الأراضي المقدّسة
01 حزيران 2023, 07:50

هذا ما صلّى من أجله بيتسابالا في قدّاس العنصرة!

تيلي لوميار/ نورسات
في العنصرة، ترأّس بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا القدّاس الإلهيّ في كنيسة رقاد العذراء، تأمّل خلاله بمفهوم عيد العنصرة.

وللمناسبة، ألقى بيتسابالا عظة قال فيها بحسب موقع البطريركيّة:

"نحتفل بشكل خاصّ هنا في القدس بعيد العنصرة. لقد عدنا أخيرًا للاحتفال هنا في كنيسة رقاد العذراء، وفقًا للتّقليد، بعد الانتهاء من التّرميمات. إلّا أنّ احتفالنا اليوم يفوق المعتاد، لأنّنا مع هبة الرّوح القدس، نبارك أيضًا بداية خدمة الأب نيقوديموس شابيل، رئيس الدّير الجديد المنتخب، وحتّى اليوم النّائب البطريركيّ للمهاجرين وطالبي اللّجوء. لذلك فهي لحظة مهمّة بالنّسبة لكنيسة القدس بأكملها.

قبل أن أتوجّه إلى الأب نيقوديموس، أودّ أوّلاً أن أتوقّف وأتأمّل في مقطع الإنجيل الّذي سمعناه، والّذي يعرّفنا على مفهوم الاحتفال الّذي تحتفل به الكنيسة اليوم، عيد العنصرة.

يعيدنا الإنجيل (يو 20: 19-23) إلى أمسية عيد الفصح: وفقًا للإنجيليّ يوحنّا، ظهر يسوع في ذلك المساء للتّلاميذ، الّذين حبسوا أنفسهم في منازلهم خوفًا، وهناك يعطيهم الرّوح.

يوحّد لاهوت يوحنّا بشكل وثيق عطيّة الرّوح وعيد الفصح، كعمل واحد، وسرّ وحيد للخلاص: يريد أن يؤكّد ويفهم أنّ الرّوح القدس ينبع من الصّليب، من جنب الرّبّ المطعون. الّذي يعطي الحياة. لا يمكن أن يكون هناك روح بدون هذا العطاء الّذي أتمّه يسوع على الصّليب. ومن ناحية أخرى، فإنّ كمال عيد الفصح هو بوهب الرّوح القدس للبشريّة.

أبرز إنجيل يوحنّا الّذي قرأناه في آحاد الفصح أنّ الهدف من الاحتفال بعيد الفصح، ليس قيامة السّيّد المسيح وعودته إلى الآب، بل ليسكن في حياته وداخلنا، لنكون شركاء معه في حياته. أن نعيش على صورته ومثاله.

لهذا السّبب، في نفس يوم قيامته، يلتقي يسوع على الفور مع تلاميذه ليشاركهم الحياة الجديدة، تلك الّتي أعطاها له الآب: هذه الحياة، الّتي هي الحياة الحقيقيّة لكلّ من يقبلها.

يستخدم الإنجيليّ يوحنّا مصطلحًا نادرًا جدًّا "يسوع يعطي الرّوح". في العهد الجديد نجدها هنا فقط. أن المسيح نفخ فيهم (يو 20 ، 22). الفعل له بداية، كما لو أنّه يقول إنّ يسوع لم يتنفّس فحسب، بل بعث في داخلهم الرّوح: الرّوح هبة لا تبقى خارجة عن الإنسان، بل تدخل إلى أعماقه، لتصبح النّفس الحيّة للمرء.

هذا الفعل، الّذي لا نجده في أيّ مكان آخر في العهد الجديد، يذكر في العهد القديم في قصّة الخلق، عندما جبل الله الإنسان من تراب الأرض، "نفخ في أنفه نسمة حياة وصار الإنسان كائنًا حيًّا" (تكوين 2: 7): الإنسان إذن، يتكون من عنصرين، كلاهما يرمزان إلى: تراب الأرض، أو ذلك الجزء الأكثر حساسيّة، والّذي يرمز إلى هشاشة تكوينه المادّيّ، وهبة الحياة، الّتي تجعل الجماد شخصًا حيًّا: كلّ ما يسمح لك بالتّنفس يمنحك فرصة للعيش.

