الأراضي المقدّسة
12 آب 2022, 10:20

ما هي النّار الّتي جاء يسوع ليشعلها؟

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد العشرين من الزّمن العاديّ، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا برسالة يسوع الّذي جاء إلى الأرض من أجلها، متوقّفًا عند استعمال يسوع تعبير "النّار"، فقال بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"في الآحاد الماضية، حدّثنا يسوع عن الثّروات والخيرات وأخبرنا أنّ قلب الإنسان يكون حيث يكون كنزه.

أمّا اليوم فيبدو أنّ يسوع قد غيّر الموضوع وبدأ يتكلّم عن نفسه وعن رسالته. يقول إنّه جاء كي يُلقي على الأرض نارًا (لوقا ١٢: ٤٩)، وعبّر عن رغبته الشّديدة في أن تشتعل هذه النّار أيّ أن تنتشر الرّسالة الّتي جاء من أجلها. يبدو وكأنّه يقول إنّ كنزه هو هذه الرّسالة الّتي كلّفه الله بها.

ولكن ماذا يعني بقوله؟ ولماذا يستعمل يسوع هذه الصّورة؟

في العهد القديم استُخدمت صورة النّار إشارة إلى حضور الله وسط البشر. الله لا يمكن رؤيته وعليه فهو حاضر ومرئيّ من خلال رموز معيّنة مثل النّار.

دعونا نفكّر بموسى وخبرته والعلّيقة المشتعلة. يشهد موسى على نار تشتعل ولا تحترق. يقترب منها ويسمع من العلّيقة صوت الله يخاطبه (خروج ٣: ٢).

وهنا أيضًا نفكّر ببني إسرائيل عند خروجهم من الصّحراء، حيث يقود الله الشّعب بنفسه ويسير أمامه. وكان الشّعب يراه كعمود نار ليلًا وعمود غمام نهارًا (خروج ١٣: ٢١).

ثمّة العديد من الصّور الجميلة الّتي تصف عمل الله فينا مثل النّار الّتي لا تحترق. دعونا نتوقّف عند خبرة النّبيّ إرميا. كان إرميا متعبًا ومحبطًا ويرغب في نسيان الله، غير أنّه لم يستطع فعل ذلك لأنّ الله في داخله بمثابة نار لا تقاوم تحترق في داخله (إرميا ٢٠: ٩).

إن كانت صورة النّار تدلّ على حضور الله فيمكن أن نستنتج أنّ يسوع يأتي اليوم ليستحضر الله وسط البشر وليمثّله على الأرض.

لم يأتِ للقيام إلّا بهذا الأمر، أيّ من أجل أن يُقيم ملكوت الله ويلغي المسافة الّتي تفصل الإنسان عن خالقه.

هذه ليست رسالة سهلة ولهذا السّبب يشير يسوع إلى آلامه، الّتي يدعوها "معموديّة"، وهي اللّحظة الّتي سيكون فيها يسوع مغمورًا بمياه الموت. سوف تكون اللّحظة الحاسمة الّتي فيها تضيء النّار بكلّ روعتها.

في الحقيقة، في العهد القديم لا تشير صورة النّار إلى حضور الله فحسب، بل أيضًا إلى النّقاء والحكم والدّينونة. وربّما سمعنا بقول النّبيّ ملاخي في ذلك: "مَن الّذي يَقِفُ عِندَ ظُهورِه؟ فإنّه مِثلَ نار السّبّاك وكَمَسحوقٍ مُنَظِّفٍ لِلثِّياب" (ملاخي ٣: ٢).

بعد ذلك يُخبرنا يسوع أنّه هو حتمًا الّذي يمثّل حضور الله وسطنا كالنّار، غير أنّه حضور يجب أخذ موقف إزاءه. إنّ اللّقاء مع النّار في الواقع لا يترك الأمور كما كانت سابقًا. عندما دخل الرّبّ في حياته يتحوّل كلّ شيء. لا يمكن للّقاء مع الرّبّ إلّا وأن يُغيّرنا.

عادة ما نعتقد أنّ حضور الله بيننا سيجعل الأمور على ما يرام وأنّه سيحلّ جميع المشاكل. في الواقع، ليس الأمر كذلك. لا يمكننا قبول الرّبّ إن لم نرضَ عن أعماله، وهي أعمال النّار الّتي تُنقّي وتحرق جميع مشاعر التّعلّق المَرَضِيّة الّتي يتعلّق بها القلب، وجميع الثّروات والكنوز الباطلة.

عندما يأتي الرّبّ سوف يُنقّي ويقسّم تمامًا كما تفعل النّار. هذا وسيطال الأمر الرّوابط العائليّة الأكثر عمقًا. وهناك أيضًا تعمل النّار لتخلق أمرًا جديدًا حيث يحقّق كلّ ما هو قديم كماله ومعناه الحقيقيّ. سيطال الأمر جميع الرّوابط العائليّة والقبليّة والوطنيّة. جميع الرّوابط باختصار عليها أن تتأثّر بالإنجيل وأن يتمّ الحكم عليها وتنقيتها ومنحها الخلاص عبر حضور يسوع.

وبينما يتحدّث يسوع عن النّار، يذكر تلك الّتي تحترق داخله. حتّى يسوع، كما ورد في إرميا، داخله نار تحترق، وبطريقة ما تؤدّي إلى موته في النّهاية، وهو عمل لا يتهرّب يسوع منه. وهذه النّار هي حبّ الآب وإرادته لخير كلّ إنسان.

هذه هي النّار الّتي جاء يسوع ليشعلها."