لبنان
02 كانون الأول 2020, 06:00

نشاط البطريرك الرّاعي لأمس الثّلاثاء- بكركي

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر الثّلاثاء في الصّرح البطريركيّ في بكركي عددًا من طلّاب العلوم السّياسيّة في جامعة القدّيس يوسف USJ، يرافقهم الدّكتور باسكال مونان والصّحافيّة سكارليت حدّاد.

في بداية اللّقاء، ألقى مونان كلمة جاء فيها: "إنطلاقًا من الحياد النّاشط جئنا اليوم لزيارة البطريرك النّاشط الّذي يعمل في الفترة الأخيرة بدون كلل، لمصلحة لبنان وكلّ أبنائه، انطلاقًا من الدّور التّاريخيّ لهذا الصّرح. فنحن ننظر لهذا المقام الوطنيّ الّذي كان له دور أساسيّ في قيام دولة لبنان الكبير منذ مئة عام وما لعبه البطريرك الرّاحل يوسف الحويّك والبطريرك الرّاحل نصرالله بطرس صفير بإرساء الاستقلال الثّاني، واليوم كلّنا أمل أن تكون الجهود الّتي يقوم بها غبطته هي مقدّمة لترسيخ سيادة لبنان وقيام الدّولة الّتي يتطلّع اليها كلّ اللّبنانيّين، وطرحكم الأخير حول موضوع الحياد النّاشط هو حجر الأساس لمشروع الدّولة، فبكركي لم تكن يومًا مقامًا طائفيًّا، بل مقامًا وطنيًّا جامعًا ومحطًة أمل بالنّسبة للشّعب اللّبنانيّ."

الشّباب يسمعون غبطتكم اليوم تتحدّثون عن زوال الكيان اللّبنانيّ، وقد أتوا ليتشاركوا مع غبطتكم هواجسهم، من الهجرة إلى مصير الوطن والأزمات المتلاحقة، والسّبيل إلى وقف هذا الانحدار والنّزيف وإلى إنقاذ لبنان، مع الشّكر لرحابة صدركم واستقبالكم لنا."

بدوره رحّب الرّاعي بالوفد الحاضر وشكر الدّكتور مونان على كلمته وقال: "كلّ النّقاط الّتي طرحتها في كلمتك حملتها بدوري إلى قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس للتّأكيد على ضرورة دعم الكرسيّ الرّسوليّ للبنان وحياد لبنان النّاشط الّذي هو بداية حلّ لجميع الأزمات، وكي لا يكون لبنان ورقة مساومة في أيّ حلّ إقليميّ أو دوليّ. كما حملنا لقداسته الهمّ الاقتصاديّ الّذي أوصل الكثير من المواطنين إلى الفقر والبطالة، وقد كان قداسته متفاعلاً جدًّا مع هذه الهموم والمشاكل".

وشدد البطريرك المارونيّ على وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة من دون وضع أيّ شروط، وأضاف: "عندما طرحت موضوع الحياد النّاشط لم أقم باختراعه، بل هو في الحقيقة صورة لبنان وهويّته الحقيقيّة والّتي عشناها لمدّة سبعين عامًا، فقد عشت شبابي وطفولتي في بحبوحة ومال وانفتاح لبنان على جميع البلدان واستقطاب لبنان للملوك والرّؤساء، وكلّ هذه الأمور حصلت لأنّ لبنان كان حياديًّا وجامعًا ومكانًا للحوار والتّلاقي بين الشّرق والغرب، ودولة ذات سيادة داخليّة مستقلّة تفرض القانون والعدالة ولا تعتدي على أيّ دولة مجاورة ولا تقبل بأيّ اعتداء، هذا هو مبدأ الحياد النّاشط الّذي عاشه لبنان حتّى بداية الانحدار مع اتّفاق القاهرة في العام 1969، وبالتّالي يجب علينا أن نجدّد إيماننا بالدّستور وباتّفاق الطّائف والقوانين الّتي تنصّ على أنّ الحكومة هي من تقرّر خوض الحرب بثلثي الأصوات، فمشكلتنا في لبنان هي أنّنا نضع الدّستور والميثاق جانبًا ويقرّر البعض بالنّيابة عن الدّولة قرار الحرب والسّلم، وهذا ليس من طبيعة لبنان، فاللّبنانيّ بطبعه مسالم وحياديّ ويكره الحرب، وسبب الهجرة اليوم هو تغيّر هذه الثّقافة في لبنان، فالقدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، وحين اجتمعنا معه بشأن السّينودس من أجل لبنان قال لنا إنّ بلدكم صغير جدًّا ولكن دوره كبير وثقافة العيش المشترك هي الّتي أنقذتكم من الحروب ويجب أن تحافظوا عليها، هذا هو لبنان وهؤلاء هم اللّبنانيّون.