كما نفخ الله الحياة في الإنسان، ليعيش، كذلك ينفخ يسوع الحياة الجديدة في التّلاميذ، حتّى يتمكّنوا من عيش القيامة من بين الأموات: الرّوح ليس شيئًا، أو ملحقًا، ولكنّه هو بالضّبط ما يجعلنا نعيش، ما يربطنا بحالتنا البشريّة الهشّة للغاية ويجعلها تشارك في حياة الله.

وهكذا فإنّ الإنسان المخلوق مدعوّ لتوحيد هذين العنصرين، اللّذين في حدّ ذاتهما بعيدين جدًّا عن بعضهما البعض كبعد السّماء عن الأرض.

لذلك، تكشف العنصرة بشكل قاطع عن سرّ الإنسان: في عيد الفصح، من خلال نفخة يسوع، لا يجعلنا الله مخلوقًا جديدًا فحسب، بل يجعلنا مخلوقين قادرين على عيش حياة الله، شخصًا مدعوًّا لتماسك الحياة الطّبيعيّة والحياة الإلهيّة. الجسد والرّوح والأرض والسّماء. عندها فقط يكتمل الإنسان.

ليس فقط. ولكن يأتي عنصر آخر لإلقاء الضّوء على اكتمال الخليقة الّذي أحدثته العنصرة: في قصّة سفر التّكوين، يتعلّق عمل الله بالإنسان، الإنسان الأوّل، الفرد. يوجد شيء مختلف في يوم الخمسين: في مساء عيد الفصح، يعطي يسوع الرّوح للتّلاميذ المجتمعين معًا، ويعيد تكوينهم كمجتمع من الإخوة. وهنا ولدت الكنيسة.

في الواقع، لا يهدف عمل الرّوح إلى خلق أفراد كاملين، مهما كانت قداستهم. عمل الرّوح هو "شركة"، إن يخلق الأخوّة، ويوحد الاختلافات، ويجعل الوحدة ممكنة. بعبارة أخرى، هو أصل الكنيسة.

الحياة الجديدة للرّوح هي حياة لم نعد نعيشها في بحث الفرديّ، ولكن في اللّقاء مع الآخر الّذي نتشارك معه الحياة: لا يمكن أن نعيشها إذا لم نتواصل معها ونشاركها. هذه الحياة بحدّ ذاتها ليست سوى هبة. إذا تملّكنا عليها، فإنّها تنطفئ ونعود إلى الموت.

لهذا السّبب، ترتبط موهبة غفران الخطايا ارتباطًا وثيقًا بنعمة الرّوح القدس (يو 20 ، 23) فالميل إلى فعل الشّرّ يسيطر على الإنسان، ويدمّر علاقاته: الرّسل، ممتلئون بالرّوح القدس، يرسلون. لفعل الشّيء نفسه الّذي رأوه في يسوع، أيّ إبعاث الحياة حيث الموت. هذا هو الرّوح الّذي نالوه.

في هذه الآيات القليلة، تتضمّن رسالتنا ككنيسة ورسالتنا كمؤمنين بالمسيح.

أخي العزيز الأب نيقوديموس. يصف هذا المقطع أيضًا بشكل جيّد مهمّتك الجديدة ودعوتك بصفتك رئيسًا، بصفتك رئيسًا للرّهبان البينديكتين، ولكن أيضًا- بمعنى ما- كنقطة مرجعيّة روحيّة لمسيحيّي الأرض المقدّسة، الّتي تعرفها بشكل أفضل بعد تجربة السّنوات الأخيرة.

لا أحد يطلب الكمال. نحن نعلم أنّه لا توجد جماعات مثاليّة، تمامًا كما لا يوجد رؤساء مثاليّون. ما يتوقّعه العالم والكنيسة منك، وحاليًّا منك، هو أن تكون سعيدًا، ممتلئًا بالمسيح، فتتدفّق فيك الحياة الحقيقيّة والجميلة للأشخاص الّذين يحبّون الرّبّ.

