لبنان
03 تموز 2019, 05:00

نشاط البطريرك الرّاعي لأمس الثّلاثاء- بكركي

إستقبل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر الثّلاثاء، في الصّرح البطريركيّ في بكركي، رئيس مجلس الوزراء السّابق فؤاد السّنيورة وعرض معه عددًا من المواضيع المتعلّقة بالشّأن المحلّيّ.

 

تحدّث السّنيورة للإعلاميّين  بعد اللّقاء وقال: "في كلّ مرة أزور فيها هذا الصّرح أعبّر عن مدى سعادتي لزيارة سيّدنا البطريرك وتكون مناسبة للتّداول والتّشاور في أمور كثيرة لها علاقة بإدارة الشّأن العامّ وبالأوضاع الّتي تمرّ بها المنطقة ولبنان بالذّات والتّحدّيات الّتي نواجهها في البلد. وبالتّالي كانت هذه الزّيارة مثل غيرها ولكنّها مليئة بالأفكار الّتي تداولناها مع سيّدنا البطريرك في ما يختصّ بالأمور الّتي نتعرّض لها في هذه الآونة.

أودّ أن أنتهز هذه المناسبة لأعبّر عن مدى استيائي وإدانتي لما جرى في الأيّام القليلة الماضية من أعمال كنّا نودّ ألّا نسمع بها مطلقًا، وإنّ ما شهدناه من ضحايا بريئة سقطت كان ينبغي ألّا تسقط في هذا المكان، بل كان ينبغي أن تسقط للدّفاع عن لبنان وألّا تسقط أبدًا، لأنّ هذه ليست هي الطّريقة في معالجة مشاكلنا، والّذي جرى هو نتيجة هذه الأحقاد الّتي يصار إلى إعادة إحيائها، وبالتّالي "النّفخ" في هذه التّشنّجات الّتي نواجهها والّتي شهدناها أيضًا من خلال التّصريحات المتهوّرة الّتي يطلقها البعض، بقصد أن يبني عصبيّة أو شعبيّة معيّنة، ولكنّها لا تؤدّي إلّا إلى مزيد من التّشنّج داخل الصّفّ اللّبنانيّ. وهذا الأمر غير مفيد في الظّروف الّتي يمرّ بها لبنان، وهي دقيقة وخطيرة جدًّا. وأيضًا هذه الأساليب ليست صحّيّة في ظلّ الظّروف الّتي تمرّ بها المنطقة والأخطار الّتي تتعرّض لها ويتعرّض لها لبنان، ولكم كان من المفيد أن نستفيد من كلّ التّجارب الّتي مررنا بها.

نحن نعلم أنّ لبنان على مدى تاريخه، ومن خلال التّجارب الّتي مررنا بها، يحكم بقوّة التّوازن وليس بتوازن القوى، وبالتّالي أولئك الّذين يحاولون أن يعدّلوا موازين القوى لمحاولة إيجاد تغييرات فإنّ هذا لا يؤدّي إلى نتيجة لأنّ التّاريخ أعطانا نماذج وتجارب عديدة لفهمنا بأنّ طبيعة لبنان هي أن يحافظ على الاتّزان والتّوازن وعدم مغادرة هذه القواعد. في الحقيقة إنّ هذا الأمر الّذي يجري الآن من خلال هذا "النّفخ" المتجدّد وخصوصًا في المناطق الّتي عانت كثيرًا، ليس من المفيد إعادة ما يسمّى "نبش القبور" من جديد، نحن نريد أن نعلي فكرة التّسامح والغفران والتّعاون في ما بيننا وليس إثارة النّعرات، من جديد لأنّها لا تفيد ولا تؤدّي إلى نتيجة، لأنّ ما يسمّى بالمكاسب الصّغيرة الّتي يمكن أن يحقّقها البعض سرعان ما تزول، والتّاريخ أعطانا مئات النّماذج ليس فقط في لبنان ومنذ زمن الاستقلال حتّى الآن. وكلّ هذه النّماذج الّتي أعطيت لنا هي لكي نستوعبها ونستخلص منها، وأيضًا النّماذج من باقي الدّول، وبالتّالي من الضّروريّ تفهّم الظّرف الّذي نحن فيه، والظّرف الّذي نعانيه الآن بسبب الأوضاع الاقتصاديّة النّاتجة من أوضاع سياسيّة ووطنيّة وإداريّة، وبالتّالي الحاجة في مكان أن نستطيع فعليًّا الرّؤية والتّبصّر في طبيعة الأخطار الّتي نمرّ بها، وبالتّالي أصبحت لا تعالج مشاكلنا "بالمراهم".

