لبنان
29 أيار 2023, 12:30

ميناسيان ترأّس قدّاس اليوبيل المئة لمدرسة القدّيس غريغوريوس- الأشرفيّة

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة مرور 100 سنة عل تأسيس مدرسة القدّيس غريغوريوس- الأشرفيّة، ترأس كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان قدّاس اليوبيل، في ملعب المدرسة، بحضور المعاون البطريركيّ ومطران بيروت لكنيسة الأرمن الكاثوليك جورج أسادوريان،عاونه في الخدمة لفيف من الكهنة والشّمامسة، وحشد غفير من المؤمنين.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس ألقى البطريرك ميناسيان عظة جاء فيها:  

"إخوتي الأحبّاء، أباشر بهذه العبارة لأنّها تعلو على كلّ الألقاب والمراكز العالميّة. اخوتي وأخواتي، أجدُ نفسي اليوم مُغمرًا بالذّكريات والعواطف القلبيّة لتاريخ غمرته الشّهادات الأخلاقيّة والعلميّة وغيرها من قيمٍ إنسانيّة، دينيّة واجتماعيّة. يقول المثل: "العلم في الصّغر كالنّقش على الحجر" نعم اليوم نحتفل على المئة عام لمدرسة القدّيس غريغوريوس المنوّر، غريغوريوس المؤسّس الدّيانة المسيحيّة كدولة في أرمينيا ورغم قساوة القدر الّذي اضطهد اتّباعهم عبر العصور ضلّت هذه المؤسّسة الفكريّة الدّينيّة والاجتماعيّة قائمة بعطائها لعدّة أجيال وحتّى اليوم.  

في سنة 1923 بعدما مرّ ثمانية أعوام على مذبحة الأرمن من قبل الدّولة العثمانيّة أين قُتِل أكثرَ من مليون ونصف المليون من الأرمن، نتيجة لثباتهم بإيمانهم المسيحيّ وُلِدت هذه المدرسة على أيدي الآباء اليسوعيّين الّذين انتقلوا من الأراضي المقدّسة الأرمنيّة إلى الشّرق الأوسط بين سوريا ولبنان، لبنان الّذي رحّب أوّلاً بالأيتام الأرمن ومن تبقّى من عائلاتهم أفرادًا الّتي مرّت بتلك التّجربة المرّة. وأخذوا المدرسة ملجأً للعلم والازدهار وتعزية لما خسروا من أحبّاء وأملاك. ثمّ تمّ انتشارهم في العالم أجمع.

اليوم نرى هؤلاء الصّغار الّذين ترعرعوا في هذه المدرسة ثمّ ذهبوا ونجحوا واليوم عادوا إلى مسقط رأسهم لبنان للاحتفال بما نالوه من علم واختصاص.

عادوا اليوم إلى لبنان ليحيوا هذه الذّكرى المئويّة حاملين في قلوبهم ماضيهم العصيب بتمسّكهم المتمثّل بمبادئهم العريقة ضدّ الاضطهادات رافضين الصّدقة والمعونة ليتكلّل صمودهم هذا بالانتصار والنّجاح.

عادوا وفي أذهانهم المبادئ الّتي تبذوها من هذه الباحة، باحة المدرسة ركن العلم والثّقافة فصاروا أرباب أعمال محترمة وأصحاب عائلات مقدّسة.

عادوا إلى هذه االرّبوع اللّبنانيّة ليشكروا هذه الرّسالة اليسوعيّة الّتي هي أيضًا بدورها عملت محاربةً الأميّة بنشر العلم والفكر في نفوس وعقول الجيل الجديد. فكنتم أنتم أوائلهم أولاد الشّعب المنكوب وليس المضمحلّ، أولاد المذبحة والموت ولكنّكم أحياء ترزقون، أولاد المنبوذين ولكنّكم مسامحين ورسل السّلام والتّقوى في العالم.

نعم إخوتي الأحبّاء، إنّكم من أوائل الرّسالة اليسوعيّة في لبنان الّتي بذلت جهودها بالعطاء بعدما أخذت البركة الرّسوليّة من قداسة البابا بيوس الحادي عشر وأكملت هذه الرّسالة عبر عدّة رسل من الكهنة اليسوعيّين من أصل أرمنيّ وغيرهم من الّذين ضحّوا بحياتهم في سبيل تثقيف هؤلاء البراعم العطشانة للعلم.

