لبنان
25 كانون الثاني 2016, 15:17

مطر في قداس بذكرى شهداء الدامور: شهادتهم بذار لمستقبل أفضل

احتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر بالذبيحة الإلهية في كنيسة مار الياس في الدامور، بمناسبة مرور أربعين سنة على المجزرة التي لحقت بأبنائها في 20 كانون الثاني من العام 1976. وقد رفعت الصلوات على نية شهداء الدامور في قداس شارك فيه، النائبان إيلي عون ونديم الجميل، راعي أبرشية جبيل المطران ميشال عون ولفيف من الكهنة، رئيس بلدية الدامور شارل غفري وممثلو أحزاب وتيارات سياسية.

بعد الإنجيل ألقى المطران مطر عظة من وحي المناسبة، جاء فيها: "نحيي اليوم صلاة مع الدامور العزيزة في الذكرى الأربعين للمجازر التي تعرضت لها ولتهجير أبنائها في بدايات الحرب التي عصفت بلبنان وما زلنا نحمل آثارها في أجسادنا وقلوبنا حتى اليوم. ولكن الدامور بالنسبة إلينا وفي كتب التاريخ ماضيا ومستقبلا تبقى عاصمة الساحل الشوفي الأبي، مدينة العلم والصحافة الحرة، والوطنية الصادقة، مدينة العيش المشترك بامتياز بأيادي بيضاء مفتوحة إلى جميع الأهل والإخوة في هذه المنطقة العزيزة وفي كل لبنان. مدينة الشهيد سعيد عقل الذي سنحيي الذكرى المئوية لإستشهاده وذلك في 15 أيار القادم. نذكره اليوم في صلاتنا مع شهداء الدامور الذين سقطوا في هذه الحرب. ونقر ونعترف، يا إخوتي،ان هؤلاء الشهداء هم لنا جميعا بذار حرية وقيامة إلى حياة مجيدة ومستقبل أفضل".

أضاف: "ما زلنا نذكر تلك الأيام الصعبة في كانون الثاني 1976، ما زلنا نذكر اجتماعكم هنا في هذه الكنيسة مع كهنة الرعية والمدافع تضرب من حولكم والدامور معرضة للموت، وإيمانكم بالرب كان قويا وسيبقى. نذكر الشهداء الذين سقطوا والذين كان بعضهم من عائلة واحدة، حيث أبيدت عائلات عن بكرة أبيها. لكننا لا ننكأ الجراح بل نقول أمام الرب، وبكل ضمير حي إن شهادة هؤلاء صارت واحدة بموت المسيح وقيامته وصارت بذارا لمستقبل أفضل للبنان، هم أعطونا كرامة ومجدا وإيمانا وثيقا بربنا وبوطننا الذي سيبقى موطن الله، بشهادة أبنائه العائشين معا بالمحبة والسلام. طبعا،الحرب كانت قاسية وقاسية جدا، وبخاصة عندما تأتي الأمور، من يد أبناء انتماء واحد ضد أبناء إنتماء واحد. وها نحن اليوم، بعد أربعين سنة، نشهد توسع هذا العنف القاتل على منطقة عربية بأسرها، تفكك دولا وشعوبا ومجتمعات، فنقول للذين يسيرون في هذا المنحى إنه الطريق الخطأ. طريق الحياة والخلاص، للشعوب العربية كلها، لا بل لشعوب العالم هي طريق التفاوض والحوار والمحبة والسلام. ليس لنا طريق سوى هذا الطريق. الطريق إلى الحياة والمستقبل لن يكون عبر القتل، والله قال: لا تقتل". 

