لبنان
16 شباط 2018, 14:15

ندوة حول "العبادات التّقويّة" مع الأب عبده أبو كسم تناولت رسالة الصّوم للبطريرك الكاردينال الرّاعي

عقدت قبل ظهر اليوم ندوة صحفيّة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، تحت عنوان "العبادات التّقويّة"، تحدّث خلالها مدير المركز الخوري عبده أبو كسم عن رسالة الصّوم للبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي "ثمار تدّل على التّوبة". بحضور سيّدات من أخويّة الحبل بلا دنس – مار منصور النّقاش، وعدد من المهتمّين والإعلاميّين.

 

رحّب الخوري عبده أبو كسم بالحضور باسم رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر وقال:

"نحن في بداية زمن الصّوم المبارك وقد لفتتني رسالة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى لهذه المناسبة ودخلت في عمق تفكيري لنستعد للتّوبة ولنتشارك بعيد الفصح".

تابع "الفروض الملزمة لكلّ إنسان مسيحيّ الصّلاة، الصّوم والتّوبة. متسائلاً عمّا يعني لنا الصّوم؟ وهل الصّوم المادّيّ هو صوم ضروريّ للصّوم الرّوحيّ الّذي نعيشه، وما هي مفاعيله؟ الكثير يربط زمن الصّوم بزمن التّوبة؟ ما الّذي يجب أن نفعله؟ وكم هو الصّوم مهمًّا في حياة المسيحيّ لترويض النّفس وللتّحرّر من الخطيئة ولتلقي النّعم السّماويّة؟"

وقال أبو كسم "تتناول هذه الرّسالة في ثلاثة أقسام، التّوبة وثمارها وتوجيهات راعويّة:

أوّلاً : التّوبة

التّوبة فضيلة وسرّ. هي فضيلة قوامها رجوع القلب إلى الله بالارتداد عن الخطيئة وحالتها؛ والابتعاد عنها وعن أسبابها، مع كره للشّرّ وللأفعال السّيّئة الّتي اقترفناها، وعلى رغبة ومقصد بتغيير المسلك الحياتيّ، مع الرّجاء المتّكل على رحمة الله، والثّقة بمساعدة نعمته..ثانياً هي سرّ مقدّس يرتكز على إقرار التّائب بخطاياه أمام الكاهن، صاحب السّلطان الإلهيّ، الّذي يحلّه منها. ويدعى هذا السّرّ "سرّ التّوبة أو الاعتراف أو المصالحة".  توبة القلب بفضل النّعمة الإلهيّة الّتي تمحو الخطايا، وتعطي التّائب قلبًا جديدًا، ينتصر على تجارب الشّيطان ومغريات الحياة، وبخاصّة إذا اقترن سرّ التّوبة بسرّ القربان، لأنّ فيه ذبيحة المسيح الّتي صالحتنا مع الله، والّتي تقوّينا في عيش حياة المسيح. وثالثاً توبة القلب تتطلّب التّوبة الحقيقيّة تنطوي على ثلاثة: النّدامة عن الخطايا، والإقرار بها بالتّعويض المطلوب عدالة، إذ لا غفران من دون عدالة".

يتابع غبطته "التّوبة الحقيقيّة المثمرة هي التّي تدرك الخطيئة في جوهرها، في أسبابها ونتائجها. إنّها سوء استعمال خيرات الدّنيا، والإفراط في ممارسة الحرّيّة الشّخصيّة، من دون أيّ رباط وشركة مع الله المعطي. إنّها تعلّق القلب والفكر والإرادة بعطايا الله ونسيانه."

 يضيف غبطته "بعد إدراك الخطيئة ونتائجها القاتلة، والنّدامة عليها من أعماق القلب، لا بدّ من طلب الصّفح والمصالحة. هنا تنجلي التّوبة- السّرّ المقدّس. الله الّذي وحده يغفر الخطايا منح الكنيسة بواسطة سرّ الكهنوت السّلطان لمغفرة الخطايا بمحبّة الآب، ونعمة فداء الابن، وفعل الرّوح القدس المُحيي.. والتّوبة ضروريّة ولا غنى عنها من أجل خلاص الإنسان. فقد دعا إليها الرّبّ يسوع في أوّل عظة له، بعد اعتماده وصومه أربعين يومًا، إذ نادى: "تمّ الزّمان واقترب ملكوتُ الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل". أمام كلّ هذا، لا يستطيع الأسقف والكاهن إهمال خدمة سرّ التّوبة الّتي ائتُمن عليها بحكم رسامته. فهو مسؤول عن موت الخطأة في خطاياهم. لقد كَثُرت الخطايا وتشعَّبت وتفشّى الشّرّ في مجتمعنا وفي العالم. فلا بدّ من أن نتحمّل مسؤوليّاتنا الأسقفيّة والكهنوتيّة."

