ثقافة ومجتمع
19 تشرين الثاني 2015, 22:00

ندوة للحركة الثقافية في انطلياس في عيد الاستقلال خليفة: للالتفاف حول المؤسسات ونبذ العنف ورفض التبعية لكل المحاور الخارجية

أحيت الحركة الثقافية - انطلياس العيد الـ72 للاستقلال، بندوة في مقرها، بعنوان "أي استقلال للبنان اليوم في ظل تلاشي مؤسسات الدولة اللبنانية والانهيارات الاقليمية"

مسرة
وتحدث عضو المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرة فرأى أن "لبنان أصغر من ان يقسم واكبر من ان يهضم او يبلع". وقال: "لكن تظهر التجربة التاريخية الطويلة انه يمكن حكمه بالواسطة والاحتيال مع استقلال بنيات ذهنية لدى اللبنانيين. هناك حاجة للجيل الجديد الى تعميق ثقافة الاستقلال".

وأشار الى أن "الملصق الذي نشره الجيش اللبناني حول شهداء لبنان، شهداء الاغتيالات هو أفضل تعبير لما يجب عمله في المستقبل لبناء ذاكرة جماعية مشتركة وادراك مشترك للخطر الخارجي"، لافتا الى أن "المعالجة هي في علم النفس العيادي في ثلاثة جوانب على الأقل: شفاء اللبناني من ذهنية التبعية والاستزلام، وشفاء الأقليات الكبرى من الاستقواء في سبيل تحسين لموقع داخلي ودعم خارجي، وخاصة شفاء اللبناني في علم النفس التاريخي من عقدة الباب العالي".

واعتبر أن "ثورة الأرز او انتفاضة بيروت او ربيع بيروت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحرير ورفاقه، هي ثمرة ادراك مشترك للخطر الخارجي، وهذه الانتفاضة الثقافية في علم النفس السياس هي بحاجة الى تثمير"، مؤكدا أن "المبدأ هو لبنان أولا وترجمته هي اعلان بعبدا".

خليفة
بدوره، قال الدكتور عصام خليفة: "منذ قيام حركتنا الثقافية، عام 1978، شكلت قيم استقلال الدولة اللبنانية، ووحدتها، وسيادتها، وحقوق الانسان فيها القاعدة الأساسية لنضالها. وفي كل مناسبات ذكرى الاستقلال تعاقدنا، مع مجموعة من الهيئات الثقافية المتنوعة، ان نؤكد على مواجهتنا ومقاومتنا لكل قوى الاحتلال والوصاية من الخارج، وقوى الاقتتال والتبعية والامتثال والتفكيك من الداخل. لقد احتفلنا، في الحركة الثقافية، باليوبيل الماسي لإعلان دولة لبنان الكبير، وباليوبيل الذهبي للاستقلال والجلاء، وعقدنا المؤتمرات الوطنية واصدرنا المنشورات الاكاديمية حول هذه المناسبة الكبرى في تاريخنا المعاصر".

أضاف: "لقد سعينا باستمرار الى ابراز دور القادة التاريخيين الذين كافحوا لقيام الدولة عام 1920، والذين سعوا لتعميق الوحدة الوطنية وبلورة الميثاق الوطني لاحقا، ذاك الإنجاز الذي كان ولا يزال وسيبقى العامل الرئيس لترسيخ الاستقلال. دافعنا عن حدود الدولة ووضعنا المذكرات وعقدنا المؤتمرات واصدرنا البيانات، وقمنا بعملية توعية على أهمية الحفاظ على سيادة الدولة ضمن كامل حدودها".

وتابع: "ماذا نستطيع اليوم ان نقول في ذكرى الاستقلال؟ ان كل مواطن مدرك يلاحظ بوضوح العوامل او المظاهر المهددة لاستقلال الدولة اللبنانية:

1- عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة ونصف تقريبا، وعدم وجود مؤشرات لانتخاب رئيس في القريب العاجل.

2- احجام مجلس الوزراء عن الاجتماع لأسباب مختلفة، مع ما يترتب على ذلك من انعكاس على مصالح المواطنين.

