لبنان
24 أيار 2022, 05:00

من هو القدّيس الّذي دعا عبد السّاتر للتّعلّم منه من أجل العيش معًا بشكل أفضل وبناء بلد أفضل؟

تيلي لوميار/ نورسات
رافعًا الشّكر إلى الله لمناسبة إعلان قداسة الأخ شارل دو فوكو في 15 أيّار/ مايو، احتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد السّاتر بالقدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة مار جرجس- بيروت، عاونه فيه الخوري جاد شلوق، بمشاركة المطران جورج أسادوريان والمطران المنتخَب جول بطرس ولفيف من الكهنة، بحضور عائلة الأخ شارل الرّوحيّة: إخوة يسوع الصّغار، أخوات يسوع الصّغيرات، أخوات النّاصرة الصّغيرات والأخوّة العلمانيّة، بالإضافة إلى عدد من المؤمنين.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد السّاتر عظة جاء فيها: "كم هو جميل أن تجتمع الكنيسة في لبنان في كاتدرائيّة مار جرجس- بيروت لتشكر الرّبّ على القدّيس الجديد شارل دو فوكو الّذي تعرّفنا إليه وإلى روحانيّته من خلال إخوة وأخوات يسوع الصّغار الحاضرين في لبنان منذ سنين عديدة مع أفقر الفقراء من كلّ جنسيّة ودين، في بيروت وفي الجنوب وفي مناطق أخرى منه. وكم هو فرحنا عظيم بهذا القدّيس الّذي تخلّى عن كلِّ شيء حتّى عن إرادته وتبع المسيح إلى أرض غير أرضه وإلى شعب غير شعبه ومن غير دينه.

قد يسأل البعض من هو شارل دو فوكو ولماذا يعنينا أمره؟ إنّه ليس مجرّد قدّيس من قدّيسي الكنيسة الجامعة بل هو ثورة أركانها ثلاث لاءات ومنه نستطيع أن نتعلَّم الكثير لنعيش معًا بشكل أفضل ونبني بلدًا أفضل.

إنّه "لا" في وجه الرّوح الاستعماريّة المتكبِّرة الّتي سيطرت على دول أوروبا الكبرى آنذاك. هذه الرّوح الّتي استغلَّت واحتقرت سكّان البلدان المستعمَرة واستخفّت بحضاراتها وبتقاليدها وادَّعت أنّها تأتيهم بالحضارة الحقيقيَّة الّتي تجعل منهم أناسًا أفضل "متمدّنين" فكان الرّقيق وانتهاك وإنهاك الأرض والطّبيعة. أمّا قدّيسنا فاختار أن يعيش بين الطّوارق في الصّحراء الكبرى جنوب الجزائر. أحبَّهم واحترم دينهم وتعلّم حضارتهم وتقاليدهم فأحبّوه وقبلوه على الرّغم من اختلافه عنهم فكان لهم الأخ ورسول محبّة الله.  

ويا ليتنا في لبنان نتخلَّى جميعنا عن هذه الرّوح الاستعماريّة الّتي لا ترى من الآخر إلّا اختلافه وتسعى إلى استغلاله والاستخفاف به انطلاقًا من أحكام مسبقة أصولها قصص العجائز أحيانًا ومفهوم خاطئ للدّين والإنسان. يا ليتنا نقبل الآخر ونحبَّه حيث هو وكما هو لأنّه هو أيضًا صورة الله كما نحن.

إنّه "لا" في وجه التّبشير الاقتناصيّ المعتمد آنذاك والّذي كان يسعى إلى ارتداد الآخر عن دينه وعماده في الكنيسة. هذا التّبشير ارتكز إلى مفهوم خاطئ لله وللخلاص وللإنسان غير المعمّد. إختار القدّيس دو فوكو أن يعيش هو المسيحيّ بين القبائل الّتي لم تكن كذلك بصمت وتواضع. عاش سامريًّا صالحًا يحبّ ويخدم ويرعى أخاه الإنسان من دون أيّ اعتبار للونه وجنسه ودينه. تشبَّه بسيّده الّذي جاء إلى العالم ليعطي الحياة لكلّ إنسان من دون شروط مسبقة. وكان يعرف أنّ خراف الرّبّ يسوع ليست في حظيرة واحدة. لقد سبق زمانه بأشواط.  

ويا ليتنا نتخلّى في بلدنا عن التّعصّب الدّينيّ في كلِّ أشكاله وعن محاولة ردِّ الآخر عن دينه بالتّرغيب أو التّرهيب فلا يكون الله والدّين سببًا للحروب فيما بيننا ولخراب بلدنا.

قدّيسنا هو "لا" للذّهنيَّة الّتي تعتبر أنّ الخلاص هو من فعل الإنسان وهو نتيجة استراتيجيّات محنّكة ونشاطات غير مألوفة ووعظ منمَّق. كان يعلم أنَّ الخلاص هو هبة من الله معطاة لكلّ إنسان وينالها من يقبلها. وكان يدرك أنَّ دوره الوحيد في الخلاص هو أن يشهد من خلال عيشه، للحبّ الإلهيّ. لم يماحك، ولم يصح، وقصبة مرضوضة لم يكسر وفتيلاً مدخّنًا لم يطفئ. عاش الخدمة حتّى بذل الذّات والتّواضع حتّى الامّحاء والصّلاة والصّمت حتّى يسمح لصوت الله أن يُسمع. نقُص هو لينمو يسوع أمام الجميع.  

ويا ليتنا في لبنان نتخلّى عن خطاباتنا المنمّقة حول خلاص لبنان وعن استراتجيّاتنا المستوردة ونتعاون على عيش الصّدق في الكلام والنّزاهة في العمل والجدّيَّة في الجهد. يا ليتنا نتخلّى عن أطماعنا في النّفوذ والكراسي، وعن طموحاتنا الطّائفيّة والحزبيّة لنتكاتف معًا من أجل بنيان الإنسان فيكون الخلاص للبنان.  

إخوتي وأخواتي، نطلب في هذا القدّاس من القدّيس شارل دو فوكو أن يصلّي من أجلنا أمام العرش السّماويّ لنعيش معًا في لبنان إخوة وأخوات متساوين في الكرامة والحقوق والواجبات، ولنرفض التّعصّب والانعزال ونبني الجسور ونسير معًا نحو الملكوت الأبويّ. آمين."