مطر في قدّاس الدّنح: عبر المسيحيّين يعرف العالم من هو المسيح
بعد الإنجيل المقدّس، كانت عظة لمطر قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "بكلّ فرح واغتباط أقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة على نيّتكم يا أبناء رعيّة مار يوسف- الحكمة المباركين، وهو تقليد درجنا عليه بعد أن نزلنا إلى مار جرجس وقد رمّمت وأعيدت للخدمة بنعمة الله وكنّا قبل ذلك نعتمد هذه الكنيسة كنيسة الأبرشيّة كلّها في الاحتفالات الكبيرة، وفي كلّ حال إنّها كنيسة المطرانيّة أساسًا من 144 سنة. هذه الجدران تسمع صلاة المؤمنين وإلى مئات السّنين. وفي هذا العام سنحتفل بمرور 125 سنة على بناء كنيسة مار جرجس الكاتدرائيّة، والّذي بنى الحكمة بنى كنيسة مار جرجس، المطران يوسف الدّبس صلاته معنا آمين.
أيّها الأحبّاء، قدّاس نصف اللّيل هو قدّاس الميلاد، وهذا العيد، عيد الدّنح أيّ الظّهور هو عيد الميلاد في الأصل. فنحن في الّشرق كنّا نحتفل بعيد الميلاد في 6 كانون الثّاني، قبل أن نتبع كنيسة الغرب الّتي وضعت تاريخ 25 كانون الأوّل للاحتفال بعيد الميلاد. ولكن ما همّ، التّوقيت الأساس أن يولد المسيح في الأرض ويحولّها إلى سماء جديد، والمهمّ أن نستقبل المسيح في حياتنا فلا يبقى غريبًا يبحث عن مأوى، كما بحث أبواه في بيت لحم ولم يجدا. هذا العيد، هو عيد الميلاد يوم ظهر الرّبّ يسوع طفلاً موضوعًا في مذود أمام الرّعاة ويوسف ومريم والملائكة في السّماء، تهلّل المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام والرّجاء الصّالح لبني البشر. ثمّ نعيّد ظهور المسيح للمجوس الآتين من المشرق ليسجدوا له وكان نجم انطلق أمامهم سائرًا إلى أورشليم وبيت لحم ليدلّهم على الصّبيّ.
في الإنجيل المقدّس، هذان الظّهوران يكمّلان الواحد الآخر، ظهور للرّعاة ويوسف ومريم وظهور للشّعوب كلّها غير اليهود المتمثّلة بالمجوس الثّلاثة. وهو أيضًا عيد ثالث، عيد ظهور الرّبّ عندما اعتمد في نهر الأردنّ في عمر 30 سنة. كان يوحنّا يعمّد في الأردنّ، يعمّد للتّوبة ويقول استعدّوا المسيح آت، لتسمعوا كلامه وتستقبلوه، وكان ينزلهم إلى النّهر ليغتسلوا من خطاياهم. حينئذ وصل يسوع بذاته إلى الأردنّ وطلب من يوحنّا أن يعمّده. وقال له يوحنّا أأنا أعمدك؟ أنا أعتمد منك أنت الكبير وأنا الصّغير. قال له أنا آت إليك لأعتمد فعمّدني. ونزل يسوع إلى النّهر وهو القدّوس. ليست الماء الّتي تطهّر يسوع، بل هو من يطهّر المياه. يسوع يطهّر كلّ شيء في اللّيلة الّتي نسمّيها ليلة القدر. تنفتح فيها السّماوات وتنزل الخيرات على الأرض. المسيح يقدّس الماء ويقدّس الأردنّ ويقدّس الإنسانيّة بأن أخذ جسمًا منها، ولكنّه نزل إلى النّهر من أجل خطايانا، لأنّه حمل الله الحامل خطايا العالم. وبعدما صعد من الماء انفتحت السّماء ونزل الرّوح القدس بشبه حمامة وحلّ على يسوع وسمع صوت من السّماء يقول: هذا هو ابني الحبيب الّذي به رضيت. تدخّلت السّماء في ولادته بالملائكة مع الرّعاة، تدخّلت السّماء بالنّجم للمجوس وتدخّلت السّماء بالعماد عندما جاء صوت الأب يقول: هذا هو ابني الحبيب الّذي به رضيت. وأدركنا بذلك، يا إخوتي، أنّ هذا الإبن الوحيد الكلمة الأزليّ أخذ جسمًا من مريم العذراء ليصبح قريبًا منّا، أصبح واحدًا منّا، حتّى يجعلنا كلّنا إخوة له وأخوات ويضمّنا إلى قلبه ويحملنا إلى الآب ليقول: يا أبت هؤلاء هم أولادك إرضَ عنهم أيّها الآب القدّوس، والأب يقبلنا ونصير أبناء الله وبناته وتصير لنا علاقة مباشرة مع الأب والرّوح القدس، وهو يبقى معنا إلى الأبد. لذلك سمّي في أشعيا عمّانوئيل. المسيح أتى، الله صار معنا وإذا كان الله معنا فمن علينا.
