لبنان
14 تشرين الثاني 2018, 13:24

نهاد الشّامي تلتقي أسرة جامعة الرّوح القدس "الله اختارني لأكون علامة على هذه الأرض"

نظّم العمل الرّاعويّ في جامعة الرّوح القدس– الكسليك لقاء مع السّيّدة نهاد الشّامي، قدّمت خلاله شهادة حياتها في حضور لفيف من الرّهبان، إضافة إلى أسرة الجامعة التّعليميّة والإداريّة والطّلّاب. أحيت اللّقاء جوقة الجامعة بقيادة الأب الدّكتور بديع الحاج.

 

الشّامي

بعد صلاة الافتتاح وترتيلة "ثروة الدّنيا" وكلمة الافتتاح، قدّمت السّيّدة نهاد الشّامي شهادة حياتها، فقالت: "أصبتُ بالفالج في العام 1993، ومكثتُ في المستشفى لمدّة 10 أيّام. وكانت حالتي تسوء يومًا بعد يوم، ونصحني الأطبّاء أن أذهب إلى بيتي لأنّه كما قالوا لي: فالج لا تعالج! وكنتُ كلّ يوم أصلّي للعذراء مريم وأطلب منها ألّا أكون عبئًا على أولادي الـ12. وصلتُ إلى بيتي نهار الإثنين، وليل الخميس وأنا في المنام، وإذا بشعاع نور يدخل غرفتي ورأيت راهبين اثنين توجّها إلى سريري، واقترب منّي القدّيس شربل وتفحّص العروق في عنقي ووضع يده وقال لي: "جايي أعملّك عمليّة! فالتفتّ ولم أقدر أن أرى وجهه من قوّة النّور السّاطع من عينيه وجسمه فارتبكت وقلت: يا أبونا ليش بدّك تعملّي عمليّة، مش قايلين الحكما إنّو بدّي عمليّة. قال: نعم لازمك عمليّة، وأنا الأب شربل جايي إعملّك ياها. فالتفتّ لشخص العذراء الموضوع بقربي وقلت: يا عدرا دخيلك تشفّعي فيّي، كيف بدن يعملولي عمليّة هالرّهبان، بدون بنج! وبعد انتهاء مار شربل من العمليّة اقترب مار مارون وأخذ وسادة واقعدني ثمّ وضعها خلف ظهري وأخذ كوب الماء الموضوع بقربي، وسحب الشّاليمون منه ووضع يده تحت رأسي: اشربي هذا الماء. قلت له يا أبونا ما بقدر إشرب الماء من دون شاليمون. قال مار مارون: مبلا عملنا لك عمليّة وصار فيكي تشربي وهلّق بدّك تشربي الماء وتقومي تمشي".

وتابعت بالقول: "بعد ذلك صحوت من النّوم والماء يجري طبيعيًّا في حلقي ووجدت نفسي جالسة مثلما أقعدني الرّاهب وشعرت بحريق في عنقي، وبدون انتباه وضعت يدي لأرى ما يجري في رقبتي، عندها انتبهت أنّ يدي الشّمال المشلولة أصبحت طبيعيّة. فسألت ابنتي الّتي كانت نائمة على سريرها قربي ومع مولودها الجديد، كم السّاعة؟ فأجابت: الثّانية بعد نصف اللّيل. نهضت من سريري وبدون وعي كامل، ركعت أمام صورة القدّيس شربل والعذراء مريم لأشكرهم. ذهبت بعدها إلى الحمّام، ورأيت عنقي مذبوح بجرحين، يمينًا وشمالاً. ثمّ ذهبت إلى غرفة زوجي المجاورة، وعندما رآني أمشي غاب عن الوعي. وعندما عرفوا أولادي بدأوا يزرفون دموع الفرح. عندها قرّرتُ أن أزور المحبسة، فالتقيتُ بالمسؤول عن المحبسة يومها الأب مخايل مغامس، فعندما أخبرته بقصّتي ورأى الجرج قال: "هذا الجرح مش لألك وحدك، هذا علامة لكلّ العالم. ولازم تخبّري الإذاعات حتّى يخبّرو وطلعي عالتّلفزيونات". فأجابه زوجي: "الحمدلله المرا شفيت ومار شربل ما بدّو دعاية. وحضرنا القدّاس معه في المحبسة لشكر الرّبّ". ثم عدنا إلى البيت وكان يعجّ بالزّوّار. وبعد هذه الأعجوبة، تمكنت من أن أمشي بطريقة طبيعيّة وأن آكل بعد أن بقيت 15 يومًا من دون طعام".

