لبنان
26 كانون الأول 2022, 14:50

معوّض في قدّاس الميلاد: حلّ الله بتجسّده في كلّ نفس بشريّة لكي يرمّم ما أفسدته الخطيئة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس المونسنيور نبيه معوّض قدّاس عيد الميلاد في كنيسة مار مارون في طرابلس، بحضور حشد من المؤمنين، وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس ألقى معوّض عظة قال فيها بحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام:

"نأتي إلى الآب في يوم ميلاده في العالم وفي كلّ إنسان، لكي نندهش من هذا الحدث العظيم الذي أربك عقل الإنسان: الله صار بشرًا . أخذ لحمًا ودمًا من مريم الإنسان، لكي نصير نحن آلهة معطيًا إيّانا لحمه ودمه الإلهيّين. 

في هذه المناسبة الرّفيعة المقدّسة والسّامية، نحمل إليكم محبّتنا، نحن كهنة مار مارون سائلين الطّفل الإلهيّ أن يشرق بنوره في قلوبنا فنصير له آليّة مقدّسة لا عيب فيها ولا وسخ، وأن يعمّ سلامه على لبنان والعالم بأسره، وأن ينعم إخوتنا وأخواتنا المعذّبين في الأرض بالفرح والهناء.

ولكن! بهذه العبارة يفتح الفصل التّاسع من سفر أشعيا النّبيّ، وهو يتنبّأ بانبلاج صبح جديد يحمل نورًا سماويًّا يقضي على ظلمات الموت والقهر والضّيق، ويبشّر بيوم جديد ملؤه الفرح، فالشّعب السّالك في الظّلمة أبصر نورًا عظيمًا (أش ١:٩) :لأنّ نور الرّبّ أشرق حولهم" (لو ٢/٩)، هو نور الرّبّ إذًا، من سيسبب فرحًا عظيمًا يكون للشّعب كلّه (لو ١٠:٢) على ما قاله الملائكة للرّعاة في بيت لحم. يشبه هذا الفرح فرح المزارعين في يوم الحصاد (اش ٢:٩) ، حيث وبعد طول انتظار واشهر من المعاناة والتّعب والتّرقّب، تفيض الغلال ويفيض معها الخير، وبالخير والفرح. إنتظر النّاس الآتي، صلّوا سائلين السّماء أن تمطر الصّديق، وبعد طول انتظار وصبر مقدّس أتى، فأبصره المائتون وفرحوا.

لأن الله صار إنسانًا وسكن بيننا" (يو ١٤:١) ، الذي كان مع الله منذ البدء (يو ١:١)، المتسامي والمتعالي والبعيد عن إدراك البشر "ولد لنا ولد، اعطي لنا ابن" (أش ٥:٢) شابهنا في حالتنا الإنسانيّة، دون أن يشابهنا في وضعنا السّاقط بعمل الخطيئة، لأنّ الخاطىء لا يستطيع أن يخلّص الخطأة بل البار وحده. وإسمه عجيب يدلّ على ما ومن هو، وعلى عمله: إسمه يسوع ومعناه الله يخلّص، هو الله الآتي إلينا لكي يحرّرنا من خطايانا ويعيد إلينا بهاء صورتنا الأولى التي فقدناها بفعل شرورنا: باسمه نتبارك ونتقدّس، وباسمه نتحرّر من الشّرور، وباسمه يشفى مرضانا، وباسمه تجري العجائب، وباسمه ننتصر على أعدائنا، وباسمه نترجّى القيامة والحياة الجديدة في الدّهر الآتي.

نحن في ضيق، وظلال الموت تظلّله من كلّ ناحية: ضيق سياسيّ يمنع من إيجاد حلول سياسيّة لأزمات وطننا لبنان، ضيق اقتصاديّ يضغط على المؤسّات ويقودها إلى الإفلاس ويساهم في إنشاء البطالة، ضيق اجتماعيّ يتمثّل في اتّساع رقعة الفقر ونسبة الفقراء العاجزين عن تلبية حاجاتهم الأساسيّة. ضيق روحيّ يتمثّل في الابتعاد عن الله والانغماس في الخطيئة وانتشار الرّذيلة وعقليّة اللّامبالاة والأنانيّة وغيرها الكثير من الضّيقات التي تجعلنا في حالة اضطراب عاجزين عن تلمّس طريقنا. ولكن، ما قيل قبلاً للسّائرين في الظّلمة يقوله لنا الرّبّ الآن: ستبصرون نورًا عظيمًا إن فتحتم أعينكم على هذا النّور ووثقتم به. هو نور ساكن بيننا وهو فينا. يتفجّر من الكلمة السّاكنة بيننا، من الإنجيل ومن الأفخارستيّا حيث يصير هو فينا ونحن فيه، يشعّ على العالم بالنّعمة.

حلّ الله بتجسّده في كلّ نفس بشريّة لكي يرمم ما أفسدته الخطيئة، فلنسرع إلى ملاقاته كما فعل الرّعاة والمجوس، وآباؤنا وأجدادنا، ولنحمل إليه هدايانا الثّمينة، خطايانا الشّخصيّة، نقدّمها له، فننال منه المغفرة والمعونة لضعفنا، وننتصر وينتصر فينا على كلّ ظلمة فيشرق نوره من جديد فينا وفي عالمنا".