لبنان
08 حزيران 2019, 08:20

موسي: إنتماؤنا إلى الجسد الواحد، بالإيمان، يجعلنا شركاء في الآلام والتّعزية والخلاص

إستقبل راعي أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما المتروبوليت سلوان موسي، أمس الجمعة، بطريرك بلغراد وسائر صربيا ايريناوس في دير سيّدة النّوريّة – حامات. وبحسب بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس، ألقى المتروبوليت موسي كلمة جاء فيها:

"صاحب القداسة، البطريرك إيريناوس، متروبوليت بلغراد وبطريرك سائر صربيا الكلّيّ الغبطة والجزيل الاحترام، 
صاحب الغبطة، البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكليّ الغبطة والجزيل الاحترام،
أصحاب السّيادة أعضاء الوفدَين الصّربيّ والأنطاكيّ،
قدس الآباء الأجلّاء والأمّهات الفاضلات، الشّمامسة والرّهبان والرّاهبات،
الإخوة والأخوات في المسيح،
مبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح، أبو الرأّفة وإله كلّ تعزية الّذي يعزّينا في كلّ ضيقتنا حتّى نستطيع أن نعزّي الّذين هم في كلّ ضيقة بالتّعزية الّتي نتعزّى نحن بها من الله لأنّه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزينا أيضًا. فإن كنّا نتضايق فلأجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الآلام الّتي نتألّم بها نحن أيضًا، أو نتعزّى فلأجل تعزيتكم وخلاصكم (كورنثوس 1، 3-6 2). 
لخّص بولس بهذه الكلمات ما تحمله زيارتكم من معانٍ تتشارك بها كنيستَينا، الصّربيّة والأنطاكيّة، حيث انتماؤنا إلى الجسد الواحد، بالإيمان، يجعلنا شركاء في الآلام والتّعزية والخلاصّ. هذا هو النّور الّذي عاينه بولس الرّسول على أبواب دمشق، الّتي رافقتكم إليها في بداية زيارتكم، وهو النّور عينه الّذي يضيء في هذا الدّير المقدّس، في كنف العذّراء، أمّ النّور، وهو الّذي يختم اليوم الأخير من زيارتكم إلى كنيستنا.
بين هاتَين الخبرتَين، المعمَّدتَين بالنّور الإلهيّ، تعيش كنيستنا شهادتها وتتعزّى بما يسكبها الله عليها من نِعَم لكي تجتاز الآلام الكثيرة الّتي تعيشها. أبرشيتنا انبعثت من جديد بعد أن عاشت من الحرب أبشع ويلاته. فقد تهدّمت دار المطرانيّة وعشرات الكنائس وتهجّر عشرات الألوف من أبنائها وهاجروا، لكنّهم أعادوا بناء ما تهدّم وعاد كثر إلى الأرض الّتي تركوها. وهي حملت أيضًا معاناة أبناء مناطق مختلفة من هذا البلد كما والبلدان المجاورة حيث انتقل الكثيرون إلى العيش فيها، فسعت إلى تعزيتهم بما أوتيت. هذا كان بفضل رجاء راعٍ كبير، هو سلفي، صاحب السّيادة المتروبوليت جاورجيوس، الّذي يطلب بركتكم، الّذي أبى على مدى أربعين عامًّا ألّا يعيد بناء المطرانيّة حتّى يبني أبناء هذه الأبرشيّة بيوتهم وكنائسهم الّتي تهدّمت. لقد حمل هذا الأب نور المسيح في خدمته الكهنوتيّة والأسقفيّة على المدى الأنطاكيّ كلّه لأجل أن تزدان الكنيسة بمحبّين مخلّصين وخادمين أطهار يعملون من أجل مجد الله ونشر الكلمة بتفانٍ ومحبّة ومعرفة، كما والتّكريس في الحياة الرّهبانيّة، الّتي كانت هذه الأبرشيّة نواة بعثها في الكرسيّ الأنطاكيّ.
صاحب القداسة،
أنتم اليوم في قلب لبنان. ففي هذا الجبل يقطن نصّف سكّانه، وفي هذا الجبل وجد المسيحيّون ملجأ على مدى العصور. على رؤوس جباله أرز الرّبّ، وعلى ساحله أقدام رسل حملوا إلينا البشارة وانطلقوا منها إلى غير مكان. فكنيستنا تحمل إرثًا رسوليًّا كبيرًا. ففيها كرسيّ جبيل الّذي أسّسه الإنجيليّ مرقص، معاون بطرس الرّسول، المرفأ الّذي انطلقت منه الأبجديّة الفينيقيّة في بحر الأبيض المتوسّط كما وبشارة الكلمة إلى القارّة الأفريقيّة. وفيها كرسيّ البترون الّذي أسّسه الرّسول سيلا، معاون بولس الرّسول، والّذي صار أسقفًا على كورنثوس وجسّد فيها كلمات التّعزية الّتي استشهدتُ بها منذ قليل. 