وأضافت: "سحب الدّكتور مجيد الشّامي خيطين من الخيطان الّتي استخدمها القدّيس شربل في العمليّة في عنقي، ولم يستطع سحب الباقين، لأنّه لم يستطع لمسها. وأتت  بداية المؤسسة اللبنانية للإرسال وصوّرت وانتشر الخبر فجاء الزوّار من كلّ لبنان وخارجه وغصّ بيتنا بآلاف الزّوّار. وبعد مرور أسبوع على أعجوبتي، طلب منّي كاهن رعيّتنا في حالات، الخوري عبدو يعقوب، وكذلك الدّكتور مجيد الشّامي أن أبتعد عن المنزل، وأذهب إلى بيت ابني لأرتاح، فخضعت لأمرهم. ولكن في اللّيل ظهر لي القدّيس شربل وقال لي: "لا تتركي النّاس، خلّيكي عا إيمانك، أنا جرحتك بقدرة الله تا يشوفوكي، لأنّ البعض ابتعد عن الصّلاة وعن الكنيسة واحترام القدّيسين. وإنتي ما بتقدري تعملي شي للنّاس! اللّي بيريد منّي شي أنا الأب شربل موجود في المحبسة على طول. وبطلب منّك تزوري المحبسة كلّ 22 من كلّ شهر وبتعملي قدّاس كلّ عمرك… وهذا ما قمتُ به منذ ذاك الحين".

وختمت بالقول: "الله جعلني علامة على الأرض وقد اختارني، وأنا أشكره على هذه النّعمة. وأتمنّى الشّفاء للمرضى والنّجاح للطّلّاب بقوّة الصّلاة والإيمان. وطوال تلك السّنوات، كان القدّيس شربل مرشدي، فهو من نصحني للذّهاب إلى الفاتيكان ومقابلة قداسة البابا والذّهاب إلى الأردنّ لأنّ هناك من يحتاج رؤيتي. وأتمنّى أن تدخل هذه النّعمة إلى كلّ بيت". 

الأب خوري

ثمّ كان تأمّل، تلاه باقة من التّراتيل قدّمتها جوقة الجامعة، ليتحدّث بعدها الأب طوني خوري الّذي شكر الله بداية "على الرّاهبات والرّهبان وعلى الكهنة في الكنيسة، الّذين من خلالهم وبالرّغم من إمارات الضّعف يتجلّى وجه الله في عالمنا ويتألّق".

وأكّد "أنّ الله لا يظهر مجده في القوّة ولا من خلال الأقوياء، بل يظهر مجده في الضّعف ومن خلال الضّعفاء لكي يكون المجد لله وليس المجد للبشر".