وتابع: "الطريق إلى الحياة والمستقبل، لا يكون عبر البغض والحقد والعداوة. وربنا قال لنا بوصية من وصاياه: أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم. المسيح يذكرنا بأننا جميعا، إخوة مهما باعدت بيننا الظروف. ولذلك نداؤنا من الدامور اليوم، إلى كل المنطقة العربية والعالم، أوقفوا الحرب. أوقفوا التقاتل. إنزعوا السلاح من أيديكم. أدفنوا فؤوس القتال وعودوا الى الحوار لعلكم تجدون طريقًا إلى حياة أفضل. رسالة الدامور اليوم هي رسالة حياة. وإني في المناسبة أقدم هذه الذبيحة على نية الذين سقطوا شهداء والذين تعذبوا العذاب الكبير، بتهجيرهم من الدامور عن طريق البحر. وكم ذكرنا في تلك الأيام، أمام الرب يسوع، صلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء. فكان انتقالكم في شتاء،إلا أنكم أيها الأحباء، قدمتم هذا كله، مع آلام المسيح من أجل حياة أفضل ووطن ننعم به جميعا.

واردف: "نذكر بالخير الذين عملوا مع العاملين على تخفيف جراح الدامور، عندما وصل أهلها إلى منطقة بيروت والجوار. نذكر بالخير الذين من الداموريين ساعدوا إخوتهم، لتبقى الشعلة، شعلة الأمل والرجاء مضيئة. وأهل الدامور نذكرهم كلهم بالوفاء، لأنهم بقوا متمسكين بأرضهم، على الرغم من الإبتعاد عنها، وما باعوا شبرا واحدا منها، بل بقوا مشدودين إلى تراب الآباء والأجداد. ثم عادوا عندما سنحت الظروف، وأعادوا الحياة من جديد، كلهم أمل يحياة أفضل وحياة رغيدة. نذكر الذين ضحوا في سبيل الدامور وما زالوا يضحون. وبعد العودة نذكر بكل محبة، الذين تعبوا من أجل البناء وأعادة البناء،إبتداء من كنيسة مار الياس. الدامور بنت كنائس عديدة علامة على كبر إيمانها، من مار مارون إلى السيدة، إلى مار ميخائيل ومار بطرس وبولس. كل هذه الكنائس، علامة على إيمان أبناء الدامور الذين يؤمنون بربهم إيمانا كبيرا. ونذكر الذين تعبوا في العودة ومن أجلها، من رؤساء البلدية وأعضائها،إلى جميع الذين ضحوا ويضحون في سبيل عودة الدامور إلى الحياة". 

وقال: "نذكر أخواتنا الراهبات بكل خير، لأنهن أعدن المدرسة، وان شاء الله تصبح مدرسة ثانوية في أقرب وقت. نذكر الذين ينتظرون ظروفا اجتماعية واقتصادية أفضل حتى يكملوا بناء الدامور. هناك أكثر من 1500 منزل قادر لإستعاب أبناء الدامور لو اكتمل بناؤها وهذا اليوم سيأتي، وهذا ما يجعل الدامور مدينة عزيزة تعود إلى سابق عزها في هذه المنطقة. نتمنى للدامور أن تعود عاصمة في هذه المنطقة. عاصمة العيش المشترك والحياة الكريمة. هذا ما نريده للدامور ونرغب وترغبون به. وهذا أمر سهل تحقيقه بفضل أبناء الدامور الذين في ضمير هذه البلدة وفي تراثها. الدامور نزعت عنها لباس الحداد بعدما قدمت شهداءها مع الرب يسوع، هؤلاء أعطونا لذة في الحياة، وأعطونا كرامة لنبقى ونستمر في هذه المنطقة حاملين رسالة محبة للجميع. فلتهنأ الدامور، اليوم بما حققته، وما قدمته من شهادة وشهداء وليكن لها موعد مع المستقبل مع لبنان العائد إلى ذاته. وظن كثيرون من غير اللبنانيين ان هذا الوطن العزيز هو وطن قد يستغنى عنه،أو حرف في هذه المنطقة للزوم له، يظهر اليوم أنه حجر الأساس، في بناء الشرق الأوسط كله عن طريق توافق أبنائه على الحياة معا". 

المصدر : وطنية