اليوم وبعد مائة سنة من تأسيسها مدرسة القدّيس غريغوريوس لم تمت بل لا تزال حيَّة في سبيل العلم ولو تغيّر الاسم ولكنّها بقيت وستبقى على قيد الحياة عاطيةً الرّسالة، رسالة الحبّ والتّسامح متسلّحةً بالانتمائيّة الرّوحيّة الّتي نستقيها من كلام المسيح في إنجيله الطّاهر.

فما هي رسالتي لكم اليوم إخوتي الأحبّاء

رسالتي لكم اليوم رسالة شكر وتقدير، رسالة حبّ نقيّ، رسالة أُمنية أخويّة تتمنّى لكم المثابرة في هذه الرّسالة السّامية منفتحة ليس للأرمن فقط بل لكلّ مَن تمنّى العلم والتّقدّم في هذه الحياة.

أمنيتي لكم المثابرة والتّشدّد في تعليم الفكر ونحت القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة وخاصّة في هذه الأيّام أين نشدوا إلى هذه المبادئ المضمحلة.

إنّ مجتمعنا اليوم خالٍ من هذه النّقاط الأساسيّة، إنّ مجتمعنا اليوم مجروح ومتشرّد، معطوب يشدو إلى الاستشفاء فما علينا إلّا الكدّ والعمل إلى جلب هؤلاء إلى طريق الصّواب، إلى روح الوطنيّة الحرّة والنّقيّة، العمل والكدّ لنشل هؤلاء من العواصف اللاأخلاقيّة الّتي لا ترحم ولا تعطف على أحدٍ.  

أمنيتي لكم أنتم الّذين أتيتم من جميع أطراف المسكونة لتحتفلوا وتشهدوا على ما نروي إليكم من أحداث وتاريخ لهذه المؤسّسة العلميّة الثّقافيّة الرّوحيّة لتسيروا على خطّة من أعطاكم العلم والقيم والسّلوك لتكوّنوا ذاتكم وتمنحوا بمثلكم الصّالح لمن يريد السّير على ذات الطّريق، طريق العلم والاقتداء بالمسيح.

أعترف بأنّ أغلبيّتكم في هذا اليوم السّعيد يحمل في ذهنه ذكريات أيّام المدرسة ومدرائها وخاصّة ذكرى الأب سهاك كيشيشيان الّذي عرفته شخصيًّا لما يحمله من أخلاق نبيلة وبتضحية حياته في سبيل خدمتكم وإعطائكم الثّقافة وتحريركم من أشواك الجهل والأمّيّة.

ولكنّي أؤكّد لكم بأنّي أذكر أكثر وأبعد من تاريخ الأب ساهاك فهناك أوّل مؤسّسي الرّسالة اليسوعيّة في شخص الأب جان مسريان المقرّب من خادم الرّبّ البطريرك كريكور بيدروس كاردينال أغاجانيان الّذي كنّا نراه دائمًا ما عدا خدمته في المدرسة، مساعد في هذه البطريركيّة، بطريركيّة الأرمن الكاثوليك. كما تعرّفنا أيضًا وعشنا معه طيلة الحرب الأهليّة الّتي تُذكر وألّا تُعاد، الأب كولدن باخ المتخصّص باللّغة الأرمنيّة الكلاسيكيّة (krapar) والّذي كتب وترجم عدّة كتب من تاريخ الآباء القدّيسين الأرمن هكذا كانوا كجوقة ملائكة نزلت على هذه الأرض اللّبنانيّة المقدّسة وعملوا بإخلاص وافتداء.

نعم إخوتي الأحبّاء، إنّ الوقت قصيرٌ لإحياء ذكرى جميع مَن عمل في هذه المدرسة بأمانة وعطاء متفانين بأنفسهم لإعطائكم العلم والثّقافة في سبيل مستقبلكم الّذي نفتخر به اليوم في هذه الذّبيحة الإلهيّة.

فلذا أقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة على نيّة هذه الارساليّة، ارساليّة الآباء اليسوعيّين وعلى نيّتكم جميعًا لكي ربّنا يسوع المسيح فادينا ومخلّصنا يغمرنا بمراحمه السّماويّة ويعطينا القوّة للمثابرة في رسالتنا الثّقافيّة وإبقاء مدارسنا فاتحة أبوابها رغم الصّعوبات الّتي تواجهها اليوم.

إنّ المدارس الكاثوليكيّة كانت ولا زالت وستبقى لأجيال عديدة. تعطي أبناءها الإيمان والمعرفة والمبادئ الأخلاقيّة والإنسانيّة.

فدمتم ودامت مدرستنا بشفاعة والدتنا القدّيسة مريم وببركة الله الآب والإبن والرّوح القدس آمين."