لبنان
11 تموز 2023, 05:00

مزار للبابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني في بقرقاشا والرّاعي يطلب شفاعته من أجل لبنان

تيلي لوميار/ نورسات
كرّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي مزار القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني في بقرقاشا، يوم السّبت، في ذكرى مرور 25 سنة على زيارته الرّسوليّة للبنان وإصداره الإرشاد الرّسوليّ "رجاء جديد للبنان"، وتوقيعه في بيروت بتاريخ 10 أيّار/ مايو 1997. فترأّس قدّاسًا إلهيًّا بمشاركة النّائب البطريركيّ العامّ على نيابة الجبّة المطران جوزف نفّاع.

بعد الإنجيل المقدّس ألقى الرّاعي عظة بعنوان "الحصاد كثير، والفعلة قليلون. أُطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" (لو 10: 2)، جاء فيها:

"1. إتّخذ الرّبّ يسوع صورة الحصاد من عالم الزّراعة للدّلالة على حاجة النّاس إلى كلمة الإنجيل الّتي تفتح عقولهم وقلوبهم لهذه الكلمة الإنجيليّة الحاملة نعمة الخلاص. النّاس مثل سهول القمح البالغة، ويحتاجون إلى حصّادين رعاة يجمعونهم ويثمّرون مواهبهم وإمكاناتهم.

فمن أجل هذه الغاية اختار الرّبّ يسوع من بين التّلاميذ، الّذين تبعوه في تجواله وتعليمه، إثنين وسبعين، وأرسلهم ليعدّوا له سكّان المدن والقرى الّتي كان مزمعًا أن يذهب إليها. وحدّد لهم الأهداف الثّلاثة في رسالتهم. وهي: إعلان سرّ المسيح لجميع النّاس، وإعدادهم للّقاء الشّخصيّ مع يسوع، ونشر سلام المسيح في كلّ مدينة وموضع.

الإثنان والسّبعون أصبحوا اليوم كلّ الشّعب المسيحيّ الحامل هذه الرّسالة بتوجيهٍ من رعاة الكنيسة، مع موآزرة الكهنة معاونيهم، والرّهبان والرّاهبات المكرّسين لهذه الغاية.

أمام حاجات العالم اليوم، الشّبيه "بالحصاد الكثير"، نطلب من الله أن يرسل لكنيسته أمثال الإثنين والسّبعين يندفعون للرّسالة مثلهم بقوّة حبّهم للمسيح فادي الإنسان ومخلّص العالم.

2. يسعدنا وسيادة أخينا المطران جوزف نفّاع، نائبنا البطريركيّ العامّ في منطقة الجبّة، أن نحتفل معكم بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، بمناسبة تكريس مزار القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، على مدخل البلدة، في ذكرى مرور خمس وعشرين سنة على زيارته الرّسوليّة للبنان وإصداره الإرشاد الرّسوليّ "رجاء جديد للبنان"، وتوقيعه في بيروت بتاريخ 10 أيّار 1997. وهو إرشاد ضمّنه كلّ مكنونات عقله وقلبه بشأن لبنان ومكوّناته ورسالته وقد قال عنه إنّه "أكثر من بلد، هو نموذج ورسالة للشّرق كما للغرب".

3. أودّ أن أعرب باسمكم وباسمنا عن الشّكر العميق لإبن بلدة بقرقاشا العزيزة السّيّد المغترب مطانيوس جرجس تامر، الّذي لم يتمكّن من الحضور لدواعٍ صحّيّة. فانتدب إبنه عزيزنا جورج. فنرحّب به ونحمّله لوالده ولكلّ أفراد العائلة محبّتنا وتقديرنا وجزيل شكرنا. ونسأل الله، بشفاعة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني أن يفيض عليهم وعلى رعيّة بقرقاشا خيوره وبركاته.

ونوجّه تحيّةً إكبار للنّحّات نايف علوان على إنجاز تمثال البابا القدّيس بكامل قامته حاملاً لبنان الأرزة ومقدّمًا لنا الإرشاد الرّسوليّ داعيًا إيّانا للرّجاء وعدم القنوط. شكرًا للبابا يوحنّا بولس الثّاني لأنّه معنا يبارك كل مارّ من هنا ذهابًا وإيابًا.

4. تفاخر بقرقاشا العزيزة بأن يكون القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني شفيعها الجديد إلى جانب شفيعها مار نوهرا وشفعاء آخرين فنجد فيها: كنيسة أثريّة على إسم السّيّدة العذراء تعود إلى سنة 1810 وقد رُمّمت سنة 2019، ومحابس مار سمعان الأثريّة (١١١٢) حيث وجد أقدم كتاب للقراءات اللّيتورجيّة، ومغارة القدّيسة تقلا الأثريّة، ومزار مار يوحنّا المعمدان، وكنيسة مار جرجس القريبة من محابس مار سمعان، وقد كانت كرسيّ الأسقف في الماضي البعيد. نتمنّى أن يتعرّف أهالي بقرقاشا جيلًا بعد جيل على شخصيّة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني وروحانيّته، ويجعلوا من الإرشاد الرّسوليّ برنامج حياة بتوجيه من رعاة الكنيسة.

5. بالعودة إلى الإنجيل، يتأكّد لنا أنّ الإرسال الإلهيّ متواصل جيلًا بعد جيل حتّى بلغ إلينا. كلّنا مرسلون مثل التّلاميذ الإثنين والسّبعين والرّسل الإثني عشر. كلّنا مرسلون بحكم المعموديّة والميرون، وبعض منّا أيضًا بحكم الدّرجة المقدّسة كالأساقفة والكهنة والشّمامسة، والبعض الآخر بالنّذور الرّهبانيّة، كالرّهبان والرّاهبات.