نحن في حاجة إلى اتّخاذ القرارات الصّحيحة والجريئة الّتي تعيدنا إلى ما يسمّى "الأوتوستراد"، وأعني بذلك عندما يكون شخص يقود سيارته ويريد الانعطاف فيأخذ المنعطف الخطأ وتعقّد الأمور أكثر عندما يسلك المنعطفات ولكي يصحّح مساره يعود إلى "الأوتوستراد". ونحن علينا أن نعود إلى "الأوتوستراد" وهو المبادرة الأساسيّة والعودة إلى احترام اتّفاق الطّائف والدّستور والقوانين. ولم يعد من الجائز على الإطلاق أن يقول أحدهم وهو مسؤول إنّنا نريد أن نعدّل اتّفاق الطّائف بالممارسة، أو نريد أن نعدّل القوانين بعدم تطبيقها، أو أنّنا نتجاهل مصلحة الدّولة الّتي هي لمصلحة كلّ اللّبنانيّين وأن نعيد الاعتبار إلى احترامنا للشّرعيّات اللّبنانيّة والعربيّة والدّوليّة: الشّرعيّة اللّبنانيّة المتمثّلة بالدّستور وباتّفاق الطّائف وباحترام القوانين، والشّرعيّة العربيّة المتمثّلة أيضًا باحترامنا لقرارات الجامعة العربيّة والاجماع العربيّ، والشّرعيّة الدّوليّة المتمثّلة باتّفاق الهدنة أيضًا وبالـ1701. وكلّ هذه الأمور نحن نرى أنفسنا نتخطّاها وبالتّالي نتوجّه إلى مفارق تأخذنا بعيدًا من مصالحنا.

يجب أن نعيد تصويب البوصلة تصويبًا صحيحًا كي نحافظ على وضعنا. يجب أن نعيد، مرّة ثانية، الاعتبار إلى الكفاية والجدارة بكلّ مسؤوليّة في مؤسّساتنا الحكوميّة، ولا يمكن أن نأتي بالنّاس لأنّ ولاءهم فقط لنا ويديرون مصالحنا، وبالتّالي كما يقال "إذا وسد الأمر لغير أهله فذلك مصيب"، والدّولة اليوم أصبحت وليمة على طاولة وكلّ الأفرقاء يقطعون في جسمها ليأخذوا مصالحهم، هذا الأمر لم يعد ممكنًا، نحن الآن نواجه تحدّيات كبرى ما زال في إمكاننا مواجهتها والخروج من هذه المآزق الّتي نمرّ بها، وذلك بالعودة إلى الأصول والمسارات الصّحيحة، وهذا الطّريق هو الّذي يؤدّي بنا إلى استعادة ثقة اللّبنانيّين بدولتهم وبالسّياسيّين، والحالة الّتي وصلنا إليها هي أنّ الثّقة انحسرت إلى مستويات مقلقة جدًّا بين الدّولة وبين اللّبنانيّين، ولاستعادتها يجب العودة إلى الأصول واحترام القوانين والدّستور واتّفاق الطّائف والدّولة والكفاية والجدارة.

