لبنان
18 نيسان 2024, 08:25

مشروعٌ أبعادُهُ خمسة: الروحانيّة، التجذّر، الوطن، الزراعة، الأخلاق – البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
كلمة البطريرك الكردينال بشاره بطرس الرَّاعي في مناسبة إطلاق البرنامج الزراعيّ-الإنسانيّ لمنظّمة فرسان مالطه، يلقيها باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ويشكر فيها المنظّمة على اهتمامها بلبنان من خلال مؤسّساتها المتنّوعة والموزّعة في مختلف المناطق اللبنانيّة، وقد أتت الكلمة في السابع عشر من نيسان (أبريل) 2024.

 

رحّب البطريرك أوّلًا بالشخصيّات والمسؤولين في منظّمة فرسان مالطه ذات السيادة، وحيّا الحاضرين المشاركين في اللقاء وهو: إطلاق برنامج زراعيّ - إنسانيّ جديد لمنظّمة مالطا.  

"الشكر كلّه لها على هذا المشروع الذي يضاف الى ما حقّقت من مشاريع لخدمة اللبنانيين في مختلف حاجاتهم. وإنّي بكلمتي أتوقّف عند أربعة من أبعاد هذا المشروع.

البعد الأول، الروحانيّة

يكشف المشروع قدسيّة الأرض والعلاقة بين الخالق والإنسان. سلّم اللهُ الإنسانَ الأرضَ لكي يحرسها محافظًا عليها، لأْنّ منها يستمدّ هويّته ورسالته، وعليها يكتب تاريخه وحضارته. فأرضه جميلة لا يحقّ له تشويهُها، وهي إرثٌ لا يحقّ له تبديده.

وبفضل التجسّد الإلهيّ في هذا الشرق أصبح للأرض قيمةٌ خلاصّية ينبغي الاعتناء بها والمحافظة عليها واحترامها، لأنّها لم تعد أرضَ الإنسان وحده، بل أرضَ التجسّد الإلهيّ أيضًا، وصاحبةَ رسالة، وهي الشهادةُ لله خالقها ومعطيها.  

المشروع الزراعيّ-الإنسانيّ يساهم في إحياء روحانيّة الأرض وتعزيزها؛

البعد الثاني، التجذّر

هذا المشروع الزراعيّ - الإنسانيّ يشكّل وسيلة للحدّ من نزيف الهجرة بسبب التوتّرات السياسيّة والأمنيّة وهبوط المستوى الاقتصاديّ والماليّ. كما أنّه يحدّ من بيع الأراضي. هو وسيلة للتجذّر في الأرض ولإبراز قيمة هذا التجذّر فيها، ليس فقط من حيث ملكيّتها، بل على الأخصّ لأنّها إرث من الآباء والأجداد. وهي بالتالي وديعة ثمينة. هذا المشروع سيكشف أيضًا عن إمكانيّة استثمار الأرض بطرق أفضل من بيعها، مهما اشتدّت الضائقة الماليّة، وكبُر حجم الإغراءات لبيعها، كما هو حاصل اليوم.

المشروع الزراعيّ-الإنسانيّ يساهم في تثبيت اللبنانيّ في أرضه؛

البعد الثالث، الأرض إرث وطنيّ

قيمة هذا المشروع الزراعيّ-الإنسانيّ أنّه يحمل على النظر إلى الأرض كعنصر أساسيّ للانتماء إلى الوطن. فقدانها يشبه نوعًا من اليُتم الوطنيّ. عندما أراد الملك آحاب أخذ أرض نابوت واستبدالها بأرض أو بمال، أجاب نابوت جوابه الشهير: "معاذ الله أن أبيعك ميراث آبائي" (1 مل3:21). الحفاظ على الأرض حفاظ على الهويّة والكيان والديمومة. الأرض هي الوطن والكيان، عليها نحافظ على حضارتنا ووجودنا ورسالتنا. وعليها نلتقي ونعيش معًا ونكون جماعة وطنيّة تغتني بوحدة تنوّعها الثقافيّ الدينيّ.  

المشروع الزراعيّ-الإنسانيّ يساهم في انتماء اللبناني إلى وطنه؛

البعد الرابع، التنمية الزراعيّة والإنسانيّة

إنّ لهذا المشروع الزراعيّ - الإنسانيّ قيمةً إنمائيّة للمزارع وللزراعة على حدّ سواء. فالمزارع يحتاج إلى تجاوز نوعيّة الزراعة التقليديّة من جهة، والوسائل التقليديّة المستعملة من جهة أخرى. من شأن هذا المشروع أوّلًا تعريف المزارعين على الزراعات الجديدة التي تحتاجها الأسواق العالميّة، وعلى وسائلها المتطوّرة، وثانيًا دعم المزارعين في ما يحتاجون إليه من أساليب وقاية لمواسمهم.

ولأنّ الزراعة لا تقبل الغشّ في التعاطي معها، فإنّها مدرسة تنمية إنسانيّة وأخلاقيّة وروحيّة للمزارع. ولأنّ الأرض والزرع الجيّد صادقان، فإنّهما يقتضيان من المزارع الصدق في التعامل، والمصالحة الدائمة معهما.

 

نحن نأمل أن يكون المشروع الزراعيّ - الإنسانيّ مدرسة لمساعدة المناطق الريفيّة في الاعتناء بالزراعة، وتوفير الطرق الحديثة لتسهيلها وزيادة إنتاجها وتنويعه، وإيجاد الأسواق الخارجيّة لتسويقها. فيتأمّن العيش الكريم والكافي للمزارعين وعائلاتهم. إنّ الله أنعم على لبنان بفصول متمايزة وشمس وهواء وماء وساحل وجبال وتربة مهيّأة للزراعة المتطوّرة والعلميّة، فيلتقي مشروع منظّمة فرسان مالطة مع الهبة الإلهيّة.

الخاتمة

يسعدني أن أعرب، باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، عن الشكر من صميم القلب لمنظمة فرسان مالطة ذات السيادة، على اهتمامها بلبنان من خلال مؤسّساتها المتنّوعة والموزّعة في مختلف المناطق اللبنانية. ويزاد عليها اليوم المشروع الزراعي – الإنساني، الذي ستكون له ثمار وافرة للمزارعين وقطاع الزراعة. نسأل الله أن يكافئ هذه المنظّمة والقيّمين عليها والعاملين فيها والمحسنين المساندين، بفيض من نعمه وبركاته.