3- تقاعس مجلس النواب، الممد لنفسه مرتين، عن الاجتماع الا بشكل استثنائي وضمن شروط وشروط مضادة. مع تفاقم مظاهر الانقسام المذهبي وصعود موجات التعصب، وبروز ممارسات صارخة في خروجها عن مرتكزات المواثيق الوطنية التي قامت عليها دولتنا.

4- تفكك الإدارة العامة، وتفشي مظاهر الفساد في مفاصلها، والامعان في التهرب من إقرار سلسلة الرتب والرواتب.

5- عدم تقوية الجيش ومختلف القوى الأمنية عدة وعددا وسلاحا ورواتب، ومحاولة إدخالها في زواريب السياسات الضيقة.

6- تفاقم ازمة جمع النفايات وانكشاف ضلوع اطراف مختلفة في السلطة باستغلال هذه القضية لتأمين المكاسب المالية على حساب المواطن الذي يئن تحت وطأة أزمات الكهرباء والمياه والغذاء والبطالة والهجرة والفقر والديون العامة والخاصة.

7- تدفق ما يزيد عن مليوني مهجر سوري وفلسطيني الى مختلف المناطق اللبنانية الامر الذي اوجد ضغطا على الاقتصاد والمجتمع ومؤسسات القطاعين العام والخاص. وهذا التهجير الممنهج يحمل كل الاخطار الصحية والأمنية والبيئية والأخلاقية وغيرها. ان هذا التدفق، الذي لا نظير له في أي مكان في العالم، يحمل خطر تغيير هوية الدولة اللبنانية، واحتمال تقويض مقوماتها باعتبار ان الديمغرافيا توجه التاريخ.

وبموازاة الأوضاع الداخلية المتفاقمة ماذا يحصل في الإقليم العربي المحيط؟

1- استمرار الزلزال السوري في التردد ومن مظاهره: تهجير 11 مليون انسان (داخل سوريا وخارجها)، قتل اكثر من 300 الف انسان وجرح مئات الألوف، اختفاء واعتقال عشرات الألوف من المواطنين الأبرياء، تدمير ممنهج للاقتصاد السوري بكل مقوماته الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية وغيرها، بقاء أكثرية الأطفال خارج المدرسة مع ما يعني ذلك من عوامل التخلف والامية، وتدمير الثروة التراثية الاثرية التي تجسد عبقرية الشعوب المتعاقبة في هذه المنطقة منذ آلاف السنين.

2- استمرار الانهيار للعراق دولة ومجتمعا واقتصادا، وبروز تفكيك مشوه لمكونات بلاد الرافدين، وتحت ستار القضاء على "تنظيم الدولة الإسلامية" ثمة حرب تبشر بتهجير مليوني عراقي جديد، يضاف الى مآسي هذا الشعب الذي يرزح تحت الكوارث المتعاقبة عليه منذ أوائل الثمانينات.

3- وجود خطر فعلي على كل دول المنطقة من "تنظيم الدولة الإسلامية" التي تعدى ارهابها المشرق العربي لتصل الى عاصمة النور والحضارة باريس. هذه الدولة التي هجرت المسيحيين من ارضهم وبيوتهم وكنائسهم التي تعود للقرن الرابع ميلادي، وسبت الازيديين واضطهدت من لا يمتثل لأوامرها، هذه الدولة التي ترفض قبول الآخر وتفرض على المجتمع ممارسات تعود الى القرون الوسطى وتعيد احياء فكر ابن تيمية الى الحياة العملية.

4- استمرار أنظمة القمع والاستبداد في قهر شعوبها زاعمة انها أنظمة علمانية، وطرح الخيار بينها وبين الإرهاب الداعشي، محاولة ان تقنع قصيري البصر والبصيرة ان وجود هذه الأنظمة ضروري لمواجهة الخطر الإرهابي الداهم.