وهذا الأمر ليس بـ"كبسة زرّ"، وعندما يرى النّاس بأعينهم وليس بمخيّلتهم أنّ المسؤولين في الدّولة يمارسون احترام الدّستور والقانون ممارسة صادقة وصحيحة وليس بالتّكاذب بينهم وبين النّاس، فعندما يرون ذلك، أعتقد أنّهم مستعدّون أن يولوهم ثقتهم، والمجتمعان العربيّ والدّوليّ يستطيعان أن يوليا الدّولة اللّبنانيّة ثقتهما. نحن نمرّ بظروف صعبة جدًّا، ولكن ما زال في إمكاننا الخروج من هذه المآزق وهذه الطّريق، وغير ذلك قفزة في الهواء".

وفي ردّه على عدد من الأسئلة أعلن السّنيورة: "لقد كانت جولة أفق عميقة وواسعة مع غبطته، وكان هناك تطابق في وجهات النّظر، وموضوع التّوطين يجب أن يكون توافقيًّا بين اللّبنانيّين، لماذا نقوم بهذا يوميًّا ليفترق اللّبنانيّ على أساسها. اللّبنانيّون أجمعوا بدستورهم على رفض التّوطين، ونقطة على السّطر. وبالتّالي هذا الأمر يجب أن يكون قاعدة لنسير عليها، رفض التّوطين لكلّ الأسباب القوميّة والوطنيّة والأخلاقيّة الّتي أجمعنا عليها. لماذا كلّ يوم نحاول أن تتقاذف التّهم في ما بيننا، ونحاول أن نرمي بين بعضنا بعضًا أن هذا يريد التّوطين وذاك لا يريده، وكلّ اللّبنانيّين ضدّ التّوطين، وهذا يجب أن يكون موضع اتّفاق وتعاون في ما بينهم، ويجب أن تكون لدينا وجهة نظر نواجه فيها كلّ العالم بأنّ هناك موقفًا موحّدًا بين اللّبنانيّين عندما يكونون موحّدين على أمر ما من قوّة في الدّنيا تستطيع أن تقف ضدّهم. في العام 2006 واجهنا موقفًا شديد الصّعوبة، واستطعنا من خلال وحدتنا منع إسرائيل من الانتصار، إضافة إلى الموقف الدّوليّ وهنا لا أقلّل من الموقف الدّفاعيّ الّذي مارسته المقاومة على الإطلاق، ولكن لو لم يكن هناك موقف للدّولة واضح وصريح جمع كلّ اللّبنانيّين واحتضنوا بعضهم بعضًا لما كنّا استطعنا منع إسرائيل من الانتصار.

لقد استعنت مع سيّدنا البطريرك في لقائنا بقول للقدّيس توما الأكوينيّ الّذي يقول: "إنّ الله الّذي خلقك من دونك لا يخلّصك من دونك". نعم هناك إمكان للخروج من أزمتنا الاقتصاديّة وأقولها نعم عالية الصّوت، ولكن عندما يرى اللّبنانيّون أنّ هذا الموضوع يتطلّب أن يقوموا هم بالدّور لتخليص أنفسهم وليس في انتظار فلان أو غيره.

 