كما سمعنا من الإنجيل، تسكن فينا حياة الله ذاتها، الّتي أبلغنا بها القائم من بين الأموات. إخوانك الرّهبان أيضًا، يجب أن يعيشوا الحياة الّتي ستكون قادرًا على منحها لهم، ومنحهم وقتك، وأن تكون بينهم، حتّى عندما تريد أن تفعل شيئًا آخر وتكون في مكان آخر، وتتحلّى بالصّبر معهم، والّذي هو أحد مرادفات الحبّ. سيتعيّن عليك في بعض الأحيان التّخلّي عن مشاريعك ورؤيتك وتوقّعاتك. لكن هذا سيحدث عندما يسعى الجميع إلى الوحدة. إجعل جماعة الرّهبان ممتلئة بالحياة ليكون مصدر سلام، هذا السّلام الّذي يقود إلى المغفرة، والّتي يجب أن تجدها فيك أوّلاً. إبتهج التّلاميذ لرؤية الرّبّ. أتمنّى أن يفرح من يقابلك في رؤية الله السّاكن فيك.

تتمتّع جميع الأديرة المختلفة في الأرض المقدّسة بدعوة خاصّة داخل كنيستنا. لكلّ منها طريقتها، لكنّها كلّها واحات للصّلاة، وأماكن للّقاء، وهي خارجة تمامًا عن الانقسامات السّياسيّة والدّينيّة الّتي تعرفها أرضنا، للأسف. إنّها ليست أماكن مخصّصة للمسيحيّين، أو مخصّصة لخدمة اليهود، أو للحوار مع المسلمين. بل هي أماكن ثمينة، لأنّها مفتوحة للجميع، وحيث يمكن للجميع، أن يجدوا مساحة للصّلاة، ويمكنهم الإعجاب بالاهتمام بالجمال، والعثور على شخص يعرف كيف يستمع ويقول كلمة عزاء وتشجيع. إنّها أماكن عزيزة علينا وتحتاجها كنيستنا بشدّة. في الواقع، تذكّرنا أديرتكم وتدعونا جميعًا إلى رسالتنا ككنيسة، أيّ إعلان الخلاص. وفقط المخلَّصون يمكنهم أن يشهدوا عن الخلاص بمصداقيّة، ليس بالخطب المجرّدة، ولكن بالشّهادة الحقيقيّة أيضًا.

لذلك، الآن بعد أن أوشكت عمليّة التّرميم على الانتهاء، قد يصبح دير رقاد العذراء مرّة أخرى مكانًا للتّرحيب مفتوحًا للجميع، ومساحة مهمّة للصّلاة. فلتجعل ليتورجيّتكم، جماعاتنا الكنسيّة تنمو مدركًا لما يعنيه الاحتفال، وكيف يمكن خلق الوحدة بين الحياة والاحتفال.

ليجد الفقراء، وخاصّة المهجّرين، والّذين تعرفهم جيّدًا، ترحيبًا خاصًّا في هذا المكان. بصفتك كنت نائبًا لشؤون المهاجرين وطالبي اللّجوء، كنت مكانًا للاستماع والتّوجيه والتّرحيب لعمالنا. بإختصار، كنت مثل المكان الآمن لهم. آمل أن تستمرّ في ذلك، وإن كان ذلك بطرق جديدة. ليجدوا فيك قلبًا مرحابًا، وهو أكثر ما يحتاجون إليه.

يحتل دير رقاد العذراء مكانة خاصّة في كنيستنا. إنّ أبرشيّتنا غنيّة حقًّا، ولكنّها غالبًا ما تتعرّض أيضًا لخطر التّفتّت والعزلة. وفي هذا السّياق، يمكن أن يكون لهذا الدّير دور الإرشاد والمرافقة. آمل أن تساعد وحدة جماعتكم الرّهبانيّة كنيستنا بأكملها، وفوق كلّ ذلك الجماعات الرّهبانيّة، على زيادة الوعي بالانتماء إلى الكنيسة الواحدة ووحدة أعضائها. لسنا بحاجة إلى نظريّات أكاديميّة، نحتاج إلى خبرات حيّة، لنختبر في الحياة الواقعيّة أنّ الوحدة في كنيستنا ممكنة، وأنّ الغفران والسّلام، أوّلاً وقبل كلّ شيء في واقعنا الدّينيّ والكنسيّ، ليسا مجرّد كلمات.

أتمنّى أن يملأك الرّوح القدس بالقوّة والحكمة لتكون، في الشّركة مع الكنيسة بأكملها، ومثالًا ومرشدًا للجماعة الرّهبانيّة، وأيضًا للكنيسة الأمّ- القدس."