5- المنظومة الإقليمية التي تسعى إيران الشيعية ان تهندسها تحت وصايتها بما يخدم مصلحتها وفقا لحساباتها الخاصة. والدستور الإيراني يعلن "ان المسلمين (يشكلون) جميعا أمة واحدة، وعلى عاتق حكومة جمهورية إيران الإسلامية واجب صوغ سياساتها وخططها العامة من منطلق رعاية الصداقة والوحدة بين جميع الشعوب الإسلامية، كما يتعين عليها ان تسعى بدأب ومثابرة من اجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية للعالم الإسلامي". وتعتبر إيران الخميني ان الحدود بين دول المنطقة هي حدود مصطنعة فبركها الامبرياليون وان المؤسسات السياسية الموجودة في الشرق الأوسط وخارجها هي غير شرعية لأنها ليست مستندة الى قانون إلهي، وبالتالي يجب الاجهاز عليها. من هنا دعمها للمنظمات والأحزاب على الصعد المالية والعسكرية والأيديولوجية في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وغيرها.

6- بالمقابل ثمة كتلة سنية تتزعمها المملكة العربية السعودية -ومعها الى حد كبير مصر ودول الخليج وتركيا- تتجابه مع الخطة الإيرانية. وكانت الدولة الوهابية تفترض انها قادرة على دعم وتوظيف الحركات الإسلامية الراديكالية في الخارج دون تعريض وضعها الخاص للخطر. وهكذا فقد مولت مجموعة من المدارس الدينية المبشرة بالاتجاه السلفي في طول العالم وعرضه. ولكن مع بروز القاعدة، ولاحقا داعش والنصرة واخواتها، بعد زلزال العراق والزلزال السوري دخل المستطيل الجغراسي من طوروس الى المحيط الهندي مرحلة المجابهة الدموية بين الطرفين السني والشيعي.

7- ان تحلل كيانات الدول في المشرق وتفككها الى وحدات طائفية وقبلية ومذهبية، وانهيار مفهوم الحدود وسيادة الدول على اقاليمها الجغرافية، كان ولا شك يصب في مصلحة المشروع الصهيوني الذي يقضم ارض فلسطين من خلال الاستيطان ويرفض تطبيق القرارات والاتفاقيات الدولية. وعلى كل حال كان هذا الهدف نقطة ثابتة في الاستراتيجية الصهيونية وثمة كتابات كثيرة حوله أبرزها تلك التي وضعها المنظر الأكبر برنارد لويس.

8- في مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية، قال مدير المخابرات الفرنسية برنار باجوليه: "ان الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى الى غير رجعة... واشك ان يعود مجددا". ولاحظ واقع تقسم سوريا والعراق وأضاف: "لا اعتقد ان هناك إمكانية للعودة الى الوضع السابق". وحول احتمالات المستقبل يجيب بأنه لا يعلم ولكن ما يستطيع تأكيده ان خريطة المنطقة "ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية" و"ان الشرق الأوسط المقبل سيكون حتما مختلفا عن الشرق الأوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية". وابدى مدير الـCIA جون برينان وجهة نظر قريبة من وجهة نظر نظيره الفرنسي. والمسؤول السابق للمخابرات الألمانية اوغست هانينغ يعتقد "انه يجب علينا التفكير في رسم حدود جديدة للشرق الأوسط" وان اللاجئين الذين أتوا الى لبنان، في اكثريتهم "سيبقون فيه".

9- إزاء ديناميات الانهيار الداخلي، وإزاء توقعات مسؤولي المخابرات في العالم، هل تستطيع الدولة اللبنانية ان تنجو من لهيب المنطقة، ام ان هذا اللهيب سيطالها بنيرانه انطلاقا من ان لبنان وسوريا هما تؤمان سيامان وعندما مات الأول مات الثاني؟ وهل ان المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى اقتصرت على هذا الموضوع ام انها تطرقت الى ترتيبات تتعلق بتوزيع مناطق النفوذ؟ وهل تم التوصل من خلال هذه المفاوضات الى وضع حد للطموحات الإيرانية في المنطقة؟ وماذا كان موقع لبنان في هذه المفاوضات؟".