وتحدّث عن ثلاث علامات تميّز حياة المسيحيّ الإنسان وحياة المسيح: "العلامة الأولى هي علامة مرطبتة بالقداسة. إنّ الله يريد أن يخلّص جميع النّاس وليس فئة من النّاس، وإنّما جميع النّاس لكي يقبلوا إلى معرفة الحقّ. وانطلاقًا من هذا القول الدّعوة إلى القداسة هي دعوة مفتوحة أمام الجميع. هذا القول يمكّن الجميع من أن يصلوا إلى القداسة لأنّها هي دعوة كلّ إنسان. الرّبّ يسوع بصلاته إلى الآب في الفصل السّابع عشر من الإنجيل يوحنّا يقول: "يا أبتي لا أسألك أن ترفعهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشّرير، قدّسهم في الحقّ، إنّ كلمتك هي الحقّ. إذا عدنا إلى الأصل اليونانيّ لكلمة "قدّسهم"، نجد أنّها تنقسم إلى قسمين: القسم الأوّل يعني النّفي لا، والقسم الثّاني يعني الأرض. فيصبح المعنى من عبارة قدّسهم لأرض. يعني من يريد أن يتقدّس، عليه أن يسعى إلى الحرّيّة ممّا يشدّه إلى الأرض. والقدّيس يوحنّا يتحدّث عن ثلاث علامات تشدّ الإنسان إلى الأرض ويسمّيها شهوات. شهوات الجسد أيّ عبادة الجسد الّتي تشدّ الإنسان دائمًا إلى الأسفل ولا تسمح له بالتّالي أن يرتقي إلى فوق وأن يرى السّماء. والشّهوة الثّانية هي شهوة العين الّتي تجعل من الإنسان جائعًا إلى الملكيّة وإلى الاقتناء. والشّهوة الثّالثة الّتي يذكرها القديّس يوحنّا هي مجد هذا العالم والّتي تجعل من الإنسان راغبًا بقوّة في أن يُمجَّد لا من الله وإنّما أن يمجدّه العالم ويرتفع في العالم. الإنسان يتقدّس في الحقّ الّذي هو الله الثّابت الأمين في مواعيده الّذي لا يتغير".

ولفت ألاب خوري إلى "أنّ العلامة الثّانية هي الاختيار. لماذا اختار الرّبّ السّيّدة نهاد؟ لماذا اختار الرّبّ على مدى تاريخ الخلاص بعض الأشخاص؟ كي نفهم الاختيار ولماذا اختار الأخت نهاد، علينا العودة إلى العهد القديم عن اختيار شعب الله. هل الله اختار له شعبًا لأنّه يفضّله على بقية الشّعوب؟ الجواب هو لا. الله يختار من أجل كلّ الشّعوب. وهذا ما قالته السّيّدة نهاد عندما تحدّثت عن العلامة. فقالت: "أنا العلامة". حتّى القدّيس شربل قال لها: "أنت علامة في قلب العالم". من دون علامة لا نستطيع الوصول. فالعلامة تسهّل لنا العبور من مكان إلى مكان آخر لكي نصل إلى المكان الّذي يجب أن نصل إليه. على مدى التّاريخ الخلاصيّ الشّعب المختار هو علامة لكلّ الشّعوب كي تصل إلى الله. قدّيسونا هم علامة لنا كي نصل جميعنا إلى الله. السّيّدة نهاد هي علامة لنا للوصول إلى الله. العمل الرّعويّ الجامعيّ، هو أيضًا من خلال الشّباب والصّبايا علامة أمامنا جميعًا حتّى نستطيع من خلال العلامة المرئيّة لنحبّ الله ونصل إليه. هذا هو الاختيار. إذًا الله يختار ليس لأنّه يحبّنا أكثر ولكن يختار شعبًا، يختار جماعة، يختار ناسًا حتّى يوصل إلينا رسالة من خلالهم وهي أنّنا جميعنا محبوبون ومدعوّون إلى الخلاص".

كما أشار إلى أنّ "العلامة الثّالثة والأخيرة هي البساطة. في آية من نشيد الأناشيد الّذي يتحدّث عن البساطة،  يخاطب الله حبيبته فيقول: "نصنع لك عقدًا من الذّهب مع جنانٍ من الفضّة". هذا الشّيء لا يشبه منطق البشر لأنّه عادة عندما نريد نحن أن نرفع ثمن شيء ما لا نطعّمه بشيء أدنى منه وإنّما نطعمه بشيء أثمن والله يقصد بالفضّة البساطة والذّهب هو المحبّة. ونحن نكون فعلاً قدّيسون في قلب العالم بقدر ما تكون حياتنا مطعّمة بالبساطة. وفي الواقع انّ القداسة ليست سوى البساطة. القداسة هي بحاجة إلى البساطة، أيّ أن نحيا في بساطة مستسلمين لروح الله ونسمح له أن يقودنا لنصل إليه".

واختتم اللّقاء الّذي اتّسم بأجواء من الخشوع والتّأثّر الشّديد بزيّاح مار شربل، حيث رتّل المؤمنون مع الجوقة باقة من التراتيل اختتموها بترتيلة: من دير عنّايا المشهور.