دينيّة
26 كانون الأول 2011, 22:00

ميلاد المسيح ميلاد الحرية والحق

الاب انطونيوس مقار ابراهيم : من أسمى القيم التي يتوق إليها الانسان إينما كان، عيشُ الحرية وإحلال الحق \"تعرفون الحق والحق يحرّركم\"

 

في ميلاد المسيح تجلى المعنى الحقيقي للحرية من سلطان الظلمة وسلطان الموت والاستعباد للشيطان " روح الرب علىّ فمسحنى لأبشر الفقراء والمساكين أهب النظر للعميان وأطلق المأسورين أحراراً. وهكذا الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا  عظيماً
فسرُّ محبةِ الله الازلية اُكتُشف كسر حب دائم منه للإنسان عبر التاريخ وبه أراد الله للانسان التنعم بمعنى الحياة وعيشها كاملة وبطريقة أفضل "جئت لتكون لهم الحياة ولتكن لهم أفضل"كما أنه مع هذا السر وضعت أُسس قداسة الحياة في الانسان في أبوتهِ وأمومتهِ وفي طفولته
وهل هناك أسمى وأقدس  من الأمومة فالله نفسه أراد أن يتجسد ويولد من أم وجعل حشاها أوسع من السماء .وكذلك الأبوّة المسؤولة المتحدة في حياة حب كامل مع الأمومة لتعطيا الطفولة كثمرة  لهذا الحب،إنه حب حقيقي يمنح الحرية الانسانية لكل شخص ويمنحه ايضاً الحق في عيش حياته بكرامة. إنعتقت حريّة الإنسان وتحرّر حقّه من أيّ قيودٍ أو شرائع مكبّلة،  بميلاد المسيح. ولكن السؤال هنا "هل أن كل حرية هي حرية حقيقية ؟ وهل كل ما يفكر فيه الإنسان له الحق فيه؟ وهل هذا الحق يتناسب مع كرامته الانسانية؟ هنا نقول بالطبع إن الحرية الحقيقة هي التي تمنح الانسان الحق في الحياة بكرامة وإن أى حرية للانسان تنتزع منه تصير عملاً تعسفيًّا وقانونًا ظالمًا مستبدًّا وتحوِّلُ الحياة الى غابة يتصارع فيها الناس في ما بينهم فينتصر القوي على الضعيف ويبتلع الغني حقَّ الفقير. بالاضافة الى الجرائم التي ترتكب باسم تحقيق الحرية وإحلال الحق، والتى يذهب ضحيتها الكثيرون من الاشخاص وقد رأينا الصراعات والثورات المنادية بالتخلص من الاستبداد والانظمة الديكتارياوتة الكابتة للحريات على المستويات كافة. قد جاء في رسالة الميلاد لأبينا البطريرك الكاردينال انطونيوس نجيب هذا القول " يبدو عالمُنا اليوم مرعباً، يثير القلق والخوف. فالثورات تجتاح العالم . والرغبة في تغيير الأنظمة ، على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، أصبحت تياراً جارفاً . والزلازل والفيضانات والكوارث تضرب في كل أنحاء الأرض، وتحصد الضحايا . لكن هذا المشهد الحزين لا يخفي سعي البشرية ونجاحها ، على الصعيد العلمي والتضامن الإنساني ، وانتشار الحرية والتقدم من أجل إقامة عدالة اجتماعية ، ويقظة الضمير العالمي أمام مآسي المهمَّشين والضعفاء. حركات التغيير في بلاد منطقتنا ، وفي أماكن أخري كثيرة في العالم ، هي فرصة ذهبية لتحقيق تطلعات أبناء جيلنا إلي عالم تتحقق فيه الأخوّة البشرية والعدالة والكرامة . فليختر كل إنسان الإيمانَ الذي يقتنع به أمام الله. وليعطِ الحقَّ نفسه لأخيه الإنسان. لا يستطيع الإنسان أن يرضى الله بدون أن يحترم إخوته بني البشر ، وأن يتضامن معهم للبناء والتقدم والخير . شريعة المحبة الإلهية هي أساس بنيان العالم والمجتمع". ونحن نضيف مع غبطته: بالرغم من الظروف التي نعيشها والتي توحي بالخوف وعدم الاطمئنان، فلدينا ثقة في ما قاله لنا الربّ! يسوع:“لا تخافوا، ولا تضطرب قلوبكم ولا تفزع.” (يوحنا 14: 27). ولكل من يعيش  ظروفا حياتية  صعبة كالمساجين والأسرى والمضطهدين أو من هم في مواجهة الموت لسببٍ ما وفي قلبهم خوف نقول: لا تخافوا فاليوم لنا الفرح "لاتخافوا ها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم قد ولد لكم اليوم مخلص ويا أيها القادة الكرام تذكروا أنكم من الشعب والشعب إختاركم لتكونوا