مصر
17 أيار 2022, 06:30

ميناسيان من مصر الجديدة: لكي نعرف يسوع عن قرب أوّلاً علينا أن نتعلّم كيف نصغي بإيمان

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك كاثوليكوس كرسيّ كيليكيا للأرمن الكاثوليك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان قدّاسًا في كنيسة القدّيسة تريزا الطّفل يسوع- مصر الجديدة، عاونه في الخدمة المطران كريكور وأغسطينوس كوسا ورئيس أساقفة أبرشيّة حلب المطران بطرس مراياتي ولفيف من الكهنة والشّمامسة، بحضور حشد غفير من المؤمنين.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك ميناسيان عظة جاء فيها:  

"إخوتي وأخواتي بالمسيح،

أشكر الله على هذه المناسبة السّعيدة الّتي أتاحت لي أن أكون بينكم اليوم في أرض مصر الحبيبة، هذه الأرض المقدّسة الّتي كانت ملجأً لسيّدنا ومخلّصنا يسوع المسيح، فعلى خُطا الرّاعي الصّالح، أردت أن أكون بينكم، وأقدّم الذّبيحة الإلهيّة معكم وعلى نيّتكم، فلذلك أودُّ أن نجتمع سويّةً حول مائدة الرّبّ، حول جسد ودم فادينا يسوع المسيح، فهو من قال "كلّما اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ بِاسْمِي، فَأَنَا أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ" (متّى٢٠: ١٨).

وأشكر في هذه المناسبة، سيادة المطران كريكور أوغسطينوس كوسا، أسقف وراعي هذهِ الكنيسة، الّذي عمل جاهدًا حتّى تتحقّق هذه الزّيارة المباركة، كما وعلى جهوده الحثيثة في خدمة هذه الرّعيّة ونشره كلمة الله ومحبّتهِ بين مؤمنيه، على مثال الرّاعي الأعظم يسوع المسيح، مؤكّدًا له صلاتي ودعائي وبركتي ودعمي لرسالته في خدمة بيت الرّبّ وشعبهِ المؤمن، المتعطّش إلى كلمة الرّبّ، واعدًا إيّاهُ وإيّاكم بخدّام فَعَلَةً في بيت الرّبّ يساعدوه ويساندوه في هذه الدّعوة الإلهيّة المقدّسة، "إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ" هذا ما يدعونا إليه إلهنا، فلنصلّ إخوتي وأخواتي الأعزّاء من خلال هذه الذّبيحة المقدّسة طالبين من ربّ الحصاد أن يرسل فعلةً حقيقيّين، غيورين على بيتهِ وبيعتهِ .

اليوم في طقس كنيستنا الأرمنيّة، نذكر عيد ظهور الصّليب المقدس، الذّي ظهر في عام 326 ميلاديّ على يد الملكة هيلانة.

الصّليب، الّذي لم يعد رمزًا للضّعف والعار، فبقيامة ربّنا يسوع المسيح أصبح رمزًا للنّصر والخلاص، رمزًا للحقيقة الّتي هي بعيدة عن هذا العالم.

هذه الحقيقة الّتي أتت بشخص يسوع، لكنّها رُفضت من الكثيرين، وما زلنا نرفضها حتّى يومنا هذا، لأنّنا تعوّدنا على الظّلمة حتّى ألِفناها، ناسينَ أنّنا أبناء النّور والحقيقة.

في إنجيل اليوم، نرى كيف كانوا اليهود في اليهوديّة يريدون قتل يسوع، قتل الحقيقة، لذلك قرّر يسوع الذّهاب إلى الجليل. وفي تلك الأثناء، كان عيد اليهود، المعروف باسم كابان.

فلمّا ذهب إخوة يسوع إلى العيد، حينئذ ذهب هو أيضًا إلى هناك. ولكن ليس علانيّة، بل في الخفاء.  

منطِقُنا يشبه كثيرًا منطق أهل أورشليم: فنحن أيضًا نرى الحقيقة لكنّنا نرفضها، نرى المحبّة ونعمل البغض، نرى النّور ونمشي في الظّلمة.  

إخوتي وأخواتي في المسيح، إن أردنا أن نحيا، فعلينا أن نسلّم ذواتنا إلى المسيح، ليغيّرنا ويصنع منّا أداة لصنع الخير والسّلام.  

لا يكفي أن أرى النّور إن لم أقبله لينوّر حياتي أوّلاً حتّى أستطيع أن أنوّر حياة الآخرين من حولي. لا يكفي أن أرى الحقيقة إن لم أصدّقها وأنشرها للملء، لا يكفي أن أرى المحبّة إن لم أعمل بها.  

يقول الإنجيليّ يوحنّا: أنّه بينما كان يسوع يعلّم في المجمع، "تَعَجَّبَ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: كَيْفَ هذَا يَعْرِفُ الْكُتُبَ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟ أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ؟ وَهَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جِهَارًا وَلاَ يَقُولُونَ لَهُ شَيْئًا! أَلَعَلَّ الرُّؤَسَاءَ عَرَفُوا يَقِينًا أَنَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ حَقًّا؟ وَلكِنَّ هذَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَمَتَى جَاءَ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنْ أَيْنَ هُوَ."

هؤلاء هم نفس الجموع الّذين رَأوْا يسوع يصنع المعجزات، يشفي المرضى ويقيم الموتى، لكنّهم رفضوا الحقيقة. معتقدين أنّهم يعلمون كلّ شيء.

 

"حينئذٍ ، بينما كان يسوع يعلّم في الهيكل، هتف: بالطّبع، أنت تعرفني وتعرف من أين أتيت لكنّي لم آتي إليّ ومن أرسلني فهو صادق وأنت لا تعرفه. لكنّي أعرفه لأنّي أتيت منه وهو أرسلني".

الإنزعاج الّذي يحمله يسوع هو الانزعاج الّذي يشعر به المرء أمام شخص متعلّق بشدّة بماضيه المظلم غير مقتنع بالتّغيير، مثلما حنّ شعب الله المختار إلى عبوديّة فرعون.  

كثير من الأوقات نعتقد أنّنا نعرف المسيح، مثلما اعتقد الجمع في الجليل، لكنّنا بالحقيقة لا نعلم عنه إلّا القليل فقط. ولكي نعرف يسوع عن قرب، أوّلاً علينا أن نتعلّم كيف نصغي بإيمان وكيف نرى ونفكّر بحكمة طالبين من الرّوح القدّوس أن ينوّرنا ويفتح عيوننا على حقيقة المسيح، حتّى نعيشها في حياتنا اليوميّة.

على كلّ إنسان أن يبحث عن الحقيقة لأنّ فيها يرى سعادته. فمن يجد الحقيقة يجد معنى لحياته.  

يسوع هو تلك الحقيقة، هو الشّافي والمعزّي، هو الطّريق والحقّ والحياة فمن يؤمن به ستكون له الحياة."