ثانيًا، الثّمار الّتي تدلّ على التّوبة

1- السّير في نور الحقيقة، الصّوم الكبير زمن سماع كلام الله في الرّياضات الرّوحيّة الّتي تقام في الرّعايا والأديار "كلمتُك مصباحٌ لخطاي ونورٌ لسبيلي". فكلمة الله تغذِّي العقول والقلوب بنور الحقيقة الموحاة، وتحيي الضّمائر كي تتمكَّن من سماع صوت الله.

يتابع غبطته "الصّوم عن الطّعام، ونعيش شيئًا من التّقشّف والإماتة والحرمان، كي نغتذي من كلام الله الإلهيّ، إذ نجلس إلى مائدة كلمة الله الّتي تعلّمنا الحقيقة، والحقيقة تنير عقلنا. وهكذا نتمكّن من معرفة الله ومحبّته. ونعرف كيف نميّز بين الخير والشّرّ، وينجلي لنا وجه الكنيسة الّذي يضيء عليه نور وجه المسيح؛ ونفهم أخيرًا معنى الحياة."

ويقول "الصّوم الكبير هو زمن الإصغاء لصوت الله الذي يكلّمنا بشخص المسيح وتعليمه وأفعاله وآياته. لذا، يشترط الرّبّ يسوع، من أجل قبولها وفعلها فينا، ثلاثة: سماعها بالقلب وليس فقط بالأذن والعقل؛ وحفظها كالخميرة في العجين والعمل بها بأفعال وأقوال.أجل، كلمة الله كالمطر والثّلج ، فلا يرجعان إلى السّماء، بل يرويان الأرض.

2- الصّلاة هي ثمرة سماع كلام الله، إذ نصوغ صلاتنا من كلماته. فمَن لا يسمع كلام الله لا يعرف كيف يصلّي. الصّلاة هي ارتفاع العقل والقلب والفكر إلى الله، ونسيان كلّ الباقي. ويحتاج المصلّي إلى شيء من العزلة والاختلاء، لتسهيل صلاته." الصّوم الكبير يستلزم الهدوء، بما يحتوي من رياضات روحيّة وأصوام وإماتات وتوبة، هو زمن الصّلاة بامتياز. فلا تكون صلاتنا من الشّفاه، فيما الفكر والقلب بعيدان عن الله. "إسهروا وصلّوا، لئلّا تقعوا في التّجربة." ويظنّ البعض أنّ الصّلاة مضيعة للوقت! على العكس، فالقدّيسة مونيكا نالت ارتداد ابنها أغسطينوس بدموعها وصلواتها لسنين. فكان أعظم القدّيسين واللّاهوتيِّين. وهو القائل: "الصّلاة هي مفتاح كلّ كنوز السّماء". بكلمتين من القلب ممزوجتَين بالتّوبة، نال لصّ اليمين الخلاص. ولاقى القدّيس لويس التّاسع، ملك فرنسا، انتقادًا لأنّه كان يُخصّص وقتًا طويلًا للصّلاة، وبذلك يهمل شؤون المملكة، فأجاب القديّس: "لو خصّصت وقت الصّلاة للصّيد واللّهو، مثلما يفعل قوم من البلاط، لما كان انتقدني أحد!"."

3- الصّوم، بما يحتوي عليه من انقطاع عن الطّعام وإماتات وتقشّفات، إنّما هو تعبيرٌ خارجيّ عن توبة القلب.. فالله على لسان يوئيل النّبيّ نادى: "إرجعوا إليَّ بكلّ قلوبكم وبالصّوم والبكاء والنّدامة. مزِّقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرّبّ إلهكم." والصّوم فريضة إلهيّة. إنّه موقف تواضع وانسحاق أمام الله، تكفيرًا وتطهيرًا من الخطايا، وانفتاح القلب للنّور الإلهيّ.

وقداسة البابا فرنسيس يكتب في رسالته بمناسبة الصّوم الكبير 2018: "الصّوم ينتزعُ منّا العنف ويساعدنا على النّموِّ الرّوحيّ. يجعلنا نختبر معاناة الّذين ينقصهم الضّروريّ.  والصّوم يجعلنا أكثر انتباهًا لله وللقريب، ويوقظ فينا إرادة الطّاعة للإله الّذي هو وحده يُشبع جوعنا".

