لبنان
16 حزيران 2020, 13:50

ماذا يقول المتروبوليت سلوان مع بداية صوم الرّسل؟

تيلي لوميار/ نورسات
مع بداية صوم الرّسل، توجّه متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما للرّوم الأرثوذكس سلوان موسي، إلى آباء الأبرشيّة وشمامستها ورهبانها وراهباتها وأبناءها، في رسالة رعويّة توقّف فيها عند رسوليّة المؤمنين في هذا الزّمن، فكتب:

"مع انتهاء احتفالنا بعيد جميع القدّيسين، تفتح لنا الكنيسة باب صوم الرّسل، ذاك الصّوم الّذي ابتدأه الرّسل أنفسهم (أعمال 13: 2) والّذي ثبّت ممارسته المجمع المسكونيّ الأوّل وحثّ عليها. إنّه صوم يتحقّق فيه كلام الرّبّ: "ستأتي أيّام حين يُرفَع العريس عنهم فحينئذ يصومون" (متّى 9: 15) والمقصود به التصاقًا أكبر بالرّبّ في مسيرة التّلمذة وخدمة البشارة.

هكذا، مع حلول الرّوح القدس على الكنيسة في العنصرة ومعاينتنا ثمارَه في حياة القدّيسين وفعلَه المستمرّ في حياتنا، نعي كيف شقّت لنا الكنيسة، منذ عهد الجماعة الرّسوليّة الأولى، الطّريق الّذي رسمه يسوع في كرازته وأراد أن يرشدنا إلى عيشه بروحه القدّوس. إنّه طريق التّوبة الّذي نستمدّ عناصره بالصّلاة والصّوم والخدمة، بالإضافة إلى عيش الأسرار المقدّسة.

لم تجد الكرازة الرّسوليّة الطّريقة معبّدة أمامها، بل كابد الرّسل، عبر العصور، الكثير من الأتعاب والضّيقات والشّدائد. واليوم ليست الحال أفضل، لاسيّما بفعل روح العالم المسيطرة. لكن ما استبان من ضعف ووهن عامّ بفعل جائحة الكورونا يشكّل فرصة خصبة أمام البشارة الرّسوليّة، أيّ الدّعوة، بفعل الحاجة المطروحة، إلى التماس خبرة حقيقيّة مع الله وإيمان حقيقيّ بمحبّته وصلاحه وخيريّته وسيادته وعنايته. بات الالتصاق بالله أمرًا جوهريًّا كونه الضّمانة الأكيدة وصمّام الأمان للمؤمن في مسرى الأحداث الحاصلة. كلمة الكتاب المقدّس باتت نورًا لنا، وشخص يسوع هو نورها الحيّ المضيء كيان الإنسان كلّه.

لذا أن نطلب أن تتحقّق مشيئة الله في حياتنا، أن نسلّم ذواتنا إليه، أن نطلب نعمة الرّوح القدس، أن نتعلّم الصّلاة، أن نفتح ذواتنا للمحبّة الصّادقة، أن نتعاون ونتساعد، أن نستفقد بعضنا البعض، أن نبحث عن النّور الحقيقيّ، أن نتشارك الخير والصّلاح ونشجّع عليه... هذه كلّها حلقات من سلسلة طويلة مترابطة يجمعها الإيمان بيسوع المسيح وتعكس حياة التّوبة. إنّها حلقات تبرزها لنا حاجتنا إلى الحقيقة، الحقيقة الّتي في الله والّتي تخصّنا وتعنينا مباشرة، وحقيقة عودتنا إلى الالتصاق بالله. فتعاظم الإنسان وانتفاخه جعلانا ندرك حقيقتهما المرّة، الأمر الّذي فتح السّبيل أمامنا للتّفكّر بالذّات، والاتّضاع، وتلمس الحقّ والحياة الحقيقيّة الّتي بالإيمان بيسوع المسيح.

هذا يضعنا ضمن سلسلة أخرى، هي سلسلة حيّة من الشّهود، ابتداء من الرّسل الّذين بدأوا هذا الصّوم، ومن ثّم جميع أولئك الّذين صاموه ورفعوا الصّلاة مثلنا إلى "إله آبائنا الصّانع معنا دائمًا بحسب وداعته" حتّى "بتوسّلاتهم يدبّر بالسّلامة حياتنا". إنّه سياق الكنيسة الظّافرة والمجاهدة الّتي تنهض ببعضها وتنهض بالعالم أيضًا. هذا يشكّل حاضنة حيّة وحصنًا منيعًا وينبوعًا مغذّيًا للنّفوس، ونورًا للعالم المتعب والمضطرب.

فماذا علينا أن نفعل؟ أن نحافظ على رسوليّتنا في عالمنا المعاصر! هذا يكون بالإلتصاق بالله وبكلمته، بالتوبة الشخصيّة والجماعيّة، بالصلاة من القلب وبدموع، بتوسيع الرّؤية عبر الاهتمام الواحد بالآخر، بالشّهادة الصّامتة والمسموعة والمقروءة عن أعمال الله المجيدة، بتعزيز الإيمان في قلوب المؤمنين عبر الاستفقاد والمساعدة والخدمة. بإختصار، بالصّلاة القلبيّة والمحبّة الفاعلة، من قريب ومن بعيد. هذه كلّها تطرد الهمّ من القلوب، والقنوط من الإرادة، والخوف من النّفوس، وتجلب معها روح الشّجاعة الدّاخليّة، والمبادرة المسؤولة، والمشاركة الحيّة.

أذكروا في صلاتكم كلّ من يحمل على عاتقه هذه الرّسوليّة، واطلبوا أن تنمو في قلوب مَن يفتقدونها. شاركوا بعضكم البعض التّعزية، مهما كان حجمها، الّتي أُعطيتم من الله. نوّعوا أوجه التّعبير عن محبّتكم. باركوا حياتكم بالعطاء المادّيّ والرّوحيّ على السّواء.

هذا مع دعائي بأن يبارك الرّبّ جهادكم وخدمتكم وتوبتكم، مع عائلاتكم ورعاياكم وأخويّاتكم".