامّ بالذّات… ويقتضي هذا التّجديد تنظيم النّصوص والطّقوس بحيث تُعبِّرُ بأكثر جلاءً عن الحقائق المقدّسة اّلتي تعني، بحيث يتمكّن الشّعب المسيحيّ، على قدر المُستطاع، أن يفقهها بسهولة وأن يشترك بها اشتراكًا تامًّا، فعَّالاً وجماعيًّا، ولهذا قد رسم المجمع المقدّس هذه القواعد العاّمة" (دستور في اللّيتورجيا المقدّسة رقم 21).

2- القدّاس قمّة صلاة المسيحيّين، والتّعبير الأقوى عن إيمانهم، ووحدتهم، وشركتهم "حاولوا أن تكثفوا إجتماعاتكم، لتقدّموا شكركم وتمجيدكم لله… تكسرون الخبزة الواحدة اّلتي هي دواء الخلود"(أغناطيوس الأنطاكيّ، أفسس 13: 1، 20: 2) ثمّ "إنّ جسد المسيح الحقيقيّ هو إيمان المسيحيّين، ودمه هو محّبتهم" (تراليان 8: 1). القدّاس صلاة ديناميكيّة، وعيد واحتفال بموت المسيح وقيامته المجيدة، وعربون موتِ المؤمنين وقيامتهم أيضًا، وليس مجرّد شكل من أشكال العبادة. لذا ينبغي الإعداد له، وفهم مراحل الاحتفال به الّتي تعكس كلّ تدبير الخلاص، والاشتراك في الصّلاة والتّراتيل والطّواف والمناولة والشّكر، بحماسة وفرح.

3- عبَّر بولس الرّسول عن عشاء الرّبّ لكلّ الكنيسة بكلمات مؤثّرة: "فإنّي تلقّيتُ من الرّبّ ما بلّغته إليكم، وهو أنّ الرّبّ يسوع في اللّيلة الّتي اُسْلِمَ فيها، أخذَ خبزًا وشكرَ، ثمّ كسره وقال: "هذا هو جَسَدي، إِنَّه مِن أَجْلِكُم. إصنَعوا هذا لِذِكْري". كذلك أخذ الكأس بعد العشاء وقال: "هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلُّمَا شَرِبتُم فاصنَعوه لِذِكْري" (1قورنثس11: 23-26). إنّه التّواتر الرّسوليّ، يذكّر به بولس المؤمنين، ليستمرّ حضوره الأسراريّ في الكنيسة وهو لهم علامة الرّجاء: "أَلَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ أَلَيسَ الخُبْزُ الَّذي نَكسِرُه مُشارَكَةً في جَسَدِ المسيح؟" فنحن جسدٌ واحد لأنّه ليس هناك إلّا خبزٌ واحد، ونحن على كثرتنا جسدٌ واحد لأّننا نشترك في هذا الخبز الواحد" (1قورنثوس 10: 16-17).

4- القدّاس الكلدانيّ، المعروف بقدّاس الرّسل، هو أحد أقدم طقوس الكنيسة الجامعة، وأبسطها وأقربها إلى التّقليد الكتابيّ (الكتاب المقدّس). نجد فيه سمات مسيرة تلميذي عمّاوس (لوقا 24: 31 -35) قراءتان من موسى والأنبياء، وقراءتان من العهد الجديد، تشرح حياة يسوع وكلماته، وكسر الخبز. هذه الرّتبة تعود جذورها إلى القرن الثّالث، وقريبة من رتبة شرار عند الموارنة، ثمّ تطوّرت مع الزّمن وأضيفت عليها نصوص أخرى، لكنّها حافظت على لاهوت التّدبير ܡܕܒܪܢܘܬܐ، بحركته المزدوجة نحو الله ونحو الإنسان.

5- تنقسم الرّتبة إلى قسمين: الأوّل هو صلاة الشّكر على خلق الله، وعلى تدبيره الخلاصيّ. والثّاني يشدّد على آلام المسيح وموته ودفنه وقيامته كما جاء في هذه الصّلاة: "ونحن أيضًا، يا ربّ عُبادك الضّعفاء، المجتمعين بِإسمك والقائمين قُدّامَك الآن، وقد قبلنا بالتّواتر الرّسوليّ عن آبائنا، ما رسمهُ إبنُك، إنّنا نحتفل بتسبيح وفرح بِهذا السّرَّ العظيم…، سرّ آلام ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح وموته ودفنهِ وقيامته". رواية التّأسيس، أيّ كلمات يسوع في ليلة العشاء الأخير، غير موجودة في النّصّ الأصليّ، فالصّلوات والحركات تشدّد على دور الرّوح القدس الفاعل في الاحتفال. فهو يبارك ويقدّس ويحوِّل هذه القرابين إلى جسد المسيح ودمه. بعده تبدأ رتبة الغفران والمناولة والبركة الختاميّة. إنّه نصٌّ جميل وعميق ومُعبّر،ويحتاج الى بعض الرّتوش حتّى يغدو نصًّا معاصرًا. وهذا ما قمنا به في السّينودس الكلدانيّ على مدى الأعوام 2014 – 2018.

5-  القدّاس الثّاني والثّالث، ليسا من تراثنا، بل يعودان إلى التّراث البيزنطيّ– اليونانيّ ويُنسَبان إلى ثيودورس المصيصي ونسطوريوس، بطريرك القسطنطينيّة. وبالرّغم من اللّحن الجميل، فالنّصّان طويلان ومسهبان بالوصف الخياليّ والرّمزيّة والتّكرار. لقد قمنا بإصلاح الرّتبة الثّالثة في سينودس 2018 و2019. وتركنا الثّانية على حالها. أمّا الرّتبة الجديدة الّتي تحمل اسم "قدّاس مار توما الرّسول "فقد إستلهمتُها من صلوات الطّقس الكلدانيّ (الحوذرا)، وروحانيّته ونوَّعتُ الصّلوات بحسب المناسبة، أيّ الزّمن الطّقسيّ.

ينتقد البعض التّأوين، وكأنّه يقضي على الأصالة. هذا غير صحيح البتّة. فالتّأوين عمليّة طبيعيّة مطلوبة ثقافيًّا وروحيًّا وراعويًّا لاختلاف لغة النّاس وثقافتهم ومجتمعهم وحساسيّتهم وزمنهم ومكانهم. اليوم نحن نختلف عن القرن الثّالث أو السّابع. اللّيتورجيا من أجل النّاس، وليس العكس، يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ. اللّيتورجيا في أساسها تحمل بذور التّأوين والتّجديد. كما أنّها وسيلة وليست الهدف، الّذي هو تعميق معاني الصّلاة، وأبعادِها لتجسيدها في الواقع الحياتيّ اليوميّ. لقد بدأنا في السّنوات الأخيرة نهتمّ بتأوين طقوسنا لتأتي مفهومة للمؤمنين المشتركين فيها، لكنّنا حافظنا على أصالتها، أيّ أصولها. أذكر على سبيل المثال  المزمور 138: "أحمدك من كلّ قلبي وبين الآلهة أسجد لك"، ترى كيف سيفهم هذه العبارة شابّ لا يعرف اللّاهوت والتّفسير الكتابيّ؟ كذلك عبارة: "والرّوحانيّون خُدّام النّار والرّوح" هل هم مجوس؟ فغيَّرنا العبارة بِخُدّام النّور والرّوح. كما إنّ الصّلاة على القرابين ينبغي أن توَجَّه إلى الله الآب وليس إلى المسيح كما هي حاليًّا في نصّ أداي وماري. المسيح هو الذّبيحة المقدّمة للآب لخلاص البشر!".