الأراضي المقدّسة
18 أيار 2023, 09:30

ماذا يقول بيتسابالا في عيد صعود الرّبّ؟

تيلي لوميار/ نورسات
في خميس صعود الرّبّ، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بالأفعال الّتي قام بها يسوع القائم من الموت: الاقتراب والتّكلّم، ووعده بعلاقة لا نهاية لها، وذلك على ضوء إنجيل متّى.

وفي هذا السّياق، يقول بيتسابالا نقلاً عن موقع البطريركيّة: "لا يورد الإنجيليّ متّى رواية صعود الرّبّ القائم من الموت، بل يختتم إنجيله بالآيات الّتي نستمع إليها اليوم.

وبدلاً من التّأكيد على رحيل يسوع، يشدّد متّى، على العكس من ذلك، على حضوره النّهائيّ والدّائم في وسط تلاميذه، وفي الكنيسة النّاشئة. لا يتحدّث أيٍّ فعل من الأفعال الّتي يكون يسوع القائم فاعلها عن الرّحيل والابتعاد بل، على العكس من ذلك، عن علاقة يسوع بتلاميذه وقربه منهم.

إنّ أوّل فعل ليسوع هو الاقتراب ("فدنا يسوع")، متّى ٢٨، ١٨: يقترب يسوع ويبدو أنّه يريد جَسرَ المسافة الّتي أوجدتها أيّام الألم بينه وبين تلاميذه. والفعل الثّاني هو التّكلّم: "كلّمهم قائلاً" (متّى ٢٨، ٨)، مختتمًا حديثه في الآية ٢٠، الّتي هي عبارة عن وعد بعلاقة لا نهاية لها: "هاءنذا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدّهر".

دعونا نتوقّف قليلاً عند كلمات يسوع الّتي تبدو غريبة في الظّاهر، حيث يقول إنّه قد أُعطِيَ كلَّ سلطان في السّماء وعلى الأرض؛ وبالتّالي فالتّلاميذ يمكنهم أن ينطلقوا، كي يُعلنوا الخلاص لجميع الأمم: لقد أُعطي يسوع كلّ سلطان، ولهذا يجب على التّلاميذ أن ينطلقوا. ماذا يعني هذا؟

هذا يعني أوّلاً أنّ سلطان يسوع هو سلطان قد مرّ بالصّليب.

وهذا يُعيد إلى الذّاكرة الحادثة المذكورة في متّى ٢٠، ٢٠-٢٨، حين تسجد أمّ يعقوب ويوحنّا أمام يسوع (تمامًا كما يسجد التّلاميذ أمامه في إنجيل اليوم)، طالبة منه أن يمنح ابنيها بعض السّلطان. ويُذكّرها يسوع، كما يُذكّر ابنيها، أنّ سلطانه يمرّ عبر كأس مرّ ينبغي أن يشرباها حتّى الثّمالة: "أتستطيعان أن تشربا الكأس الّتي أنا مزمع أن أشربها؟"، (متّى ٢٠، ٢٢).

والآن، وبعد أن شرب يسوع كامل هذه الكأس يمكنه أن يحصل من الآب على كلّ سلطان في السّماء وعلى الأرض. ويجدر بالملاحظة أنّ الإنجيليّ متّى يتحدّث عدّة مرّات، في رواية النّزاع في بستان الزّيتون، عن هذه الكأس (متّى ٢٦، ٣٩-٤٢) الّتي يقبل يسوع أن يشربها كي يُتمّم مشيئة الآب.

كانت السّيطرة على البشر، بعد الخطيئة الأولى، امتيازًا للموت: كان الموت هو الّذي يسيطر عليهم، ويحتجزهم رهائن. أمّا الآن فقد هزم يسوع هذا العدوّ، وانتزع البشر من قبضته، وأعادهم إلى الحياة.

يخبرنا توضيح يسوع أيضًا أنّ التّلاميذ ليس لديهم أيّ قوّة، إن لم تكن هذه، وأنّه لا يمكنهم الانطلاق سوى بفعل انتصار يسوع هذا على الموت. وبغير ذلك، لن يكون لديهم ما يقولونه أو ما يعطونه لأحد. في رسالة التّلاميذ إلى جميع الشّعوب، ليس لديهم شيء آخر يعطونه سوى ما تلقّاه الرّبّ يسوع من الآب بفضل موته وقيامته. إنّهم لا يفعلون أيّ شيء آخر، ولا يفعلون شيئًا جديدًا، ولا يتعيّن عليهم اختراع أيّ شيء. إنّهم، ببساطة، يشاركون في رسالة ربّهم الّتي أتمّها بالفعل للجميع.

إنّ الرّواية الكاملة لأعمال الرّسل لا تفعل أيّ شيء سوى إظهار هذه الحقيقة: وهي أنّ الكنيسة تقوم بنفس أعمال يسوع بين الشّعوب، وتردّد كلماته، تمامًا كما يمنحها الرّوح القدس القدرة على تذكّر ذلك والقيام به.

تنويه أخير.

قلنا إنّ التّلاميذ يشاركون في رسالة الرّبّ ويواصلون عمله.

وبالتّالي، فهناك استمراريّة عميقة، ولكن أيضًا تجديد واضح.

إذا كان عمل يسوع، قبل الفصح، موجّهًا إلى إسرائيل فقط (راجع رواية المرأة الكنعانيّة في متّى ١٥، ٢١-٢٨، وإرسال التّلاميذ، إلى "الخراف الضّالّة من بيت إسرائيل" والإيعاز لهم بعدم الذّهاب بين الوثنيّين في (متّى ١٠، ٥-٦)، فإنّ الرّسالة هنا لجميع الشّعوب: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم"، (متّى ٢٨، ١٩).

إنّ الانتصار على الموت هو نصر حقَّقه يسوع للبشريّة جمعاء، وليس لقلّة فقط.

إنّ مهمّة الكنيسة هي أن تحمل للجميع ما أعطاه يسوع لتلاميذه، وهي تحقّق بذلك ليس فقط دعوة إرساليّة، بل شموليّة أيضًا لأنّها تتوجّه إلى العالم كلّه. لا يوجد شعب، ولا توجد ثقافة غير مدعوّة لتلقّي بشرى المسيح السّارّة، وهي القدرة على منح الحياة الأبديّة لجميع الّذين يؤمنون."