وقال: "في مواجهة هذه الصورة القاتمة قام شباب الوطن بحراكهم وطرحوا شعاراتهم الإصلاحية، وعبروا عن الضمير الوطني العام انطلاقا من ازمة النفايات. وما يأمله كل مخلص ان يركز المجتمع المدني على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية كمدخل لتجديد باقي مؤسسات الدولة وتحقيق الإصلاح الشامل".

أضاف: "في ذكرى استقلال الدولة اللبنانية، وإزاء كل ما جرى ويجري في لبنان وعلى امتداد المنطقة نقف في الحركة الثقافية - انطلياس منادين كل أبناء الشعب اللبناني الى الوحدة الوطنية والالتفاف حول مؤسسات الدولة، ونبذ اشكال العنف، ورفض التبعية لكل المحاور الخارجية لان ذلك هو جوهر الميثاق الوطني الذي قامت عليه الدولة اللبنانية. واننا في هذه المناسبة نتذكر كل شهداء القضية اللبنانية -على تنوع مواقعهم- مؤكدين ايماننا الثابت بقيم الاستقلال والسيادة لدولة ترتكز على شرعة حقوق الانسان وملحقاتها. هذه القيم التي كافح جيل الكبار منذ أوائل القرن العشرين في الدفاع عنها. ومهما كانت الصورة مظلمة فلا بد لليل ان ينجلي".

كباره
أما الدكتور نواف كباره فقال: "ان استقلال لبنان مرتبط بالخطاب المؤسس لمعنى وجود هذا البلد والذي يقوم على قبول الاختلاف والقدرة على بناء دولة تحترم التعدد. لذا فان هذا الاستقلال كان بحالة من عدم الاستقرار والتثبيت، ليس فقط بسبب الضغوطات الخارجية، ولكن كون الفكرة التي بسببها وجد لبنان لم تنجح في ان تثبت جذورها وتبني عليها خطابا فكريا يؤسس لهوية لبنانية جامعة. فأزمة الهوية اللبنانية المرتبطة مباشرة بأزمة استقلال لبنان تعود أسبابها الى عدم نجاح عملية الانخراط بين مختلف مكونات الشعب اللبناني. واذا كانت التجربة الشهابية سعت بقوة لاعطاء معنى حديث للهوية اللبنانية الجامعة حول توجهها للبننة كل من المسلمين والمسيحيين سويا، فإن عدم وصولها الى مبتغاها أعاد لبنان الى حالة اللااستقرار وغياب الحالة الاستقلالية. لذا فقد كان مفهوم الاستقلال اكثر ترسخا خلال الحقبة الشهابية ليعود ويتزعزع بعد سقوطها في عام 1970".

أضاف: "أما اليوم فالمطلوب انتاج فكر يبلور معنى جديدا للبنان يشعر معه ابناء هذا البلد بقيمة وطنهم وأهميته. لقد اثبتت التطورات الأخيرة والحراك المدني ان هذا الاحتمال ممكن وان هناك في هذا البلد من الاحرار من ابنائه مستعدون للدفاع عنه. انما المطلوب هو اعادة صياغة معنى جديد لمفاهيم الحرية والليبرالية والتنوع التي شكلت اساس بناء هذا البلد. مع كل ما حدث ويحدث تبقى هذه العناوين الثلاثة قيما مشتركة بين معظم اللبنانيين مع اختلاف الدرجات بين مناطق واخرى ومذاهب واخرى. ورغم ان لبنان هو في دائرة الخطر، فإن عناصر استمراره وبقائه لم تزل موجودة خصوصا ان البديل من حيث استقلال كل طائفة عن الاخرى هو خيار سيىء سيدفع ابناء الطوائف اما الى الهجرة او الوقوع تحت هيمنة الدكتاتورية والأصولية الظلامية. والى ان يتبنى اللبنانيون خيار المواطنة على حساب الانتماء المذهبي، سيستمر استقلال لبنان مترنحا وغير مضمون".


المصدر : الوطنية - بيروت