ويقول غبطته "الصَّدقة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصّوم. نحرم ذواتنا من مأكل ومشرب لكي نساعد الفقير والمحتاج بدلًا من ذواتنا. هذه هي حكمة الصّوم والصّدقة. هو "كسر خبزك للجائع، وإدخال البائسين بيتك، وكسوة العريان، وعدم إهمال مَن هم في حاجة."

ونقرأ في رسالة البابا فرنسيس لصوم هذه السّنة أنّ "الصّدقة تحرِّرني من الجشع، وتساعدني على اكتشاف الآخر أخًا لي. ويضيف قداسته : "كلّ صدقة هي مناسبة للتّعاون مع عناية الله بأبنائه. إذا كان الله يحتاجني اليوم ليساعد أخًا لي، فكيف لا يهتمّ غدًا بحاجاتي، هو الّذي لا ينغلب في السّخاء!"

ثالثًا، توجيهات راعويّة

 يقول غبطته الصّوم الكبير يدوم سبعة أسابيع، استعدادًا لعيد الفصح. يبدأ في اثنَين الرماد، وينتهي يوم سبت النّور ظهرًا. ويُفسَّح من الصّوم والقطاعة أيّام السّبوت والآحاد والأعياد التّالية: مار يوحنّا مارون والأربعين شهيدًا، ومار يوسف؛ وعيد شفيع الرّعيّة. أمّا طيلة أسبوع الآلام من الاثنين إلى سبت النّور فيبقى الصّوم والقطاعة إلزاميَّين . يُعفى من الصّوم والقطاعة على وجه عام المرضى والعجزة، ومعلوم أن الأولاد يبدأون الصّوم في السّنة الّتي تلي قربانتهم الأولى، مع اعتبار أوضاعهم في أيّام الدّراسة. والّذين يُعفون من شريعة الصّوم والقطاعة مدعوّون للاكتفاء بفطور قليل كافٍ لتناول الدّواء."

يضيف غبطته أيضًا هناك صوم الرّسولين بطرس وبولس والرّسل الاثنَي عشر من 17 إلى 28 حزيران. وصوم انتقال السّيّدة العذراء من 7 آب، بعد عيد الرّبّ إلى 14 منه.. و صوم الميلاد من 16 إلى 24 كانون الأوّل. وعن القطاعة يوم الجمعة والّتي تقوم هذه القطاعة على الامتناع عن أكل اللّحوم والحليب ومشتقّاته والبيض كلّ يوم جمعة على مدار السّنة. يُستثنى يوم جمعة أسبوع المرفع، وأيّام الجمعة الواقعة بين عيدَي الفصح والعنصرة، وبين عيدَي الميلاد والدّنح. وتُستثنى أيّام الجمعة الّتي تقع فيها الأعياد التّالية: ختانة الطّفل يسوع، عيد مار أنطونيوس الكبير، دخول المسيح إلى الهيكل، عيد مار مارون، عيد مار يوحنّا مارون، عيد الأربعين شهيدًا،  عيد مار يوسف، عيد بشارة العذراء ، عيد القدّيسَين الرّسولَين بطرس وبولس، عيد الرّسل الإثنَي عشر، عيد التّجلّي، عيد انتقال العذراء، عيد قطع رأس يوحنّا المعمدان، عيد ميلاد العذراء، عيد ارتفاع الصّليب المقدّس، عيد الحبل بسيّدتنا مريم العذراء بلا دنس، عيد ميلاد الرّبّ يسوع، وعيد شفيع الرّعيّة، عيد قلب يسوع."

ويشدّد غبطته على الصّوم القربانيّ هو الانقطاع عن الطّعام استعدادًا لتناول القربان الأقدس خلال الذّبيحة الإلهيّة، أقلّه ساعة قبل بدء القدّاس الإلهيّ للمحتفل، وساعة قبل المناولة للمؤمنين، هذا بالإضافة إلى حالة النّعمة والحشمة في اللّباس والتّخشّع، واستحضار المسيح الرّبّ الحاضر تحت شكلَي الخبز والخمر."

 ويختم غبطته "زمن الصّوم الكبير هو المناسبة السّنويّة المقدّسة الّتي فيها نرمّم علاقتنا المثلّثة: الأولى مع الله والثّانية مع الذّات والثّالثة مع إخوتنا المعوزين."