ومن الطّبيعيّ عندما يرى الآخرون، سواء أكانوا أصدقاء أم أشقّاء، إنّك فعلاً مصمّم على اتّخاذ هذا الموقف من أجل أن تساعد نفسك فسيهبّون لمساعدتك، والمطلوب في ظلّ كلّ هذه الأوضاع العودة إلى الطّريق الصّحيح والمبادئ وما يجتمع حوله اللّبنانيّون. وأكرّر يراك اللّبنانيّون تحترم اتّفاق الطّائف وليس في محاولة التّذاكي على احترام الدّولة وسلطتها المنفردة، ومن الطّبيعيّ أن أقول إنّ هناك أشياء ليس في إمكانيّ تحقيقها في الغد، ولكن أكرّر التّوجّه أن يراك اللّبنانيّون، جميعًا والأشقّاء والعالم على الطّريق المؤدّي إلى تصويب البوصلة والتزامها من دون محاولة التّذاكي فسيقفون بجانبك. وقلت أكثر من مرّة، إنّ الفساد ليس فقط أنّ هناك أحدًا فتح "الجارور" واخذ المال، فالفساد في السّياسة وعندما يحاول أحد أن يخضع الدّولة لمصلحة حزبه والميليشيات وتعبئة الموظّفين في الدّولة، فهذا الأمر غير ممكن، لذلك يجب على الدّولة أن تسيطر على كلّ مرافقها وليس أن تكون مفتوحة على من يريد، وبالتّالي نتهرّب من الالتزامات، ويجب أن تطبّق العدالة على الجميع. أنا لا أتكلّم على نظريّات بل على توجّه، وعندما تستطيع الدّولة أن تضع نفسها على هذا المسار، نعم لدينا إمكان الخروج من المأزق، إمّا ما دمنا متلهين ببعضنا ونختلق المشاكل، وفي كلّ مشكلة نراها نقوم بالمزيد من التّصادم بين بعضنا البعض، فهذا لن يؤدّي إلى نتيجة، وهذه هي الحقيقة الّتي يجب أن نصل إليها".

وعن تعديل الدّستور أوضح السّنيورة: "هناك كلام يقال بتعديل الدّستور بالممارسة، وهذا الكلام يقوله مسؤولون في الّدولة".

والتقى الرّاعي عضو مجلس الشّيوخ الأميركيّ اللّبنانيّ الأصل السّابق سام زاخم الّذي قدّم تعازيه بوفاة المثلّث الرّحمة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير لافتًا إلى "أنّه كان الصّوت الحرّ والمستقلّ ولطالما أحبّ لبنان وسيادته."

وأضاف زاخم: "لا خوف على لبنان من مواجهة المطبّات الّتي يعرّضه البعض للوقوع فيها سيّما وأنّ البطريرك الرّاعي يكمل مسيرة أسلافه باعتماد خطاب وطنيّ جامع مصلحة لبنان فيه أولويّة لا يعلوها أيّ موضوع آخر."

وتابع زاخم: "للأسف نلمس مضايقات واضطهادات يتعرّض لها المسيحيّون في كلّ العالم والكاردينال الرّاعي هو صوت المسيحيّين في هذا الشّرق وهو إن تحدث يتحدّث باسمهم لذلك نحن ندعم مواقفه بشكل مطلق لأنّها مواقف وطنيّة روحيّة مشرّفة بعيدة عن أيّة مصلحة خاصّة."

ثمّ التقى رئيس الجامعة اللّبنانيّة الأميركيّة الدّكتور جوزيف جبرا وكان عرض لواقع التّعليم الجامعيّ في لبنان ولأهمّيّة توفير فرص عمل للخرّيجين الشّباب الّذين يخسر لبنان طاقاتهم واندفاعهم."

وأشار جبرا إلى "المستوى الملفت للطّلّاب الجامعيّين الّذين يحظون بفرص عمل مغرية ولكن خارج بلادهم"، آملاً أن "تتأمّن لهم مساحة في قلب وطنهم لينفّذوا مشاريع متطوّرة في كافّة المجالات لينمو هذا الوطن الغنيّ بثروة بشريّة منوّعة إذا ما أتيحت لها فرص العيش بكرامة وحرّيّة وأمن وطمأنينة، أبدعت."

وقدّم جبرا درعًا تكريميّة لغبطته باسم الجامعة كعربون تقدير واحترام ومحبّة للبطريرك الرّاعي على دوره الرّوحيّ والوطنيّ في المجتمع، كما استلم من غبطته ميداليّة بكركي البرونزيّة تقديرًا لعطاءاته في المجال الأكاديميّ.