أنتم اليوم في أقدس مكان للسّيّدة العذّراء في لبنان. فديرها القديم بُني على هذا السّفح في القرن السّادس، بفعل ظهورات العذّراء متّشحة بالنّور تنقذ البحّارة من العواصف ومن ثمّ كلّ الملتجئين إلى كنف حمايتها. ولقد ارتبط ذكر الدّير بالقدّيسين الّذين نعيّد لهم في السّادس والعشرين من شهر كانون الثّاني، أيّ بالقدّيس يوحنّا الّذي نسك في هذا الدّير، وهو ابن القدّيسَين اكسينوفوندس وزوجته ماريّا، وأخ القدّيس أركاديوس الّذي نسك في فلسطين. أما ديرها الجديد حيث نحن قائمون الآن فيعود بناؤه إلى العامّ 1890. في هذه الجوار مغاور تعود إلى القرون المسيحيّة الأولى عاش فيها نسّاك كثر. في الأبرشيّة اليوم أديرة حيّة ثمانيّة تشّكل سورها الرّوحيّ. هذا كلّه يُضاف إلى المئة والثّلاث وخمسين كنيسة في بلدات وقرى هذه الأبرشيّة.
صاحب القداسة،
سرّني أن أسمع منكم أنّكم وضعتم هذه الزّيارة الرّسوليّة في منظار التّأكيد على وحدة الكنيسة الأرثوذكسيّة وأن تجسّدها هذه الزّيارة بكلّ تفاصيلها. فما يجمعنا هو يسوع المسيح، والشّهادة له، وخدمة القريب القائمة على "الإيمان الفاعل بالمحبّة" (غلاطية 5، 6). وتربطنا عرى تاريخيّة تعود إلى القرن الثّاني عشر، بفضل أوّل رئيس أساقفة للكنيسة الصّربيّة، القدّيس سابا، الّذي حمل معه من دير القدّيس سابا المتقدّس في فلسطين أيقونة العذّراء ذات الثّلاثة أيدي، والّتي كان قد قدّمها للدّير في القرن الثّامن القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ. فقد زار القدّيس سابا أنطاكية مرّتَين في رحلة الحجّ الثّانية الّتي قام بها بين العامَين 1234 و1235. وها هو الآن يفرح من السّماء بكونكم تثبّتون هذه العرى بزيارتكم هذه وتباركون فيها أبناء وإكليروس ورهبان كنيستنا عامّة، وهذه الأبرشيّة خاصّة، مع صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر والوفدَين المرافقَين لكما..
إن كانت روابطنا التّاريخيّة قد تعزّزت في العصر الحديث بفضل العمل الأرثوذكسيّ المشترك في القرنَين العشرين والحادي والعشرين، فلا تتفاجأوا بأنّ قدّيسيكم المعاصرين معروفون لدينا ومحبوبون أيضًا، وأخصّ بالذّكر القدّيس نيقولاوس فيليميروفتش (1965 +)، والقدّيس يوستينوس بوبوفتش (1979 +). فبعض كتاباتهم قمنا بترجمتها إلى اللّغتَين العربيّة والإسبانيّة ويسرّني أن أقدّمها لكم.
يسرّني أن أقدّم لغبطتكم عربونًا لهذه الزّيارة والبركة، أيقونة شفعَي الأبرشيّة، الإنجيليّ مرقص والرّسول سيلا، كما وأيقونة سيّدة النّوريّة، بالإضافة إلى مجموعة الكتب الخاصّة بالقدّيسين الصّربيّين، سابا ونيقولاوس ويوستينوس، كما وكتاب عن تاريخ الكنائس الأرثوذكسيّة في منطقة جبيل، بالإضافة إلى مجموعة من شهادات تاريخيّة من منطقة جبيل.
في الختام، أرجو أن يرافقكم نور المسيح الّذي ظهر بولس وأقامه رسولًا، ونور المعزّي اّلذي تسكبه أمّ النّور بسخاء وباستمرار على طالبي شفاعتها بإيمان، بحيث تترجمون هذا النّور في صلاتكم من أجلنا وفي كلمة التّعزية وفي الخدمة الرّسوليّة وفي العمل الدّؤوب من أجل خير الكنيسة الأرثوذكسيّة وشهادتها اليوم."