لقد راسلنا بعض رؤساء الدّول لتوضيح فكرة الحياد النّاشط، آملين أن يصل هذا الموضوع إلى الأمم المتّحدة حيث يُصار إلى البتّ فيه."  

ثمّ طرح الطّلّاب عددًا من الأسئلة، أجاب عنها البطريرك الرّاعي: فعن سُبل إنقاذ لبنان مع ازدياد أعداد المهاجرين، قال: "يجب علينا أن نصمد في هذه المرحلة، فنحن بالهجرة نرتكب جريمة بحقّ هذا الوطن، فأجدادنا صمدوا وواجهوا ظروفًا أصعب من الّتي عشناها، فكلّ دول العالم عرفت فترات مشابهة، والمطلوب هو الصّمود والاستمرار بالمطالبة بالتّغيير كما فعل شباب الثّورة وكما أتمنّى أن يستمرّوا في هذا النّهج."  

وعن دور البطريركيّة الاجتماعيّ، قال: "أنشأت البطريركيّة شبكة في كلّ لبنان لمحاربة الجوع ومساعدة النّاس وتأمين المساعدات الغذائيّة والأدوية وبعض المساعدات المادّيّة، ولكن الحاجة كبيرة جدًّا ولا يمكننا أن نحلّ مكان الدّولة".

وإعتبر في إجابة على أحد الأسئلة أنّ الفدراليّة وتقسيم لبنان هو حلّ غير وارد، داعيًا إلى تطبيق اللّامركزيّة الإدارية الموسّعة.

وعن الدّعوات لاستقالة رئيس الجمهوريّة قال: "نحن نرفض هذا الموضوع فرئيس الجمهوريّة لا يُعامل بهذه الطّريقة بل وفق الأصول الدّستوريّة."  

وبعد الظهر استقبل الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللّواء محمّد خير وجرى عرض للأوضاع العامّة ولحادثة تفجير مرفأ بيروت وللدّور الّذي تقوم به الهيئة العليا للإغاثة في هذا الإطار.

ثمّ رئيس المجلس العامّ المارونيّ الوزير السّابق وديع الخازن الّذي هنّأ البطريرك بسلامة عودته من الفاتيكان بعدما حمل إلى البابا نكبة اللّبنانيّين وهمّهم وتداعيات الانهيار الاقتصاديّ، كما أكّد الخازن على أنّ الرّاعي بذل وما زال أقصى المحاولات لدفع الأفرقاء إلى إنجاز حكومة إنقاذيّة لإعادة تفعيل مرافق الدّولة، لأنّ الدّولة بأجمعها في خطر إذا ما استمرّ هذا الاستهتار بالاستحقاق الحكوميّ.

ومساءً استقبل البطريرك الرّاعي وفدًا من "مجموعة أرض السّيادة والحرّيّة والاستقلال" المنبثقة عن ثورة 17 تشرين الأوّل 2019، توجّه إلى البطريرك الرّاعي بكلمة جاء فيها:  

"في خضمّ كلّ هذه المآسي الّتي يمرّ بها الوطن، كان لا بدّ لنا من زيارة هذا الصّرح الوطنيّ الّذي لطالما شكّل العمود الفقريّ الّذي يحفظ ديمومة لبنان ويحميه من العواصف.

سيّدنا، نحن مجموعة من اللّبنانيّين الثّوّار في الوطن والمهجر، يجمعنا همّ الوطن وأبنائه، ونتواصل ونعمل ليلاً نهارًا بحثًا عن السّبل الأفعل لدرء العواصف ودعم ثوّار الدّاخل ومدّ اللّبنانيّين بالأمل.