لهم قادة حقيقيّين توفرون له سبل العيش الكريم لحياة تليق بالثقة التى منحكم إيّاها لتكن قرارتكم فاعلة في سبيل صنع الحياة والسلام وإعلموا أن الفقر والجوع والحرب والدمار والقتال والخراب لا تأتي بشيءٍ سوى المزيد من الدمار والموت. أنتم حملتم أمانة المسؤولية ونحن نصلي من أجلكم في كل قداس نحتفل به "إذكر يا رب القائمين على شؤون الوطن الرئيس والوزراء والقيادات والجنود وكل من يحمل أمانة المسؤولية أن توفقهم في كل عملٍ صالح من أجل الفقراء والايتام والأرامل والمعوزين. فكونوا رسل سلام تصنعون الحياة فينعم الشعب بالامان والاستقرار وتنمو كل مقدرات الوطن الاقتصادية والزراعية والانتاجية. هذه هي رسالتكم الاساسية كرسالة الميلاد  رسالة حياة وسلام وعدل وحق وحرية وتضامن وتعايش للجميع من دون تفرقة وعنصرية. قال إرميا النبي: “فِي تِلكَ الأيَّامِ أُنبِتُ لِدَاوُدَ نَبتًا بَارًّا فَيُجرِي الحُكمَ وَالبِرّ فِي الأرضِ… وَتَسكُنُ أَورَشَلِيمُ فِي الطُّمَأنِينَةِ” (إرم 33: 15-16). وقال أشعيا: “كَذَلِكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنبِتُ البِرَّ وَالتَّسبِحَةَ أمَامَ جَمِيعِ الأمَمِ” (أش 61: 11). والقديس بولس يدلّنا على طريق العدل والسلام، فيقول: “عَسَى أَن يَزِيدَ الرَّبُّ وَيُنمِي مَحَبَّةَ بَعضِكُم لِبَعضٍ وَلِجَمِيعِ النَّاسِ عَلَى مِثَالِ مَحَبَّتِنَا وَيُثَبِّتُ قُلُوبَكُم فِي القَدَاسَةِ” (1 تسا 3: 11).
احبائي نعيش اليوم فرح الميلاد فرح اشراقة الشمس من باطن الظلام ففي كل يوم تشرق الشمس بفجر جديد وأيضاً كل يوم تغيب ومع ذلك يبقى الامل والرجاء في انتظار إشراقة جديدة تحمل العمل والنشاط والحيوية. وكما نعيش هذا الحدث بشكل يومي نعيش في هذه الايام إنبثاق النور وطريق الحرية المتولدة من قلب الاستعباد والظلم. وكانت فترة المخاض قد بدأت منذ مطلع العام الماضي عندما تفجرت كنيسة القديسين في مدينة الاسكندرية وما سبقها من أحداث وما تبعها أيضاً من احداث أخرى فجرت صمت زكريا الكاهن  الذي انفتح فمه في الحال ونطق لسانه ممجداً الرب لآنه تفقد شعبه وافتداه ،وكانت الاحداث أيضاً هي صوت يوحنا المعمدان الصارخ في البرية ليعد طريق الرب ويدعو الناس الى التوبه لأنه أقترب ملكوت الله فعندما صار الحدث المريع صرخ الشعب في داخل الكنيسة قدوس قدوس رب الصباؤوت السماء والأرض مملؤتان من مجدك المقدس وبالفعل إمتلأت الأرض من هذا المجد وولدَ شهداء في تلك الليلة فتحوا طريق الحرية نحو إسقاط كل دكتاتورية واستعبادونظام ظالم مجحف بحق شعبه. أيهّا الحكام ويا أيتها الأنظمة إلى متى تبقون هكذا تستعبدون من أعطاكم الثقة في قيادته فلا تستهينوا حتى بأبسط الأمور ، فمن عربة خضرةٍ لبائع يجني رزقه وقوتَه هووعائلته بعرق جبينه، نقصد به محمد البوعزيزي تفتّقت الثورات ورُفع الستار وكشف المستور واُعلنت الحقيقة ونال كل ظالم جزاءه وانطلق الناس نحو البحث عن الامن والاستقرار والانتاج ليعيشَوا بكرامة ويكون لهم الحق في اخيتار مَن يمثلهُم، مع الأمل بانبثاق فجر حريّةٍ جديد. وانتم أيّها القادمون لتحملوا المسؤولية كونوا صادقين جادين مستفيدين من الماضي باحثين عن سبل الامن والسلام لجميع المواطنين وتأملوا في أن لنا " إلهاً رحيماً ورؤوفًا افتقدنا من الاعالي وأشرق على الجالسين في الظلمة وظلال الموت نوراً عظيماً يهدي خُطانا الى طريق السلام.
لقد جاءت رسالة الميلاد من فوق، من السماء لكَّل إنسان داعية إياه الى التغيير والتجديد والعودة الى بهاء الصورة الأولى التي خُلقنا عليها، صورةِ الله ومثالِة التى قد شوهناها بالتمرد والعصيان ورفض مشيئة الله والتمسك بمشيئتنا الخاصة. جاء الله إلينا في هذا اليوم