هذا يعني أنّ رسالة الكنيسة ليست محصورة بالإكليروس، أساقفة وكهنة وشمامسة ورهبانًا وراهبات، بل هي مناطة أيضًا بالعلمانيّين المؤمنين المسيحيّين الملتزمين، سواء في لبنان أم في الخارج. الإرشاد الرّسوليّ "رجاء جديد للبنان" يدعو أبناء الكنيسة، إكليروسًا وعلمانيّين، للقيام بالرّسالة لدى مسيحيّي الشّرق الأوسط كما في إيران والسّودان وأفريقيا الشّماليّة (عدد 82)، ولدى اللّبنانيّين المنتشرين في مختلف بلدان العالم لمساعدتهم روحيًّا ومعنويًّا، وللعمل المشترك مع الكنائس المحلّيّة الأخرى. كما يدعوهم للعمل المسكونيّ، الرّامي إلى وحدة المسيحيّين الكاملة، مع الكنائس الأرثوذكسيّة والبروتستنتيّة روحيًّا واجتماعيًّا وراعويًّا، بغية الحفاظ على شركة الإيمان والمحبّة (عدد 85-87)، وللحوار مع الأديان من أجل التّعاون في إنماء الإنسان والمجتمع، ومن أجل قيام عيش مشترك سليم وبنّاء على مستوى الحياة والثّقافة والسّياسة (عدد 89-93).

ما أحوجنا اليوم الى قراءة هذا الإرشاد، لنعرف أين هو مكاننا اليوم في هذا الواقع الّذي نعيشه، وما هو دورنا كمسيحيّين ولماذا نحن هنا. وما هو دور المسؤولين السّياسيّين. لا يمكننا العيش كيفما كان. فالإرشاد الرّسوليّ يضعنا أمام مسؤوليّتنا التّاريخيّة والوجوديّة.  

6. فليدرك كلّ الّذين يتعاطون الشّأن العامّ، الّذي يعني العمل السّياسيّ، أنّهم هم أيضًا، وعلى الأخصّ، أصحاب رسالة رفيعة الشّأن لكونها تخدم الخير العامّ، وتؤمّن الحقوق والواجبات لكلّ مواطن ومواطنة، وتضمن نموّهم الشّامل ونموّ المجتمع، من خلال تنظيم الدّولة ومؤسّساتها الدّستوريّة والإداريّة والقضائيّة.

ومن المؤسف القول إنّ الّذين بلغ إليهم هذا الفنّ الشّريف- السّياسة- إنّهم بأغلبيّتهم يدمّرونه بأغلبيّتهم من دون أيّ رادع ضمير، أو حياء بشريّ من الرّأي العامّ الدّاخليّ والخارجيّ، أو مخافة الله الدّيّان العادل.

7. ونسألهم: لماذا أيّها المسؤولون تفتعلون العقد، وتبحثون عن حلّها خلافًا للدّستور؟ وتعتبرون عقدكم ومخالفاتكم الدّستوريّة "ضرورة"؟ فتجعلون المجلس النّيابيّ غير الاشتراعيّ هيئة تشريعيّة فيما هو منذ بداية الفراغ في سدّة الرّئاسة مجرّد هيئة ناخبة؟ وتعطون حكومة تصريف الأعمال صلاحيّة رئيس الجمهوريّة في التّعيينات المحفوظة له؟ وإن لم تفعلوا تهدّمت المؤسّسات وكأنّها من كرتون! وهكذا تفتعلون نزاعًا دستوريًّا يضاف إلى الانقسام السّياسيّ القائم. "حرام لبنان!" لبنان الّذي باركه البابا يوحنّا بولس، ونحن اليوم نخلّد ذكراه. ليس هكذا يفكّر البابا يوحنّا بولس الثّاني عن لبنان، وليس هذا هو لبنان الّذي يريده البابا القدّيس.

8. فيا أيّها السّادة في المجلس النّيابيّ والحكومة، إنّ الضّرورة الأولى والأخيرة ومفتاح حلّ كلّ عقدكم هما في انتخاب رئيس للجمهوريّة. وإن لم تفعلوا، فإنّكم تقترفون جريمة الخيانة العظمى بحقّ الدّولة والشّعب، والخيانة هي أمّ كلّ الجرائم!

أيّها السّادة النّوّاب، يوجد لديكم مرشّحان مارونيّان محترمان لرئاسة الجمهوريّة، فادخلوا المجلس النّيابيّ وانتخبوا واحدًا منهما رئيسًا وفقًا للدّستور الّذي ينصّ في مقدّمته على أنّ "لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة" (ج). فإذا لم يُتنخب أحد منهما بعد ثلاث دورات متتالية على الأقلّ، فاحترامًا لكرامتهما، عندئذ تتحاورون لإيجاد مرشّح ثالث غيرهما. ويكفيكم إضاعة الوقت والمؤسّسات تتساقط الواحدة تلو الأخرى بانتظار الإلهام من الخارج كقاصرين. هذا الكلام يمليه علينا البابا يوحنّا بولس الثّاني.

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،

9. فلنصلِّ إلى الله بشفاعة القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، كي يهزّ ضمائر السّياسيّين فيدركوا حجم الأضرار الّتي تقع على رؤوسهم، ويساعد الشّعب اللّبنانيّ على الصّمود بإيمانه وبحبّه للبنان وطنه الغالي. ونرفع نشيد المجد والتّسبيح للآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".