أتيناكم أوّلاً لإعلان كامل تأييدنا لمواقفكم الوطنيّة، وبالأخصّ في طرحكم حياد لبنان ودعواتكم لتحرير الشّرعيّة الوطنيّة واستعادة الدّولة. فوطننا، يا غبطة البطريرك، يقف اليوم على مفترق طرق خطير، ونشكر بكركي الّتي تشكّل خشبة الخلاص وملاذ المواطن اللّبنانيّ بتعدّديته، بعدما فقد ثقته بالطّبقة السّياسيّة الّتي لم تنجح سوى في إفلاس البلد وإيصاله إلى الهلاك حتّى أصبح لبنان دولة فاشلة.

فبين أزمة ماليّة واقتصاديّة يئنّ تحتها المواطن، وأزمة صحّيّة طارئة على العالم، وأزمة سياسيّة أوصلتنا إلى حائط مسدود، وأزمة ضمير مفقود لدى معظم أهل السّياسة المؤتمنين على مصير البلاد والعباد، وبين مشاكل لا تعدّ ولا تحصى تضرب بنا من كلّ حدب وصوب، وبعد أربعة أشهر على جريمة تفجير مرفأ بيروت الّذي هدم نصف العاصمة وشرّد آلاف العائلات وأوقع مئات الضّحايا وآلاف الجرحى، جريمة موصوفة تسبّب فيها إهمال السّلطة الفاسدة المشغولة بتقاسم الحصص والنّفوذ على جثث مواطنيها... بين كلّ هذه المصائب- وبكل أسف نقولها- لم يعد الوطن ملجأ لأبنائه، بل بات كابوسًا يأمل بنوه بالخلاص منه عبر اللّجوء إلى الهجرة؛ لا نريد الهجرة لأولادنا، ولن نترك لبنان الرّسالة محتلّ من جهات خارجيّة.

لذا، أتيناكم سيّدنا لنشدّ على يدكم وندعوكم إلى استكمال ما بدأتم به ومواصلة التّشديد على مواقفكم والتّشدّد فيها والإصرار على المطالبة بتطبيق الدّستور والضّغط لتطبيق القرارات الدّوليّة الّتي لا خلاص للبنان من دونها، والمطالبة أيضًا بإنشاء لجنة دوليّة لمكافحة الفساد والإفلات من العقاب، مؤلّفة من قضاة لبنانيّين ودوليّين، وصولاً إلى حصر الشّرعيّة والسّلاح والقرار الوطنيّ بيد الدّولة وحدها. فإستقرار لبنان لا يكون إلّا باتّباع موقف محايد عن صراعات المنطقة.

نعم لمواقف بكركي الوطنيّة، لحياد لبنان، لاستعادة الشّرعيّة، للبنان حرّ من كلّ هيمنة خارجيّة، ونعم لأن يكون الصّرح البطريركيّ صوت الثّورة وصوت كلّ لبنانيّ حرّ لدى المجتمع الدّوليّ وعواصم القرار. فنحن على استعداد تامّ للمساعدة والتّعاون بكلّ ما يخصّ تحرير وبناء الوطن، مؤمنين بقيامة لبنان وطن لجميع أبنائه."

بدوره رحّب البطريرك الرّاعي بالوفد وأكّد دعمه الدّائم لمحاربة الفساد، وذكّر باللّقاءات العديدة الّتي نُظّمت مع الثّوّار وحلقات الحوار الّتي أُقيمت حول الدّولة المدنيّة وحول حياد لبنان النّاشط، ولفت إلى أنّ موضوع الحياد أثار كلّ هذه الضّجّة لأنّ اللّبنانيّين وجدوا فيه هويّتهم وحقيقيّة لبنان لأنّ الحياد هو المدخل للاستقرار ولحّل المشكلات والصّراعات.

وقال: لكلّ هذه الأسباب قمت بإعداد مذكّرة لبنان والحياد النّاشط الّتي تشرح معنى الحياد الّذي دعوت إليه، فلبنان نشأ دولة مدنيّة حياديّة فاصلة للدّين عن الدّولة، ولطالما كانت نموذج للشّرق والغرب ووطن رسالة كما قال البابا القدّيس يوحنا بولس الثّاني".