نحن أهل الإيمان، نحن صرنا للمسيح فلا خوف عندنا ولا قلق، الرّبّ معنا والرّبّ حمايتنا إلى الأبد. ألم يقل المزمور الرّبّ راعي فلا يعوزني شيء إلى مراع خصيبة يقودني ومياه الرّاحة يوردني. ما همّنا الرّبّ معنا إلى الأبد. لذلك كما عيّدنا عيد الميلاد منذ أيّام ، فإنّنا اليوم نجدّد هذا العيد في قلبنا وفي حياتنا ساجدين أمام طفل المغارة أمام المسيح المعتمد على الأردنّ لنقول له ربّي وإلهي. هذه كلمة قالها توما بعد قيامة يسوع عندما قال له يسوع: ضع إصبعك في جنبي. فقال توما: ربّي وإلهي. نعم، أيّها الأحبّاء، نقول هذه اللّيلة المباركة ليسوع المسيح الآتي، ربّي وإلهي إلى الأبد. ونحن منذ الآن نعيش قيامة المسيح إلى منتهى الدّهر. المسيح في السّماء وكنيسته على الأرض، والكنيسة هي امتداد له وهي جسده السّرّيّ، بالكنيسة يضع الخيرات في الدّنيا عبر الأسرار، بالقدّيسين يقدّس العالم كلّه بأعمال الرّحمة والخير في الكنيسة والمؤمنين، يتمّ الخير في الدّنيا بأسرها، أيّ أنّ المسيح يعتمد على الكنيسة وعلينا حتّى يظهر هو في الدّنيا. "بهذا يعرف العالم أنّكم تلاميذي". عبر المسيحيّين يعرف العالم من هو المسيح، شرط أن نكون مسيحيّين حقيقيّين، أن نكون أهل إيمان وأهل رحمة وصدق مع الله ومع ذاتنا ومع الآخرين، حتّى نقول هذه الرّسالة أمام غير المسيحيّين، فيعرفوا المسيح ويحبّوه ويأتوا إليه. نحن مسؤولون عن مصير المسيحيّة والكنيسة كلّها. نحن في الشّرق، أعطى الله الكنيسة المارونيّة نعمًا كثيرة بأن تقوّي جميع المسيحيّين في كلّ الشّرق، في صلابتها، في إيمانها، في قدّيسيها، في حياتها وتوكّلها على الله وبقوّتها وضعفها. نحن سند لإخوتنا جميعًا في كلّ هذا الشّرق. قداسة البابا فرنسيس يقول لنا نحن الموارنة: كونوا حاضرين مع إخوتكم، كونوا حاضرين مع جميع أهل هذا الشّرق تعلنون قداسة المسيح وغفرانه ومحبّته حتّى يتغيّر هذا العالم كلّه، أنتم خميرة الدّنيا، أنتم نور العالم أنتم ملح الأرض.
في هذه اللّيلة بقينا نعتقد أنّ الأشجار تسجد. تعالوا اللّيلة نسجد، نحن شجرته، نحن كرمته، لننال منه الرّحمة والرّضى، فيبارك حياتنا وأشخاصنا فنكون له شعبًا مقدّسًا، نحمل اسمه ونحمل رسالته إلى إخواننا في العالم كلّه ونحن أقوياء يا ربّ بك إلى الأبد.
عيد مبارك لكم ولعائلاتكم، فلنتحوّل في هذا الزمن إلى بركة للعالم بأسره فيتمّ ملكوت الله، ملكوت المحبّة والخير من الآن وإلى الأبد باسم الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد آمين!".