ما قصّة الصّليب الّذي يحمله البابا الجديد على صدره؟
ففي داخل الصّليب ذخائر قدّيسين من عائل الرّهبنة الأغسطينيّة الّتي ينتمي إليها البابا لاون الرّابع عشر. القدّيسون جسّدوا في حياتهم معاني الأمانة، والإصلاح، والخدمة، والشّهادة حتّى الدّمّ.
هذا الصّليب، الّذي صمّمه صانع الذّخائر أنطونينو كوتّوني، هو أكثر من مجرّد تحفة فنّيّة. هو شهادة مرئيّة لإيمان حيّ، يربط البابا الجديد بجذوره الرّوحيّة في رهبنة نشأت عام ١٢٤٤ بقرار من الكرسيّ الرّسوليّ، وساهمت على مرّ القرون في بناء القداسة من خلال الحياة المشتركة، والتّأمّل، والدّراسة، والعمل الرّعويّ.
وكما كشف موقع "فاتيكان نيوز"، فـ"في قلب هذا الصّليب، قطعة من عظام القدّيس أوغسطينوس، ذاك الأب العظيم للكنيسة الّذي علّم أن الطّريق إلى الله تمرّ عبر أعماق الذّات، وأنّ العقل لا يُعارض الإيمان بل يُنيره. إنّها علامة على دعوة هذا البابا الجديد إلى السّير في درب التّأمّل والتّبشير بالكلمة المستنيرة بالعقل والإيمان".
و"في الجزء العلويّ من الصّليب ذخيرة والدته القدّيسة مونيكا، المرأة الصّابرة المثابرة، الّتي سقت ابنها بدموع الصّلاة حتّى عاد إلى حضن المسيح. وعلى الذّراع الأيسر ذخيرة للقدّيس توماس ودا فيلانوفا، الأسقف المُصلح الّذي عاش في القرن السّادس عشر، واشتهر برعايته للفقراء وتأسيسه لمعهد إكليريكيّ قبل أن يقرّ مجمع ترينتو قواعد التّنشئة الإكليريكيّة. وعلى الذّراع الأيمن، ذخيرة الطّوباويّ أنسلمو بولانكو، أسقف ترويل في إسبانيا، الّذي استشهد إبّان الاضطهاد الدّينيّ في الحرب الأهليّة الإسبانيّة، بعد أن رفض أن يترك شعبه أو يخون ولاءه للبابا. وأخيرًا، في قاعدة الصّليب، نجد ذخيرة خادم الله جوزيبه بارتولوميو مينوكيو، الأسقف الّذي واجه العاصفة النّابليونيّة بثبات إيمانيّ، رافضًا أداء قسم الولاء لنابليون، ومكرّسًا حياته لخدمة كنيسة روما.
هذه الذّخائر الخمس اختارها الأب يوزيف شيبّيراس، طالب دعاوى القدّيسين في الرّهبنة الأوغسطينيّة، كهديّة من الرّهبنة للكرادلة عند تعيينهم. وقد قُدِّمت إلى الكاردينال روبرت بريفوست في ٣٠ أيلول ٢٠٢٣، الّذي كان آنذاك رئيسًا عامًّا للرّهبنة، ثمّ أصبح لاحقًا خليفة بطرس. "كان متأثّرًا جدًّا عندما قدّمتها له"، يقول شيبّيراس، الّذي أرسل إليه، قبيل بدء الكونكلاف، رسالةً يوصيه فيها بأن يرتدي هذا الصّليب، متوسّلًا حماية القدّيس أوغسطينوس والقدّيسة مونيكا. ويضيف: "لا أعلم إنْ ارتداه بناءً على اقتراحي، لكن عندما رأيته يرتديه يوم القسم وحافظ عليه يوم انتخابه عندما أطلّ على الشّرفة المركزيّة في بازيليك القدّيس بطرس، شعرت بفرح عميق".
يُذكر أنّ القدّيسة مونيكا كانت قريبة على نحو خاصّ من قلب البابا فرنسيس، الّذي كثيرًا ما زار قبرها في كنيسة القدّيس أوغسطينوس في كامبو مارتزيو، سواء عندما كان كاردينالًا أو حبرًا أعظم.
إذًا، "إنّ البابا لاوُن الرّابع عشر، بحمله هذا الصّليب، يُعلن أنّه يضع حبريّته تحت شفاعة شهود قداسة عاشوا الإصلاح والرّسالة والأمانة، حتّى في أشدّ المحن. "هذا الصليب ليس مجرّد زخرفة"، يؤكّد الأب شيبّيراس، "بل علامة إيمان مرئيّة وتوجيهٌ رعويٌّ حيّ، ويرسم ملامح رسالة البابا الجديد في خدمة الكنيسة والعالم"."